يثب

سوريا !! الحقيقة المرة

Kamalبعد أن أهمل الوضع في سوريا طويلا، صارت كل الاحتمالات لتطور الأزمة السورية احتمالات واقعية وممكنة، فالحقيقة المرة التي علينا توقعها أن كل الاحتمالات ستتحقق معا، فالثورة ستستمر وتنجح رغم كل القمع والتدخل الخارجي والخذلان من الصديق، والنظام لن يسقط أيضا بسبب كل ذلك، والفوضى ستستمر في الداخل وتنتشر للخارج، والحرب الأهلية ستستمر وتتوسع، والحل السياسي المنشود دوليا أيضا سيتحقق.. نعم كلها جميعا ومعا ستتحقق على أرض سوريا، لسبب بسيط هو أن التقسيم أصبح أمرا واقعا، وهو الذي سيسمح بهم جميعا.

فالثورة ستنجح، لكن في بعض المناطق، والنظام سيبقى في بعضها، وبعضها سيتحول لإمارات، وبعضها لدويلات طائفية، وبعضها ستقوم عليه سلطة جنيف.. أي باختصار سوريا ستتحول لأقاليم، وفي كل إقليم نوع مختلف من أنظمة الحكم، وستستمر هذه الحال التجريبية طويلا.. الكرد سيقاتلون من أجل الاحتفاظ بدويلتهم وحلمهم القومي، والعرب سيقاتلون هناك للبقاء في أرضهم التي فتحها أجدادهم وسادوها منذ 15 قرنا، والنصيريون لن يطمئنوا إلا لسلطة الشبيحة المحصنة بالسلاح الفتاك والكيماوي ووجود الأجنبي الذي يقاتل معهم، والمحتلون الأجانب الذين جاء بهم النظام لن ينسحبوا من مربعاتهم الأمنية المقدسة التي يخططون للطم فيها، أما المسيحيون وبقية الأقليات المشرذمة الأخرى فسيضطرون للبقاء كأهل ذمة تحت حماية ورحمة الشيعة والنصيريين أو غيرهم، وإن كانوا حالمين بسلطة جنيف المرضي عنها من روسيا الأرثوذكسية. والدروز يفكرون جديا في حمل السلاح خوفا من استباحة وليس رغبة في انفصال، والسلفيون الجهاديون لن يقبلوا بأقل من دولة تطبق شريعتهم التي أمرهم الله بإقامتها والتي دفعوا ثمنها خيرة مجاهديهم، أما الديمقراطية أو العدالة فهي مجرد حلم وخيال ليس أكثر، و سيبقى الاستبداد والشمولية كما الانتقام هو الوسيلة الوحيدة التي ستطبق في كل مكان.

ومع ذلك لن تستقر أي من هذه الكيانات والأقاليم، بسبب اختلاط السكان وضياع الحدود وتحرك موازين القوى الدائم.. فلا النصيريون قادرون على إقامة دولة، بل فقط مربعات متنازعة ومهددة دوما ومعرضة لكل أنواع الهجمات والحصار، لأنها ستعتبر بمثابة ملاذ المجرمين وإسرائيل جديدة، ولا حزب الله قادر على حكم أكثر من مربعات صغيرة بعد أن يستبدل سكانها بسكان يأتي بهم من الخارج، ولا الكرد قادرون على التوافق أو طرد العرب من كردستانهم، ولا دولة العراق والشام قادرة على الاستقرار بسبب تناقضها مع الحاضنة الشعبية، ولا الجهاديون السلفيين قادرون على إقامة خلافتهم الإسلامية المنشودة بسبب ضعفهم وتفرقهم والحصار الدولي المطبق عليهم، ولا حكومة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في المنفى قادرة على دخول الوطن، ولا سلطة جنيف الانتقالية التوافقية المنتظرة الكاملة الصلاحيات قادرة على إقناع أحد غير الخوذات الزرق بطاعتها، ولا تبدو لنا أي إمكانية لاستعادة وحدة الدولة ومركزيتها، من دون تطبيق العدالة والقانون الدولي بكامل حذافيره وبقوة خارجية أكبر من الجميع، أو انتصار الأغلبية العربية السنية، وقبول الأقليات بسلطتها، وهذا ما هو مرفوض من الأقليات وممنوع دوليا!

وعليه وطالما أن طرق الحل الحقيقي الوحيد ممنوع، ولكي لا ينتظر السوريون سراب حل يهبط عليهم بمنطاد جنيف، ولكي لا ينتظروا بلاهة السياسيين الدوليين وتهافت سياساتهم، ولكي لا يخافوا أحلام الانتصارات العسكرية الساحقة الماحقة لمشوهي المقاومة المزعومة ضد الاستكبار.. عليهم التفكير جديا، ومتفرقين في خلاصهم، وبالتعاون فقط مع من تبقى من ذويهم في مناطقهم وبما يناسب ظروفها، وهذه حقيقة مرة سوف يتجرعها ذوي ورفاق الشهداء، الذين قضوا من أجل غاية وطنية نبيلة، مع حقيقة أخرى يجب أن يتقبلها أيضا ذوو المفقودين والمعتقلين إذ عليهم توقع استمرار فقدان ذويهم الذين أتلفهم النظام وأخفاهم في مقابره الجماعية دون أدنى احترام حتى لجثثهم، وأخرى يتقبلها المهجرون الذين سيكتشفون أنه عليهم فك خيامهم والعودة بها لمناطقهم مهما كانت الحال فيها، وأخيرة يتقبلها أصحاب الأملاك المدمرة الذين سيبقون يحلمون بالتعويض من دون جدوى.

