تصريحات نتانياهو ( الجولان هي حصتنا من مخطط تقسيم سوريا )

د. كمال اللبواني

يعلم ( بيبي  ناتانياهو ) أن حدود اسرائيل عندما أعلنت لا تشمل الجولان ولا الضفة ولا غزة ولا القدس الشرقية وهم أي الاسرائيليون أعلنوا دولتهم من طرف واحد بعد انهاء الانتداب البريطاني وبعد حرب أهلية حدثت بين المسلمين واليهود المهاجرين … نص وثيقة الإعلان الذي صدر في 14 أيار 1948 بالرابط التالي :

وثيقة إعلان قيام دولة إسرائيل

هذه الوثيقة تعترف بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وبحقوق السكان المقيمين على هذه الأرض … وبالتالي وبالاعتماد على هذه الوثيقة الاسرائيلية تعتبر كل الأراضي التي ضمت بعدها تقع تحت باب الاحتلال …

ونحن نعلم أن الكنيست قد أعلن ضم الجولان 1981 لكن اسرائيل مع ذلك قامت بالتفاوض عليها مرارا ، وأن الأسد هو من عطل التوصل للسلام بسبب اصراره على وجود ضمانات لبقائه وأولاده بالسلطة … فالجولان مقابل السلطة هذه هي معادلة الأسد – اسرائيل … واليوم عندما يفقد الأسد السلطة تتغير هذه المعادلة لذلك يسرع نتانياهو لعقد اجتماع استثنائي للحكومة في الجولان يعلن فيه أنه سيبقي الجولان إلى الأبد ضمن حدود الدولة الاسرائيلية … بعد أن صرح أمام جنوده في اليوم السابق أنه لا يجب توقع مساعدة من أحد  في إشارة للخذلان الأمريكي والأوروبي والروسي لاسرائيل ! ! .

هنا يتشابه موقف بيبي مع موقف حافظ الأسد صاحب نظرية الأبد … فلا الأسد بقي للأبد ولا نتانياهو باق للأبد، ولا توجد دولة في العالم لم تتعرض للزوال … خاصة اذا كانت هشة ومصطنعة كدول الشرق الأوسط … ناتانياهو  يمارس إذا تجارة سياسية تهدف لفرض شروطه على أي سلطة تحل محل الأسد في سوريا ، وتهدف أيضا لكسب المزيد من التأييد من قبل اليمين الاسرائيلي ، وهو باعلانه يطلب صراحة حصته من كعكة تقاسم سوريا من الدول التي تعمل على تقسيمها … لكن هذا الإعلان التجاري القريب الأجل لا يتناسب مع مفهوم الأبد الذي تحدث عنه بيبي وقبله حافظ …

صحيح هناك من يقول أن سوريا قد ماتت ، وأنه ليس من ضرورة لإعادة الجولان لغياب صاحب الحق ( دولة سوريا ) الذي قتلته الدويلة الكردية في الشمال ، والعلوية في الغرب، والشيعية في الوسط … ومشاريع التقسيم والإمارات والخلافات الاسلامية … وصحيح أيضا أن الدول الغربية مع روسيا وايران تعمل جاهدة لتقسيم سوريا على طريقة يوغوسلافيا ، وأن مسار جنيف سينتهي بالتقسيم ، وصحيح أيضا أننا لا نملك كسوريين لا جزرة نقدمها مقابل عملية السلام ، ولا عصا التهديد والضغط التي تجبر المحتل على التفاوض … وصحيح أيضا أن اسرائيل تستطيع توسيع احتلالها ما شاءت في الأراضي السورية … وهذا ما يجعل نتاياهو يصرح (على المستريح )… كما كان حافظ  يصرح بشعارات المقاومة والتحرير (على المستريح) أيضا … دون أن يفعل أي شيء طالما أن الغرب يضمنون بقاءه في السلطة ، لكنه اضطر لفعل ما فعل ببلده من تدمير وتهجير وتقسيم واستقدام للمحتل ، عندما تهدد كرسيه من قبل شعبه ، كذلك من سيخلف نتانياهو سيجد نفسه مجبرا على اعادة النظر عندما يستعيد الشعب السوري عافيته وحريته . فطالما سوريا بحالة احتضار  تبقى هذه التصريحات ذات قيمة ، لكن حالما تستعيد سوريا وجودها ستصبح من الماضي ، المعركة اليوم ليست معركة الجولان إنها معركة وجود سوريا ووجودنا كعرب سنة فيها : في الحسكة وحلب وحماه واللاذقية وحمص ودمشق … وبغداد وبيروت أيضا

