الحل المنتظر في سوريا … سيناريو ولاعبين

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

نصت المادة 21 من القرار رقم  2118  الصادر عن مجلس الامن الدولي بعد مجزرة الكيماوي في الغوطة عام 2013 على ما يلي:

(يقرر المجلس في حال عدم الامتثال لهذا القرار بما يشمل نقل الاسلحة الكيميائية دون إذن، أو استخدام أي أحد للاسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية، أن يفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة)

لكن مجلس الأمن رفض بالأمس حتى فكرة التحقيق باستخدام الغاز مجددا في خان شيخون  ، فروسيا قررت الاستمرار في تعطيل الشرعية الدولية كما فعلت طيلة السنوات الست الماضية . مما يطلق يد الولايات المتحدة في التصرف خارج اطارها لو أرادت .

طبعا استمرار المجزرة طيلة سنوات لم يكن بسبب نقص الأحداث الموجبة للتدخل ، بل بسبب توازن قدرات الفاعلين وعدم وجود الإرادة من قبل الأطراف القادرة على حسم الصراع … فالشعب السوري استطاع أن يتصدى لأعتى الأنظمة المدعومة من قبل إيران و روسيا ، الذين لم يستطيعوا مجتمعين هزيمة هذا الشعب ، فتقرر أخيرا وبالتوافق بين النظام و إيران وروسيا استخدام أسلحة الدمار الشامل بهدف القضاء على بؤر المعارضة المتبقية في حماه وادلب وريف دمشق ، بعد الانهاك الكبير لقوات النظام والاستنزاف غير المحدود للدول الحليفة ، بالإفادة من الغياب الدولي وتعطيل مجلس الأمن ، وتراجع الدور الأوروبي والأمريكي حتى لا نقول تخاذلهما … لقد توهم النظام أن الوقت مناسب للعودة لاستخدام غاز السارين الذي احتفظ بكميات كبيرة منه بتواطؤ روسي (أحد أهم مستودعاته التي يديرها حزب الله هي مغارات سد بلوزة على الحدود اللبنانية قريبة من بلدة القصير ومطار الشعيرات ) ، فنفذ ضربته التجريبية في خان شيخون انطلاقا منها ليختبر ردات الفعل . وقدم تم رصد التحركات والمكالمات التي سبقت ورافقت الحادثة ، والتي تؤكد تورط النظام بكامل مراتبه ، وعلم روسيا وايران المسبق بالحدث لكونهما مشاركان في هذه القاعدة العسكرية .

المستغرب هو ردة الفعل الإسرائيلية السريعة والحاسمة وفي كل المستويات الرسمية والإعلامية والشعبية ، وتحركهم الديبلوماسي والإعلامي على مستوى العالم وصولا لإدارة ترامب التي أسرعت في ارسال ردها الحاسم محملا على صواريخ توما هوك على غير العادة . فالضربة العسكرية الأمريكية هي رسالة سياسية جوابية للنظام وإيران وروسيا ، وإعلان عن عودة قوية للدور الأمريكي المنتظر اسرائيليا بعد فشل الدور الروسي في فرض حل ، بل بعد تجيير تدخلها بشكل سافر لصالح زيادة نفوذ ايران وحزب الله في المنطقة ، وذلك على حساب زيادة المخاطر التي تهدد أمن اسرائيل وتقوض الوجود العربي السني …

قبل الضربة تحرك نتانياهو بين موسكو وواشنطن والدول العربية محاولا ايجاد تسوية بين الروس والأمريكان على حساب التواجد الإيراني في سوريا ، لكن الروس لم يكونوا في وارد تسوية تشمل سوريا فقط بل تشمل أمور أخرى في أوكرانيا وغيرها … فالثمن الروسي لم يكن مقبولا أمريكيا ، مما دفع بالروس لاعطاء الضوء الأخضر للنظام في مباشرة عملية الإبادة في ادلب وريف دمشق خاصة بعد الهزائم التي تعرض لها عسكريا في أكثر من جبهة ، وهو ما استوجب تحركا أمريكيا مختلفا هذه المرة تجاه الأزمة في سوريا ، مما وضعها على نار حامية يتوقع أن تزداد سخونة هذا الصيف مع تزايد احتمال توجيه المزيد من الضربات العسكرية لتدمير قدرات النظام الجوية والاستراتيجية ، ثم اتباعها بتدخل عسكري بري من عدة محاور بالتعاون بين مقاتلي الجيش الحر ، وجيوش عربية وخبراء أمريكان وبريطانيين … خاصة من الجنوب ، فالحرب على داعش التي سيخوضها ترامب لن تكون بالتعاون مع النظام أو لصالحه ، بل تبدأ بضربه وتقويض نفوذه ، وتستمر بتشديد الضغط عليه وعلى الميليشيات الإيرانية الحليفة . ولن يكون استهداف الأسد كنظام وشخص بعيد الاحتمال مع تقدم الأحداث هذا الصيف ، فزواله أصبح ضرورة لإطلاق يد أمريكا  وتقييد يد ايران وروسيا . بعد أن اعتبرته ادارة أوباما ضمانة ضد هيمنة داعش وحليفا لابد منه للقضاء عليها !!!!

