يثب

جنيف 2 دعوة لإنهاء الثورة السورية

د. كمال اللبواني

ان الدعوة لحضور جنيف 2 التي حددت ب 22 كانون الثاني يناير من العام القادم هي في الواقع دعوة لتسليم السيادة ، ولوقف  (الثورة السورية)، وإذا رفض الثوار إيقاف ثورتهم سيتحولون تلقائيا مع الجهات الداعمة لهم بحسب وجهة نظر المجتمعين في جنيف و بحسب وثائقها إلى ارهابيين وعصابات خارجة عن القانون الدولي .

ومن يتخيل أن المجتمع الدولي جاد فعلا في فرض حل في سوريا، ينكر تجربة ثلاث سنوات مع هذا المجتمع، الذي تنصل من كل مسؤولياته تجاه الشعب السوري ، بواسطة مقاربته السلبية لما يحدث ، لكنه فعلا يبدي اليوم جدية في عقد جنيف لانتزاع السيادة ووضع يده على مصير سوريا .  فالتشخيص المغلوط عمدا (والخاطئ عن سوء نية )، يؤدي فعلا لتقديم العلاج الضار بل المميت قصدا، وطالما أن العالم لم يعترف بإرادة وحقوق  الشعب السوري ، ولم يعلن تشخيصه للعلة : أي من يقتل ومن يدمر ومن يرتكب الجرائم، فهو لا يريد أن يعرف المرض، ولا يريد  تقديم العلاج الذي يزيل السبب … فالشعب هو صاحب الحق والقرار، وكل جريمة مورست بحقه تعالج بالعدالة التي هي سنة الوجود، إلا جرائم النظام السوري، يجرى حلها بالدعوة للجلوس مع المجرم حول طاولة الحوار ومن دون شروط ،  أو بمعاقبته دوليا عبر الزامه بتغيير أدوات جريمته …

هم بشكل واضح وصريح يقولون أن الحل في سوريا  سياسي، ودورهم هو توفير الاطار وتقديم المساعدة، وهم لن يتدخلوا عسكريا تحت أي ظرف، ولن يفعّلوا آليات العدالة التي لا تنفذ من دون قوة، بل يفترضون أن السوريين قد تعبوا وأنهم سيقبلون بأي حل يفرض عليهم، وأنهم ينتظرون بلهفة لكي يجتمعوا في جنيف ليتبادلو القبلات الحارة، لذلك يرون أن المطلوب منهم هو الاسراع في عقد هذا اللقاء الحميمي، الذي سيسامح على الماضي خوفا من المزيد، ويقفز فوق الحقوق والعدالة ويفرّج الأزمة وينهي الاحتقان ( أي الثورة )، لينجب هذا اللقاء الحميمي، بين السلطة والمعارضة، ذلك المولود الجديد المنتظر من جنيف (الجسد الحكومي البريء المرضي عنه من الله والشعب والنظام وروسيا وأمريكا وايران  .. بالمعية أيضا ) والذي سيكون له وهو في المهد كامل الصلاحيات والسلطة والقدرات ، هكذا و بقدرة قادر ومعجزة  تتكرر ….. فالحوار الذي بقي مستحيلا طيلة خمسة عقود بين النظام والشعب، وطلبات الشعب التي قوبلت بالحديد والنار طيلة عقود ، سوف تلبى هكذا وببساطة بمجرد الحضور إلى طاولة الحوار !!!!

واقعا نحن نعامل كسذج ، وكأننا أمام قصة تحكى لطفل كي ينام ، ولم العجب ..  فنحن في الائتلاف نشعر دائما بالنعاس من تخمة الأكل، وأسرتنا مريحة جدا في الفنادق، ولا يوقظنا من سكرتنا سوى إضاءة الكاميرات، التي نهرع للوقوف أمامها للمزاودة ، فنضع (اللاءات الخمس)، ونرفض التنازل (حتى لو قطعوا رؤوسنا) ، ونصدر البيانات على مدار الساعة، ونضع الشروط والمحددات والضمانات، ثم …   ثم نلحسها جميعا بسهرة واحدة مع السفير … ونزحف في الصباح المشؤوم مطأطئي  الرؤوس  لتلبية  الدعوة ، وللحضور كمتسولي كسرة سلام  نستر بها عورتنا المفضوحة  على قارعة الطريق ، (نستجدي روسيا تحرير بعض النساء والأطفال، وننسى 250 الف شاب اختطفهم النظام لا ندري كم بقي منهم على قيد الحياة وكم يعانون … أو فتح معابر انسانية لمنطقة محاصرة،  وننسى عشرة ملايين هائم على وجهه يعاني الذل والجوع والخوف) ومع ذلك فكل ما حصلنا عليه حتى الآن هو الوعد بأن توجه الدعوة لرئيس الائتلاف ….   !!!!!!!!!  ما شاء الله  ( تكبير ) .

