يثب

لمن لا يقرأ التاريخ

د. كمال اللبواني

Kamalيُذْكَر  أن الجنرال الفرنسي غوروا عندما دخل دمشق بجيشه محتلاً ، وقف أمام قبر صلاح الدين خلف المسجد الأموي وقال ( ها قد عدنا يا صلاح الدين ) ….

فحلم الغرب في السيطرة على المنطقة يبدأ منذ دخول القائد الروماني بامبيوس بجيشه سوريا عام 62 ق.م ، ويستمر إلى اليوم بطرق وأشكال مختلفة ليس آخرها اتفاق سايكس بيكو على تفكيك الامبراطورية العثمانية ، وتقاسم المنطقة وخيانة عهودهم للعرب بالاستقلال والحرية والوحدة عام 1916 ، وصولا لإقامة الدويلات الموالية والحليفة في الساحل الشرقي للمتوسط وعلى رأسها إسرائيل ، ولم تنقطع محاولاتهم تلك ، والتي  نتوقع أن تكون آخر ابداعاتها ( قيام الدويلة النصيرية – الصيلبية ) وغيرها من الدويلات في المنطقة ، على أنقاض الوطن السوري.. ربما هذه المرة عبر المتعهد الروسي وشريكه الإيراني .

فالمطلوب غربيا هو استكمال تقويض الوجود العربي بصيغة الاعتدال الاسلامي  (الذي هو رمز استقلال هذه المنطقة واطار وحدتها وحضارتها عبر التاريخ )  ، و تحجيم دور العرب لجعلهم أقلية سياسية ، ومكون من مكونات عدة لا يطبع المنطقة بهويته ، كحلقة أخيرة في عملية السيطرة على هذه المنطقة واستدامة تبعيتها ، إن حدث عبر تجديد نظام العمالة والخيانة والاجرام حليف روسيا وايران ، تحت مسمى الحل السياسي الوحيد المسموح به بإشراف دولي ، أو عبر إقامة دولة المكونات (الديمقراطية العلمانية) الاتحادية ( الفاشلة بنموذجها العراقي واللبناني ) ، أو التقسيم العملي بوجود قوات دولية ، وقيام الدويلات الطائفية والعنصرية على منطق القمع والتهجير والمجازر . وما مؤتمر جنيف إلا لشرعنه أحد هذه الحلول ومنع اسقاط النظام لرمزيته ودلالته .

وما ردة فعل الأغلبية الثائرة التي تتعرض لحرب ابادة وتهجير وتقويض وجود ، إلا ادراكا منها لعمق الجرح الذي أحدثه الاختراق الغربي والاستعماري في جسدها .. بعد أن نجح عبر أنظمته المستبدة في دق الاسافين بين العرب والكورد والأتراك ، و بين السنة والشيعة، وبين كل التنوع الطائفي والمذهبي ،  ليس حبا بأي منها بل حبا بالفرقة بينها  ..  وانتقل اليوم للتركيز المفرط على عناصر التفرقة في زمن الدولة ما بعد القومية ، والتركيز على المكونات والأقليات ، وتحويل التباين والتنوع الثقافي لمبرر لغياب الهوية وللانقسام السياسي والحرب الأهلية ، بعد اهمال الواقع العام (الاقتصادي – السياسي) المذري الذي هو حاصل التبعية والنهب الخارجي والفرقة ، وهو سبب المشاكل .

يقولون علينا تطمين الأقليات ، وكأن قرونا من العيش المشترك غير كافية، وكأن الدولة الحضارية الحديثة التي حَرَمَنا منها الاستبداد لا تضمن حقوق الجميع …   بينما لسان حال الشبيحة يقول 🙁 نحن نستطيع فعل أي شيء لننتصر في معركتنا ، وإذا خسرنا المعركة سننسحب لدولتنا الخاصة وسيحمينا الغرب بجيوشه فهو لن يتخلى عنا )، هذه هي نتائج سياسة التطمين والافلات من العدالة التي ينتهجها الغرب ، والتي تنعكس غطرسة وجريمة ، سوف تولد بالتالي كل أشكال رد الفعل وتبررها . ليوجه بعدها تهمه بالتطرف والارهاب .

وعليه ..ولكي لا نطيل نقول:  نحن هنا نؤكد على رمزية اسقاط النظام وتفكيكه في سوريا ، على يد الثوار المجاهدين وبدعم من الدول العربية والشقيقة . لأنه يعني هزيمة مشروع التبعية والتقسيم والهيمنة والتخلف ، وضمان استعادة هوية المنطقة وطابعها الحضاري كشريك في الحضارة وليس تابعا ، ونؤكد على خطورة البحث في حلول وتسويات تلغي الهوية وتضيع السيادة والوحدة ، وتقفز فوق العدالة ، ونحذر من تحويل القضية السورية لقضية انسانية وعنف ونزاع ولاجئين ، وليست قضية وجود وهوية وتاريخ  .

إن رمزية اسقاط النظام وطرد الغزاة وتوحيد الوطن تحاكي رمزية تحرير القدس على يد الظاهر صلاح الدين ، لتشابه ما حدث بالماضي مع ما يحدث اليوم على ذات الأرض . ولا مانع لو لم يعجب هذا الكلام دبلوماسيي الغرب الذين يحبون أوطانهم ويخدمون مصالحها العليا ، لو فكروا أننا علينا أن نفعل مثلهم ، وأن الصداقة الحقيقية تدوم فقط بالصدق والاحترام ، وأن السلام يقوم فقط على الحق والعدل .

2013/2/2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.