تلوح بوادر لتشكيل حلف أمريكي اسرائيلي – سني  لتقليص النفوذ الإيراني والروسي في المنطقة ومن خلفه الصيني ، ولتعزيز الهيمنة على موارد النفط والغاز الهامة جدا للسوق الأوروبية ، حتى من دون السير بعيدا في مشروع السلام بين الفلسطينيين واسرائيل ، فاسرائيل اليوم هي المنسق الأقدر على هندسة التحالفات وتنظيم القوى الفاعلة ضمن مشاريع السياسة في الشرق الأوسط التي تخدم مصالحها المتقاطعة مع مصالح حلفاء آخرين ، والروسي مخير بين الدخول فيها كطرف أو الوقوف بوجهها وتحمل تبعات ذلك ، فإدارة ترامب المنشغلة في همومها الداخلية قد قفزت للاهتمام بتحقيق نصر خارجي يعيد لها زخمها وشعبيتها ، بنصيحة وتحريض اسرائيلي يريد أن يستفيد من قوة ونفوذ الولايات المتحدة ، ولا يتحمل فكرة غيابها عن المنطقة التي تقض مضاجعه ، وإدارة ترامب بدأت الاقتناع بأن نفوذها ودورها العسكري هو أساس قوة اقتصادها .

طبعا هذا التحالف الأمريكي العربي لا يضر بمصالح الاتحاد الأوروبي ، لكنه على مايبدو مخالف لمبادئ سياساتهم عندما تقوم على الذهنية الصليبية التاريخية والاستعمارية … والتي تعتمد استراتيجية اضعاف السنة عربا وتركا وتقسيمهم وإثارة التنازع بينهم ، والتحالف مع كل أعدائهم واثارة الأقليات ضدهم . فالتباين الملحوظ بين مواقف الدول الأوروبية تجاه الأسد وإيران ليس تباينا بالمصالح ، بل بمقدار هيمنة العقلية العنصرية على السياسة الخارجية في هذه الدولة أو تلك ، لذلك نجد أن فرنسا هي الأكثر تحررا من هذه العنصرية والأقدر على التقاط عناصر التشابك في المصالح بين جنوب وشمال المتوسط تتلوها بريطانيا .

ستكون مغرية جدا فكرة تشكيل تحالف عسكري بين الناتو الغربي وناتو العالم العربي وامتداده الإسلامي الواسع … في مواجهة المخاطر التي يتعرض لها الأمن والنظام العالمي والفوضى التي تضربه ، إن كان من قبل الدول المارقة والمعطلة للنظام العالمي ، أو من قبل منظمات الإرهاب أو حتى من قبل التحالف الروسي الصيني الهادف لتقويض الحضارة الغربية وقيمها الديموقراطية والحقوقية . العقبة الأساسية أمامه هي تجاوز ذهنية الحرب الدينية ، والقبول بدولة اسرائيل المشروط بتغير دورها ووظيفتها في المنطقة ، لكون منافع المستقبل قادرة على تغطية آلام الماضي ..

المتوقع أن تنطلق حملة عسكرية تقطع داعش لقسمين تسير بمحاذاة الحدود مع العراق ، ومن ثم تساهم في تحرير الرقة نهاية الصيف … وهذا قد يترافق بتشديد الضغوط السياسية والعسكرية على النظام ، وربما مع توجيه ضربات جوية له  … وفي حال تذمر الروس وتبنيهم موقف رافض ، يصبح موت نظام الأسد ضرورة لخلط الأوراق وإضعاف الموقف الروسي ، وبوابة للتدخل العسكري لطرد الميليشيات الإيرانية ، بعد أن تم تقييد وتحجيم المجموعات الاسلامية التي لم يعد بامكانها أن تكون البديل في حال سقوط النظام . حيث تستطيع أن تفرض القوى والجيوش التي تقوم باسقاط النظام نوع وشكل السلطة بعده .