بعد ذلك طبعا ستأتي قائمة الوفد المطلوب حضوره عن طريق الهاتف الدولي، أو من خلال سهرة مع  السفراء الذين سينصحون بتشكيلة الوفد المناسبة، الوفد الذي يدربونه على فنون التفاوض ، أي فنون وتقنيات التمنع قبل الخلع والتعري، وهي مهارات يجب أن يتمتع فيها وفد (المعارصة) ليؤدي دوره المرسوم له في سرير جنيف بنجاح ورفاه وبنين .  بالطبع سيتشكل هذا الوفد ممن له باع بالوكالة للأجنبي وموثوق من قبله، أي غير وطني وغير متطرف وغير ارهابي …. أي (وغدا لناظره قريب ) ..  سوف يتشكل هذا الوفد في غالبيته من منحبكجية النظام المعلنين صراحة عن حبهم وهيامهم ، ومعهم عدد من كاتمي هذا الحب الدفين، المموهين بلباس المعارضة السلمية والوطنية والمدنية والديمقراطية والتعددية، أو بلباس الأقليات والمكونات ممن يوحدهم خوفهم من الاسلام ….  وهم قد أصبحوا غالبية والحمد لله في الائتلاف بعد التوسعة وتوسعة التوسعة ،وهي أغلبية تعمل بأمرة الغرب وتستطيع تمرير أي قرار  يوحى إليها من روسيا وأمريكا (بالديمقراطية ..! التي تنسى كيف تشكل الإتلاف ) ،  كما سبق ومررت وثيقة تقسيم سوريا والغاء عروبتها، لكن من دون الحاجة للتشبيح هذه المرة.

لنركز قليلا  على الوفود و مشاركة الأقليات بمكوناتها. فالنظام سوف يمثل الدولة( الأمنية العسكرية ) التي يجب أن لا تسقط، و يمثل الوطن ( مزرعة التشبيح والفساد ) الذي يجب أن يبقى ، و يمثل الأغلبية التي ما تزال تعيش ( طواعية )تحت قبضته، ويتحالف كنظام طائفي أقلوي مع بقية الأقليات وميليشياتها عسكريا في كل الجبهات ..  بينما على وفد المعارضة أن يمثل أيضا الأقليات وبأكثر من طريقة: عبر هيئة التنسيق السلمية مع النظام  وشريكها الكردي المسلح ضد الثورة، وعن طريق الائتلاف الوطني الذي يمثل الشعب السوري والذي يضم المجلس الوطني الكردي (الذي يمثل الشعب الكردي ضمن وحدة الشعب السوري بمعادلة تقول أن :         شعب + شعب = شعب) ، و أيضا من خلال المستقلين ؟؟؟ مستقلين عن ماذا لا ندري ؟؟؟؟  ، مع أن الأقليات عموما  تحارب مع النظام ( نستثني بعض الشخصيات المتمردة على مكوناتها والمنبوذة فيها ، والتي ليس لها أي تأثير على قراراتها) ليصبح في النتيجة تمثيل الأغلبية العربية السنية  شكليا أقل من ربع وفعليا صفر . إذا اشترطنا تفويض المكون لممثليه، حيث أن غالبية قوى الثورة المعنية بالحرب والسلام رافضة جملة وتفصيلا لجنيف وللائتلاف وللحوار مع النظام القاتل . وموضوع الأقليات لا يمكننا القفز فوقه ، لأنها تعمل وبشكل منسق على إلغاء الأغلبية العربية السنية سياسيا ، وتحويلها لأقلية ، بنزع هويتها عن الدولة ، من خلال حرب ابادة وتهجير عسكرية ، وحرب تقويض سياسية تخوضها بالشراكة مع الغرب وتحت شعار الديمقراطية التي يريدونها كمضاد للهوية وللدين .

