إدلب: اكتمال العمليات التركية ومحاولات تسويق لـ”هيئة تحرير الشام”

مع إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس الثلاثاء، عن اكتمال عمليات الجيش التركي في إدلب تقريباً وأن عفرينهي النقطة التالية، بدا أن عمليات الجيش التركي في إدلب اقتصرت على تفاهمات غير معلنة مع “هيئة تحرير الشام” لأن الأتراك لم يدخلوا إلى أراضي محافظة إدلب، وكل ما قام به الجيش التركي هو إنشاء نقاط مراقبة في ريف حلب الغربي في الجهة المقابلة لمناطق سيطرة مليشيا “قوات سورية الديمقراطية”، وفي الجهة المقابلة لبلدتي نبّل والزهراء، الخاضعتين لسيطرة قوات النظام ومليشيا حليفة. وقد أفادت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن “الجيش التركي أقام نقطة مراقبة جديدة يوم أمس على قمة سمعان، المطلّة على ريف حلب الغربي من جهة، وعلى مواقع سيطرة مليشيا “وحدات حماية الشعب الكردية” من جهة أخرى، وذلك بعد أن دخل، مساء الإثنين، إلى ريف حلب، رتل كبير من الجيش التركي، تضمّن مجموعة من الآليات الهندسية والمدرعات وناقلات الجند وعشرات الجنود.

إلا أن طريقة التدخل التركي ضمن اتفاقية مناطق خفض التصعيد، التي انبثقت عن اجتماعات أستانة، استولدت واقعاً جديداً ضمن محافظة إدلب، أثّر بشكل إيجابي ببعض جوانبه، خصوصاً الجانب المتعلق بتجنيب المحافظة كارثة إنسانية كانت مرتقبة، قياساً على تهديدات جميع الأطراف (الولايات المتحدة، وروسيا، والنظام، ومليشيا قسد) بتدخل عسكري عنيف هدّد بمصير لإدلب مشابه لمصير الرقة. كما خلق نوعاً من الرادع لـ”هيئة تحرير الشام” بتخفيف تدخلها في شؤون الناس في المحافظة ومحاولتها تسويق نفسها كجهة داعمة المجتمع المدني وحامية للحريات العامة. ولكن في الجانب الآخر اتجهت المحافظة من سيئ إلى أسوأ خدماتياً وأمنياً بفعل انتشار السرقات وجرائم القتل يومياً. كما غابت معظم الخدمات العامة عن المدنيين، فيما ساهمت الكثافة السكانية الهائلة، المتزايدة بصورة كثيفة على وقع موجات النزوح المتتالية من المناطق الأخرى، وآخرها نزوح آهالي دير الزور، بتفاقم مشكلة البطالة وانعدام فرص تحصيل مصادر للرزق، فبقي اعتماد العديد من العائلات بشكل كبير على المساعدات الإنسانية المقدّمة من جمعيات عدة، على الرغم من عدم كفايتها.

في هذا السياق، رأى محمد الصادق، وهو مدرّس من مدينة بنّش، في حديث لـ”العربي الجديد” أن “طريقة التدخل التركي في محافظة إدلب ليست واضحة حتى الآن، إلا أنها أعطت الفرصة لهيئة تحرير الشام من أجل السيطرة المطلقة على كل مرافق الحياة في المحافظة. ولا نعلم فيما إذا كان هذا التدخل سيقف عند هذا الحد، إلا أن معظم السكان مرتاحون له، كونه حيّد الطيران عن المحافظة وجنّبها ويلات حفلة دمار جديدة”.

وأوضح أن “القصف الذي حصل خلال الأيام الماضية كان مركزاً على المناطق التي دخل إليها الجيش التركي في ريف حلب الغربي وبعض مناطق ريف إدلب الجنوبي، التي من المتوقع أن ينتشر فيها نقاط مراقبة تركية“. وبيّن الصادق أن “حكومة الإنقاذ التي تم تشكيلها أخيراً برئاسة محمد الشيخ، يقف خلفها هيئة تحرير الشام، وكل المواطنين يعلمون ذلك. والهيئة تحاول الآن تسويق نفسها على أنها جهة مستقلة للسيطرة على كل مفاصل الحياة في المحافظة. كما تحاول أن تنشئ هيئات جديدة من أجل شرعنتها ضمن المجتمع فهي تعمل الآن على إنشاء مكتب اقتصادي لم يعلن عنه بعد، كما تدعو الآن الناشطين الإعلاميين من أجل تشكيل جسم إعلامي موحد على شكل نقابة أو رابطة لم تظهر ملامحها بعد، ولكنها أنشأت غرفاً مشتركة على وسائل التواصل الاجتماعي لكل الناشطين ودعت كل من لديه فكرة عن آلية عمل الجسم الإعلامي الجديد أن يقدم مقترحات بهذا الخصوص”.

وعلى غرار ترقّب الوضع العسكري وتخوّف المدنيين من أعمال عسكرية روسية أو إيرانية، فإن الوضع الاقتصادي والخدماتي داخل المحافظة ليس في أحسن حالاته، إذ إن الخدمات الأساسية المُتمثّلة بالمياه والكهرباء والاتصالات شهدت تراجعاً ملحوظاً، إضافةً إلى وضوح هيمنة “هيئة تحرير الشام” على كافة مفاصل الحياة.

