مؤتمر سوتشي … “لا تغيير في قواعد اللعبة”

بعد تأجيلٍ فرضه عدم نضوج المشهدين الداخليّ والإقليميّ المرتبطين بالأوضاع في #سوريا، تنطلق اليوم أعمال “مؤتمر الحوار الوطني السوري” التي يستضيفها منتجع #سوتشي والتي تستمرّ على مدى يومين. ففي حين كان من المقرّر عقد المؤتمر في 18 تشرين الثاني الماضي، فضّل الروس تأجيله إلى هذه السنة، ريثما يؤمّنون أوسع حضور ممكن من حيث العدد والتنوّع. لكن بالرغم من هذا التأجيل، لم تستطع موسكو تحقيق ما كانت تصبو إليه على مستوى المشاركة، إذ إنّ التطوّرات التي طرأت في الأسابيع الماضية خلطت بعض الأوراق.

فقد أعلن وفد الهيئة العليا للمفاوضات مقاطعته لسوتشي لأنّه رأى أنّ المؤتمر هو محاولة لتقويض جهود الأمم المتّحدة للتوسّط في اتفاق سلام، إضافة لاستمرار النظام بخرق وقف إطلاق النار في مناطق خفض التصعيد. ومنذ شهر أيضاً، أعلن حوالي 40 فصيلاً عسكريّاً معارضاً مقاطعة سوتشي للأسباب نفسها. وبعد إطلاق تركيا عمليّاتها العسكريّة في#عفرين، أعلنت الإدارة الذاتيّة للمناطق الكرديّة مقاطعتها للمؤتمر بسبب التصعيد التركيّ وما يعتبرونه موافقة روسيّة على العمليّات العسكريّة لأنقرة. ومع مقاطعة #فرنسا و #واشنطن لسوتشي يخسر المؤتمر حضوراً سياسيّاً دوليّاً وازناً.

الدستور والغطاء الأممي

لقد أعلن وزير الخارجيّة الروسي سيرغي #لافروف منذ أكثر من شهرين أنّ “المسألة الأهم” في المؤتمر، ستكون “إصلاح الدستور والتحضير للانتخابات على هذا الأساس”. وعاد المبعوث الروسيّ إلى #سوريا ألكسندر لافرنتييف ليؤكّد أنّ الهدف من المؤتمر إطلاق عمليّة دستور سوريّ جديد يُعرض على الحكومة والمعارضتين الداخليّة والخارجيّة إضافة إلى ممثّلي الفصائل العسكريّة المسلّحة. وحاول المجتمعون في فيينّا أواخر الأسبوع الماضي التطرّق إلى هذا الموضوع، لكنّ وفد النظام بقيادة بشّار الجعفري فضّل ترحيل النقاش إلى سوتشي. بينما كان الوفد المعارض قد اشترط أيضاً تحقيق تقدّم في المفاوضات الأمميّة التي استضافتها النمسا من أجل المشاركة في الحوار الذي يجري برعاية روسيّة. وفي حين توقّع الروس أن يكون سوتشي بديلاً عن المفاوضات المدعومة من الأمم المتّحدة، تبيّن في الأيّام الماضية، أنّ الفشل في فيينّا قد ينعكس فشلاً أيضاً في سوتشي. وبذلك، بات فصل المسارات عن بعضها، بغضّ النظر عن رعاتها، مسألة صعبة، بسبب التصعيد الميدانيّ.

على الرغم ممّا سبق، يمكن أن تكون موسكو قد حقّقت نقطة إيجابيّة في المؤتمر، بعدما أعلن الموفد الدوليّ الخاصّ إلى سوريا ستيفان دي ميستورا حضوره الاجتماع، الأمر الذي قد يعني تغطية من الأمم المتّحدة لسوتشي. لكنّ حضور دي ميستورا نفسه ليس تأكيداً لهذه الشرعيّة خصوصاً أنّه يحضر بصفته كمراقب. الباحث في الشؤون الروسيّة مكسيم سوشكوف رأى عبر حسابه على “تويتر” أنّ حضور الموفد الأممي هو “نجاح ديبلوماسيّ كبير” بالنسبة إلى الروس. لكنّه يشير إلى أنّ الأمم المتّحدة قد لا تعترف بمقرّرات سوتشي في نهاية المطاف. بناء على ذلك، يصعب على المراقبين تقييم حضور دي ميستورا قبل معرفة موقفه النهائيّ من القرارات التي ستُتخذ في نهاية المؤتمر يوم غد الثلاثاء.