ولننظر  لمسرحية رفض حضور ايران، فطالما إيران موجودة عسكريا على الأرض، و هي من يحكم سوريا ، وهي من ستشكل وفد النظام من الخاضعين لمرجعيتها، فما مبرر رفض حضورها على مقعد مراقب في جنيف ؟؟؟  لأنها هي وليس الأسد من سيشكل وفد النظام ، بينما سيشكل الأسد ومخابراته وفد المعارضة من المقربين والمغازلين والعشاق السابقين وشريبي القهوة والكاس السابقين عنده….   في حين يغيب ظاهريا الأسد ، لتحضر أذنابه وعملاءه على طرفي الطاولة، ويغيب فعليا صاحب العلاقة و ولي الأمر عن التمثيل: أقصد عشرة ملايين لاجئ ومشرد، وخمسة ملايين محاصر ، ومليون شهيد ومفقود وجريح مشوه ، ومعهم كل الثوار والمجاهدين المنشغلين في الدفاع عما تبقى من أرض وعرض ، ليتحول هؤلاء الأصلاء ، الذين هم غالبية الشعب السوري ، إذا ما رفضوا الانصياع والركوع للمقررات وللسلطة الجديدة، إلى خارجين على الدين والشرع ( خوارج تكفيريين )، و عن القانون ( ارهابيين يأكلون لحوم البشر )، ويستأسد عليهم مجلس الأمن والمجتمع الدولي، ويتنكر لهم الصديق، ويعتذر الشقيق عن عدم قدرته على مخالفة القرارات الدولية التي ستصدر سريعا لتحريم تزويد المعارضة غير المنضبطة بالسلاح، وتجريم من يفعل من الدول الجارة.

والآن … وبعد أن تحدد موعد المؤتمر المنتظر لإنهاء الثورة، وأعلن الوسيط غير النزيه، أن لا شروط مسبقة، وأن كل الموضوعات تناقش في جنيف كموضوعات وليس كشروط، وأن صلاحيات مجلس الحكم الانتقالي تناقش أيضا هناك، ومصير الأسد وغيرها، يبقى السؤال مطروحا : أين أصبحت شروط وضمانات ومحددات الائتلاف ؟؟؟؟ هل ذهبت في مهب الريح ..  وهل سنذهب من دون أهداف ولا محددات ولا ضمانات …     هل هناك من يجيب في قيادة الائتلاف العتيدة .. هل نتوقع منهم التزام صادق لمرة واحدة فقط .

هل سنقبل بأول شرط من شروط حضور جنيف أعلن عنه بان كي مون، وهو البند الأول في وثائق جنيف واحد ( أي  وقف اطلاق النار الشامل من الطرفين ) ؟  بينما يبقى المقاتلون الأجانب، و يستمر الحصار، و يتعفن المعتقلون في السجون، و يتبدد المشردون في كل مكان ، بانتظار أن يتم تطبيق البند الأول، والذي قد يحتاج لسنوات . تفرض خلالها وكأمر واقع حدود تقسيمية على سوريا…

وإذا  عجز الطرفان عن الاتفاق وهذا  شبه مؤكد …  هل سيتم فرض جسد حكومي انتقالي مرضي عنه من روسيا وأمريكا فقط ، ومكون حسب ما نرى من خدمة صالونات السيدات الأوائل، ليحكموا بدلا عن أزواج تلك السيدات ، الذين سيذهبون في اجازات طويلة ليتمتعوا في منتجعات العالم بما سرقوه من قوت الشعب، ويستعيدوا ذكريات بطولاتهم في قتله وتعذيبه ، متنعمين بالحصانة الدولية التي تقدم لهم ثمنا لمبادراتهم السلمية في تسليم السلاح الكيميائي ، وقبولهم الحضور لمؤتمر السلام، وبعد ذلك التنازل طوعيا ، ومتى شاءوا عن ورثتهم من السلطة التي فطرها الله لهم ولآبائهم من قبلهم .