في هذا الصدد، قال محمّد رجب، وهو من سكّان مدينة الدانا لـ “العربي الجديد”، إن “الكهرباء لا زالت تعمل على المولّدات التي تديرها هيئة تحرير الشام”. وأضاف أنه “يتم منح المدنيين 4 ساعات كهرباء يومياً عبر تلك المولّدات مقابل 2500 ليرة سورية شهرياً (حوالى 5 دولارات) لقاء إيصال التيار”. وبيّن رجب أن “هذا المبلغ يعتبر كبيراً بالنسبة لدخل المدنيين الذي يتراوح بين 30 ألف (59 دولاراً) و60 ألف ليرة (117 دولاراً) في أحسن الأحوال، في حال توافرت فرصة عمل، ولا سيما تزامناً مع ارتفاع الأسعار بشكلٍ خيالي”.

وأضاف أن “معظم المنظمات تركّز عملها على تقديم المساعدات والإغاثة كالطعام والشراب، في ظل تضاؤل حدّة الدعم التنموي والتعليمي الذي من الممكن أن يساهم في جعل المدنيين يقومون بمشاريع تجعلهم يكتفون ذاتياً بدلاً من الاعتماد على المساعدات بشكلٍ مطلق، إلا أن قلة فرص العمل تجبر الكثير من السكان إلى اللجوء الى المنظمات مجبرة”.

وازداد الوضع الاقتصادي سوءاً، بسبب الكثافة السكّانية التي نتجت عن التهجير من حزام العاصمة دمشق وحي الوعر الحمصي، إضافةً إلى النزوح الكبير إلى المحافظة، لا سيما من محافظتي الرقّة ودير الزور، حسبما أشار أحمد قره محمد، أحد سكّان مدينة إدلب، الذي أوضح أن “هذا الواقع خلق ضعفاً في فرص العمل، وجعل المنازل الفارغة الصالحة للاستئجار نادرة وأسعارها مرتفعة بشكلٍ كبير”.

وتابع قرة محمد قائلاً إن “تأمين فرصة عمل ضمن محافظة إدلب أمر بالغ الصعوبة، كما أن معظم السكان يضطرون لامتهان أعمال لا تتناسب وخبراتهم، فترى المهندس يعمل في محال بقالة والمدرّس يعمل في مهن كالدهان والنجارة وغيرها، إلا أن المستفيد الوحيد من الوضع القائم في المحافظة هم أصحاب رؤوس الأموال الذين جنوا ثروات خيالية نتيجة الاتجار بالبضائع بين تركيا ومناطق المعارضة، وبين تركيا ومناطق النزاع الأخرى، حيث يتم تصدير الكثير من السلع إلى مناطق النظام والمناطق الكردية واستيراد بعض السلع منها، مع فرض أرباح خيالية عليها تلك السلع التي يذهب جزء من أرباحها للجهات المسيطرة على طرفي المعابر”.
وعلى الرغم من استمرار عمل المنظمات الإغاثية المحلية والإقليمية في عملها في إدلب، إلّا أن تضييقاً من نوعٍ آخر تشهده هذه المنظمات على عملها، فـ”هيئة تحرير الشام” أمسكت بمفاصل عمل المنظمات وحتّى الإدارات المدنية.

في هذا الإطار، كشفت مصادر لـ”العربي الجديد”، أن “الهيئة كانت تقوم بالتضييق على إدارة معبر باب الهوى وتتدخّل في عملها قبل السيطرة على محافظة إدلب، ولكن بعد ذلك لم تعد تقوم بأي تضييق. وهو ما يشير إلى أنّها أخذت حصّتها من المعبر كما بقيّة الإدارات وعمل المنظمات”. ونوّهت المصادر إلى أن “هيئة تحرير الشام، وقبل سيطرتها على المعبر، نصبت حاجزاً في ساحة باب الهوى أياماً عدة وأصبحت تأخذ ضرائب من سيارات المنظّمات”.

وبات الواقع الأمني الداخلي في المحافظة مخيفاً في ظلّ حالة من الفلتان الأمني غير المسبوق، فمع توقف عمليات القصف وهدوء المعارك ومع انتشار السلاح بين أيدي المواطنين، تفاقمت حوادث القتل والسطو المسلح على معظم مناطق المحافظة، فيما الاجراء الوحيد الذي قامت به الهيئة، كان عبارة عن نصب حواجز عدة بعد حدوث بعض الجرائم الكبرى لأيام عدة ومن ثم يتم سحبها من دون التوصل إلى هوية الفاعلين في غالب الأحيان.

وأكد الصحافي عامر السيد علي من مدينة إدلب لـ”العربي الجديد”، أن “الوضع الأمني في أرياف المحافظة أقل منه سوءاً في المدينة، التي يكاد لا يمر يوم عليها من دون حدوث جريمة مخلة بالأمن”. وعزا الموضوع إلى “الاكتظاظ السكاني الكبير ضمن مدينة إدلب ووجود سكان من مختلف مناطق سورية، ما يجعل السكان لا يعرفون بعضهم بعضاً. الأمر الذي يزيد من نسبة الجريمة”، موضحاً أن “السكان في مدينة إدلب يعيشون الآن في أمان من الطائرات ولكنهم يعيشون رعب الوضع الأمني الداخلي”.

العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.