المشكلة اليوم لم تعد رغبة أمريكا أو اسرائيل في تقليص النفوذ الإيراني وزوال النظام الأسدي ، بل قدرة العرب والمسلمين على التعاون بين بعضهم  ومع الغرب لتنفيذ ذلك ( هنا تقوم الأردن بالتعاون مع السعودية والإمارات بدور فاعل في هذا المجال ) ، وقدرة المعارضة السورية على التقاط الموقف والتفاعل معه ، حيث سيزداد دورها بمقدار توحدها وتمسكها بمشروع وطني معقول ومقبول دوليا ، بعيدا عن التشدد والتطرف . وهذا يعني اغلاق مسار جنيف وحل الهيئات الفاشلة الحالية ، وفتح مسار تنظيم المعارضة وطنيا ، بعيدا عن الانتهازيين والوكلاء والفاسدين والمتعفنين ، لتلعب دورا فاعلا في استعادة سوريا بهويتها التاريخية التي لا يجب أن تعّرف نفسها كعدو للحضارة الغربية والسلام العالمي  …

الجدول الزمني لهذا السيناريو :

العام 2017 :

يبدأ في هذا الصيف بتدخل بري يفصل العراق عن سوريا ثم يشن هجوما على الرقة من الشمال والجنوب في الخريف .

قد يترافق مع توجيه ضربات جوية تنهي القدرات الجوية للنظام السوري وتفرض سيطرة كاملة على الجو

تحاول روسيا عرقلة التدخل الأمريكي من دون جدوى فتعود للانكفاء بعد تلقي رسائل أمريكية رادعة .

تعلب تركيا دورا معترفا به للسيطرة على المجموعات غرب نهر الفرات في ريف حلب وفي ادلب ، بينما يطلق يد الكرد شمال سوريا شرق الفرات بحماية أمريكية تمنع أي تصادم كردي تركي .

في خريف هذا العام وحتى نهايته يصبح موضوع غياب الأسد ضرورة  لإضعاف الموقف الروسي والإيراني .

العام القادم 2018 :

تتقدم قوات عربية من الجنوب باتجاه دمشق ، وتتفعل قدرات المعارضة المعتدلة المدعومة من جيوش عربية وغربية ، وتتفعل حرب التحرير ضد الميليشيات الإيرانية المحرومة من الغطاء الجوي ومن التواصل الجغرافي مع ايران .

ينحسر التواجد الروسي في الساحل لحماية الطائفة العلوية بعد سقوط النظام في دمشق ، ويتقلص التواجد الإيراني في وسط سوريا ، ويتقلص معه نفوذها في لبنان ،

قد تتدخل اسرائيل بتوجيه ضربات جوية كبيرة ضد مواقع حزب الله … وتدخل معه في مواجهة عام 2018 وقد تتطور الحرب لاستهداف المشاريع العسكرية الاستراتيجية في ايران ذاتها بمشاركة غربية وعربية خاصة مع تزايد احتمال قيام ايران بتهديد أمن الخليج العربي .

في النهاية نقول ليس جديدا ارتكاب الأسد للمزيد من جرائم الحرب ، بل الجديد هو توفر الإرادة لدى الدول الفاعلة للوقوف في وجهها، مما يعني عمليا سقوط مسار جنيف والحل السياسي بمشاركة النظام ، وسقوط المسارات الأخرى المتعلقة به ، أما استعادة وحدة سوريا فستكون مرهونة بإرادة العيش المشترك بين مكونات الشعب السوري حيث يتوجب تنظيم حوار جدي بينها حول مستقبل سوريا . الثورة ستنجح بتحقيق هدفها ، والأسد بالنتيجة لم يعد شريكا لا في محاربة الإرهاب ، ولا في استعادة السلام والاستقرار ، ولا في تحديد مستقبل سوريا ، وسرعة ذهابه ستكون بمقدار ما تنجح المعارضة في تحمل مسؤولياتها في صياغة مشروع وطني بديل … لقد خسر الأسد وعائلته بسلاحه بعد أن حرك الكيماوي … هكذا يقع الطغاة في شر أعمالهم … لكن هل تنجح المعارضة في تشكيل البديل ، أم ستوضع سوريا تحت الوصاية ؟   كل الرحمة لشهداء سوريا ، وكل التحية لشعبها الثائر الصابر ، وكل الرجاء من السياسيين السوريين أن يتعالوا عن خلافاتهم ونزاعاتهم ويلتقطوا هذه الفرصة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.