وفي حال نجاح مشروع التقسيم والاعتراف الدولي به والمترافق بالاعتراف بضم الجولان بالتقادم كما طالب ناتنياهو ، فإنه وفقا للقانون الدولي اذا أراد ناتنياهو ضمن الجولان فعليه إعطاء حق العودة لأكثر من مليون من أبناء الجولان المعذبين والمشردين في اقصاع العالم ، فحق عودة المهجرين هو حق شخصي تعترف به القوانين الدولية ، بغض النظر عن الدولة القائمة … وكذلك عليه اعطائهم حقوق المواطن الاسرائيلي … عندها قد يصوتوا لصالح الليكود في الانتخابات الاسرائيلية !!!.

لقد مرت المنطقة بحروب ونزاعات كثيرة وخرجت منها … عاجلا أم آجلا ستتوحد سوريا بل شعوب ودول المنطقة ، ومن يراهن على التقسيم يراهن على سراب . وحاجة اسرائيل للأمن والسلام ستجبرها على تقديم تنازلات كما فعلت في سيناء والضفة وغزة وجنوب لبنان … ليس هناك ضرورة  لخوض حرب وجود معها ، يكفي استخدام وسائل ناعمة لتغيير طبيعة وسلوك دولة اسرائيل ، وطبيعة الوجود اليهودي في الشرق الأوسط ، خاصة مع عودة تنامي النزعة العنصرية في الغرب وعودة معاداة السامية بشكليها العربي والعبري لمجتمعاتها السياسية تحت تأثير التراجع الحضاري والأخلاقي المضطرد ، وفي ذات الوقت مع تنامي المصالح المشتركة بين اليهود الذين اختاروا العودة لأرض أجدادهم هربا من الاضطهاد الأوروبي وانضم اليهم الكثير من اليهود العرب … وبين المحيط الذي لا يمكن تجاهله والاستمرار في معاداته خاصة بعد يقظة الربيع العربي وانتفاضة الشعوب التي لن تتوقف قبل تحقيق أهدافها …

نتانياهو يعلم أن العرب المسلمين والمسيحيين مع اليهود العرب هم أغلبية في اسرائيل ، لذلك يحاول جاهدا تحويل دولة اسرائيل لدولة دينية يهودية مخالفا وثيقة اعلان الدولة ذاته . ومخالفا لأصول قيام الدول التي لا تقوم على العقيدة والأيديولوجيا . أما نحن فلا يمكننا أن نعترف بدولة اسرائيل قبل أن يعترفوا هم بها ويحترموا وثيقة اعلانها …

ليس للأبد ولا لعقود… اسرائيل قريبا لن تستطيع البقاء خارج حدودها التي أعلنتها هي … ولن تستطيع الاستمرار بتجاهل تكوينها وحجمها ، ولن تستطيع الاستمرار في لعب دور عدائي مع جيرانها ، ولا الاستمرار في تحدي القانون الدولي … فمغريات السلام والأمن أكبر بكثير من مكاسب الاحتلال ومخاطره … وجيل بيبي اليميني الذي تربى على الدعم الغربي والأمريكي المطلق سوف يزول من الحياة السياسية في اسرائيل ، بعد تقلص ذلك الدعم بل تبدده بسبب انحطاط الغرب الأناني ذاته ، وصعود مراكز حضارية جديدة لن يكون العرب والمسلمين خارجها إنشاء الله…

فإذا أراد اليهود المشاركة في حضارة الشرق الأوسط  (وليس في تخريبه)  فليكفوا عن مثل هذه التصريحات .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.