احذروا يا من كنتم رفاقي ، ما سترتكبه أيديكم سيرتد عليكم و بشيء  آخر غير  الكلمات .. إنه تاريخ ومصير أمة . ما أطلبه منكم أن تلتزموا لمرة واحدة بما كتبتموه في وثائقكم ، وبشكل خاص تلك المتعلقة بمحددات المشاركة في جنيف، وانتم قد قبلتم بها طوعا رغم اعتراضنا وتحذيرنا ، ورحم الله أمرئ عرف حده فوقف عنده .

باختصار نحن نعتقد أن الضمانة الوحيدة لنجاح الحل السياسي في سوريا، هي تغير ثابت ونهائي للوضع الميداني على الأرض يقنع النظام بالرحيل السلمي قبل الهزيمة العسكرية، وقبل تحقق ذلك لا فائدة من المحاولة لأن أي حل لا يلبي أهداف الثورة  سيسقط بيد شعب قرر أن يقاتل من أجل حقوقه وكرامته ..

و لمن أراد طلب ضمانة دولية سهلة، يمكنه المطالبة بقرار ملزم لإيران وحزب الله بسحب قواتهم من سوريا، أو يمكنه المطالبة بإحالة ملف الجرائم في سوريا، وبشكل خاص أسلحة الدمار الشامل، لمحكمة الجنايات الدولية، وكل من يرد اسمه في القرار الظني يمنع من المشاركة في الحياة السياسية، وهو طلب بسيط وسهل، لكن أن يكون الحل السياسي بالشراكة مع الاحتلال، و بهدف إعادة الاعتبار للمجرمين وحمايتهم فهذا شيء غير مقبول، ولا يعتبر طريقا للسلام بل نحو الوحشية.

أخيرا ماذا نفعل  في مواجهة هذه الجبهة الجديدة التي فتحت علينا والتي اسمها جنيف، ولم نستطع تفاديها بكل الوسائل التي نملك :

أولا- يجب الاستمرار برفض مبدأ الذهاب، والعمل على تعطيل ذهاب أي وفد يمثل المعارضة،  وهذا ما يعفينا من أي التزام لاحق. وهو الخيار الأفضل والأسلم،

هناك من يقول بوضع شروط وضمانات يجب أن تتوفر قبل الذهاب، تلغي احتمال تجديد النظام أو تقسيم البلاد…. والمشكلة مع هكذا طرح أنه مغري نظريا، ومستحيل عمليا، لعدم وجود قوة أو جهة قادرة على ضمان أي شيء، فالكل قد يساعد لكن لا أحد يكفل … لذلك اقترحنا أن تنتظر المحاكم الثورية كل من يتعهد ولا ينفذ ما التزم به . كي لا يتورط العاجز فيما لا قدرة له عليه، وهذا ما يجب أن يكون واضحا ومعلنا عنه مسبقا.

ثانيا – تحضير أنفسنا لحرب سياسية وعسكرية طويلة، حرب جبهات و حرب أنصار.

ثالثا – توقع الحصار المالي والعسكري، والاستعداد له بالتخزين وبالاعتماد على الذات، وتوجيه العمليات نحو اكتساب الغنائم الحربية، واعتماد التكتيكات التي لا تستهلك الذخيرة، وأهم عنصر هو الاسراع في تطوير التصنيع الذاتي ، والسيطرة على مصانع النظام العسكرية.

رابعا – تدعيم التحالفات مع الشعوب الصديقة والشقيقة ، والانتشار للدول المجاورة وزرع تنظيمات في المناطق المؤيدة للثورة في الجوار للمساعدة في خرق الحصار المتوقع .

خامسا – الاستعداد لمنع استقرار أي كيان انفصالي، أو حكومة انتقالية لا يرضى عنها الشعب .

سادسا – العمل على اعادة المهجرين وتشغيل الاقتصاد الوطني الداعم للثوار .

سابعا – التوافق على قيادة عسكرية سياسية موحدة للثورة  في الداخل ، ملتزمة فقط بمصلحة الشعب السوري، تعمل بأمرتها كل الفصائل والقوى والشخصيات والمؤسسات ، و تنزع الشرعية عما عداها .

                                                                                    والله الموفق والمستعان

2013/12/01

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.