ومن ينتظر أن يقوم الغرب أو الشرق بفرض حل، وإقامة سلطة يرضى عنها “الشعب”!!، ونظام ديمقراطي!، ودستور وحكومة منتخبة!، وعدالة انتقالية! وإطلاق برنامج بناء وإعادة تأهيل؟.. أو من ينتظر أن ينتصر النظام ويستقر مرة أخرى، ويأتي بالإيراني والروسي ليبنوا له دولته الأقلوية، أو أن تنتصر حكومة المعارضة وائتلافها، لتنفذ برامجها ورؤيتها المنصوص عنها في وثائقها، التي حضرتها في فنادق الدول الصديقة وبرعاية الخبراء الغربيين.. كل هؤلاء عليهم أن ينتظروا كثيرا، وطويلا جدا.. لقد سخرنا سابقا من اجتماع وزراء الدول الصديقة في لندن قبل سنة وهم يستمعوا لرؤية الائتلاف حول المرحلة الانتقالية، وسخرنا أكثر عندما دعينا للمشاركة في تحضير وثيقة اليوم التالي قبل سنة ونصف في برلين، وهانحن نشهد اليوم الذي سبق وهو لا يوحي أبدا بأي تغير في اليوم التالي المنشود، بل ينذر بأيام وليالي سوداء، ودماء كثيرة، وسلطات لم نسمع ولم نر مثلها، لا في رؤية الائتلاف ولا ضمن برامج معهد الديموقراطية الأمريكي المتصهين.. فكل تصورات الخبراء والمنظرين ومعهم متسلقو الثورة وحالمو الوصول للسلطة القادمة بدعم ورعاية السفراء تثير عندنا الحزن والشفقة، بل القرف من غبائهم وعماهم عن رؤية الحقيقة والواقع، لأننا سوف نتذوق اليوم وغدا وبعده لسنوات عدة مرارة هذا الواقع، وعلينا أن نصبر ونحتسب، ونعيد تقييم الحال بشكل واقعي، لكي نوضح لمواطننا الحائر المعذب ماذا عليه أن يفعل.

يا شعب سوريا الجريح المشرد: لا بلدان المهجر ستستوعبنا، ولا الدول المضيفة لمخيماتنا ستبقينا فيها، ولا أحد سيرفع القتل والحصار عنا ويعيد الأمن لبلادنا، ولا شيء سيعيد بناءها بعد كل ما أصابها.. سوى سواعدنا، نعم سواعدنا وحدها.. هذا ما يجب أن يكون واضحا لكل من ينتظر من الغير أن يجدوا له حلا.

أولا– لابد اليوم من الصمود والقتال لكسر شوكة الهجوم الفارسي الوقح المستشري علينا، ولا بد على الأقل من منعه من الانتصار، إذا لم نقل هزيمته، و من أجل ذلك علينا نتوحد خلف أي راية قادرة، ولا أجد غير راية التيار السلفي الجهادي في هذه المرحلة.

ثانيا – لا بد من إقامة مناطق آمنة صالحة للسكن حيث الأولوية في ذلك لتطهير الجيوب، ومن ثم لتحييد سلاح الطيران والصواريخ البعيدة، باستعمال القوة، أو بتسليم هذا السلاح لسلطة جنيف المنتظرة.

ثالثا– المباشرة في إعادة اللاجئين وتشغيل الاقتصاد مع توقع استمرار المناوشات والحرب،

رابعا- التحضير لحرب استنزاف طويلة ومتعددة الأشكال، منها قتال الجبهات ومنها قتال الأنصار، ولا بد من الاعتماد الكامل على الذات حتى في التصنيع الحربي، فالحصار ممارس ومساره نحو التشدد.. ما نأمله هو النصر، لكن بعد مرحلة قد تطول من التعايش بين أقاليم وكيانات ودويلات وإمارات متحالفة أو متصارعة.

خامسا– لابد من فتح معركة دمشق وإخراج النظام منها أو على الأقل نقلها لسلطة جنيف فمن دون تحرير دمشق لا يمكن الحفاظ على هوية المنطقة العربية السنية.

مع الزمن سوف تنشأ علاقات اقتصادية بين الأقاليم غير المتحاربة، وسوف تعمل هذه الروابط الاقتصادية على توحيد السياسة بسرعة أكبر من تلك التي يتوقع أن تقوم بين الأقاليم المتحاربة، حيث يجب الانتظار طويلا لكي يستقر السلم وتتطور الروابط التجارية والاقتصادية التي قد تسمح بعودة حالة ما من المشاركة السياسية، وهذا مرتبط أيضا بمقدار وسرعة تحقق العدالة، فما حدث من جرائم (بحجمها ونوعها) يصعب فعلا تجاوزه.

أي أهلي الذين أحب! وكل الذين يعانون ويسألون: هذا هو الطريق، لا أرى غيره.. هلموا لنساعد أنفسنا ونكف عن انتظار المعونات الشحيحة التي لا تسمن ولا تغني، وانتظار الآمال المقتولة، وكما ما قال المثل “ا حك جلدك إلا ظفرك”، ولا يتوقعن أحد مساعدة من أحد، فالكل يعاني والحاجات هائلة والحلول المقترحة بعيدة وغير مجدية، والحاجات لا تنتظر.. هلموا للعمل والفعل،وكفى نتظارا وتمنيات.

كفاكم الله ذل المسألة وهوانكم على الناس، وثبتكم على الاحتساب والصبر، وجزاكم الله عن كل ما أصابكم، فالله وحده معنا.. نعم المولى ونعم النصير.

د . كمال اللبواني

2013/11/24

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.