أبعاد موقف المعارضة

الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف كان قد أعلن منذ أيّام أنّ “خطوة عقد مؤتمر كهذا، تشكّل بحدّ ذاتها تقدّماً ملموساً باتّجاه التسوية السياسيّة في سوريا”، مشدّداً على عدم صواب توقّع أن يفتتح المؤتمر صفحة جديدة في الحلّ السياسيّ للنزاع السوريّ. وعلّق اليوم على تغيّب “بعض” المعارضين عن المؤتمر مشيراً إلى أنّ هذا الأمر لن يخرّبه ولن يمنعه “من المضيّ قدماً”. وتوقّع الروس أن تحضر 1500 شخصيّة هذا المؤتمر من أصل 1600 تمّت دعوتها. وكان شعار سوتشي الذي جسّدته حمامة حاملة غصن زيتون وفوقها العلم السوريّ التقليديّ قد لفت الأنظار إذ بدا وكأنّه مؤشّر إلى أنّ الروس يعقدون المؤتمر من أجل الدفاع عن النظام وإعطائه شرعيّة دوليّة واسعة والتعامل معه على أنّه بات أمراً واقعاً.

غير أنّ غياب الهيئة العليا للمفاوضات لا يرتبط فقط بالنيّة الروسيّة من وراء عقد المؤتمر. إذ يمكن أيضاً قياس موقف المعارضة المتغيّبة عن سوتشي من النافذة الإقليميّة، بعدما توقّع مراقبون حضور المعارضين تحت ضغط يمكن أن تفرضه تركيا على الفصائل التي تدعمها كي تكون موجودة في المؤتمر. فالتسوية المفترضة بحسب بعض التحليلات، قضت في أحد وجوهها بإعطاء موسكو الضوء الأخضر لأنقرة في عفرين مقابل ضغط الأتراك على المعارضة من أجل الذهاب إلى سوتشي الذي يصرّ الروس على إظهار نجاحه.

تركيا سمحت بذلك.. “في الدقيقة الأخيرة”

هذا المشهد يطرح تساؤلات عمّا إذا كانت #تركيا قد فقدت بعضاً من أوراقها داخل المعارضة التي اتّخذت موقفها من دون التشاور معها. مدير مركز التطرف وشؤون مكافحة الإرهاب في “معهد الشرق الأوسط” تشارلز ليستر كان قد كتب منذ ثلاثة أيّام على “تويتر” أنّ “تركيا سمحت بالتصويت ب ‘لا‘ في الدقيقة الأخيرة” في إشارة إلى أنّ 26 عضواً من الهيئة العليا للمفاوضات قد صوّتوا لصالح عدم حضور المؤتمر من أصل 36. ورأى أنّ ما حدث يعبّر عن “العديد من المناورات الجيوسياسيّة” التي وقفت وراء هذا القرار. إن صحّت معلومة ليستر، فإنّ هذا الواقع بدوره سيفتح الباب أمام تساؤلات أخرى عن سبب اتّخاذ تركيا لهذا الموقف. لكن حتى قبل جلاء هذا السبب، تبقى ملاحظات حول الرعاية الروسيّة نفسها لهذا المؤتمر.

وحتى الآن، ما زال مستبعداً حضور الرئيس الروسيّ فلاديمير #بوتينمؤتمر سوتشي الذي وصفته قناة روسيا اليوم بأنّه “الأوّل من نوعه” منذ بداية الأحداث سنة 2011. وقد يسلّط هذا الغياب الضوء على التوقّعات الروسيّة نفسها لجهة نتائج هذا المؤتمر ومفاعيله السياسيّة الممكنة على أرض الواقع. وإضافة إلى غياب بوتين، سيسجّل سوتشي غياباً للرئيسين التركي رجب طيب #أردوغان والإيراني حسن #روحاني بما يعني أنّ الدول الثلاثة الضامنة لمسار #أستانا لن تكون حاضرة على مستوى القمّة، بما يعطي انطباعاً عامّاً بتدنّي التوقّعات الديبلوماسيّة للمؤتمر. وهذا ما يؤكّده الباحث في “مركز هايغ للدراسات الاستراتيجيّة” في هولندا ويلِم أوتسرفلد الذي أشار إلى أنّ هذه المحادثات لن تشكّل “تغييراً في قواعد اللعبة”.

النهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.