يثب

ملامح استراتيجية للعمل في مرحلة جنيف

د كمال اللبواني

لا نعتقد أن المنطقة ذاهبة للاستقرار والسلم بواسطة تلك المعالجات السطحية والقاصرة ، بل نرى أن المنطقة تتجه بشكل متزايد نحو الفوضى وعدم الاستقرار وتفجير الأزمات ، مما يجعلنا نتوقع اندلاع صراعات اقليمية وعالمية ، كما حدث عادة في مثل تلك الحالات من التاريخ ، فمستوى الجريمة والعقم والتدخلات الدولية ، ترجح اندلاع حرب اقليمية .

كما أننا لا نعتقد أن الثورة السورية سوف تستكين قبل أن تحقق هدفها الأساس ، وكل محاولات فرض الاذعان والهوان على الشعب والثوار ستصطدم برفض هذا الشعب الأبي الذي أثبت للجميع أنه لن يستكين رغم ما مورس عليه ، والثورة أثبتت قدرتها على تغيير وسائلها وقياداتها ومتابعة سيرها .

تتعرض الثورات العربية للتآمر من كل الجهات ، ولكنها تثبت قدرتها على متابعة سيرها وتصحيح مسارها ، وفي النهاية لا يمكن للمنطقة أن تستقر وتنعم بالسلام بوجود الاحتلال والظلم والاستبداد  ، أو من دون تحقيق ارادة الشعوب ومراعاة مصالحها ، وكل حالة تقسيمية هي حالة حرب ، وحالة مؤقتة لا أمل لها بالبقاء ، والغرب يدرك أن المنطقة قد أفلتت من يده وأن شعوبها تسير نحو تقرير المصير لذلك هو في موقع المنفعل الذي يلعب على الوقت وليس لديه استراتيجية متناسقة وبناءة طويلة المدى ، والمراهنة عليه مراهنة على وهم .

كل حديث عن فرض حل على حساب العرب والسنة  هو مجرد حلم واشتباه ، وعلاقات الغربي بقوى المنطقة مهتزة بشدة ويحكمها عدم الثقة ، ولا يمكن للنظام الايراني ولا النظام السوري أن يفي بوعوده وأن يفلت من العقاب ومن شعبه ، والغرب ليس بتلك القوة التي تسمح له بالسيطرة على عناصر اللعبة في المنطقة وهو في طور التراجع والانسحاب ، ناهيك عن ارتفاع ثمن تكلفة ذلك لدرجة لا يطيقها أي طرف .

دوما كانت هناك أزمة تمثيل للثورة السورية ، وكان الخلل الأساس يكمن في البدء من الخارج ، ومن وكلاء الدول الأجنبية ، وبالاعتماد على احزاب منقرضة،  وشخصيات صدئة، ثم تبع ذلك استيعاب المتسلقين والانتهازيين . ولا يمكن اصلاح هذا الخلل  من دون تغيير جذري في المعايير والوسائل ، ولابد من البدء من الداخل ومن القوى الفاعلة والعسكرية أولا، وكل بداية مغايرة تفقد شرعيتها وتتيه كما تاه غيرها .

الجاه والشهرة أبواب للشيطان لا يجوز أن تكون هدفا لأي مؤمن ولا مناضل ، وفي ذلك الفارق بين الثوري والمتسلق وبين المؤمن والمنافق ، وما يلهث وراءه من بقي في الائتلاف هي المظاهر ورضا الأجنبي وقشور الدنيا، ولم يثبتوا في سلوكهم وأخلاقهم عكس ذلك ، ولأنهم يحتكرون القرار فالنتيجة معروفة .

المال ضروري لأي عمل سياسي لكن الطريقة التي يأتي بها ، ويوزع ويستهلك حسبها ، هي من أهم عناصر التخريب والفشل ، ومن دون اعتماد المؤسساتية والرقابة والشفافية ، سوف ينهار كل عمل جماعي لمستوى الاستزلام ، وسيتحدد بمصالح وقدرات شخص .

وضع القوى العسكرية في الداخل غير مستقر، و متغير ومتحول تبعا لظروف المعركة ولعناصر الدعم ووسائله ، لكن هناك امكانية كبيرة للمناورة والصمود ومنع النظام من تحقيق انتصار ، والمطلوب هو استدامة المعركة والافادة من عناصر القوة ، والتركيز على الاستنزاف البشري للنظام . ولابد من تشجيع مبادرات التنسيق والاتحاد.

يرافق ذلك السعي لتجسيد حالة ما من التنسيق والتفاهم بين السياسيين مع قوى الداخل على الخطوط العامة التي يلتزم بها الجميع ولا يغيروها الا جماعة ، فيد الله مع الجماعة . والثورة بحاجة ماسة للتنظيم والادارة .

لا يمكن اصلاح الائتلاف ولا حتى بإعادة هيكلته لفساد الأساس والمعايير والنظام الأساسي ولتاريخيه السيء .. وسنة الحياة هي الولادة والموت وكما حصل مع المجلس الوطني لم يمكن اصلاحه بعد محاولات دامت ستة أشهر فكان الائتلاف الذي كرر أخطاء المجلس واستعاد سيرته بشكل أكثر سوءً . لذلك أنصح بالقطيعة التامة مع الائتلاف ومنهج تشكيله ومعاييره وشخوصه .

طُرح مسار جنيف كبديل عن الشرعية الدولية، وعندما تجاهل النظام  تطبيق بنود جنيف 1 وكل المبادرات تقرر أن يبدأ جنيف 2 من تشكيل سلطة انتقالية تقوم  هي بتطبيق جنيف1 كاملا وجملة. والخطأ الذي حصل في المفاوضات الراهنة هي العودة للمربع الأول بالتفاوض مع النظام على تطبيق جنيف 1 ، وهو ما يعطي النظام كل الوقت للتلاعب والتحايل ، هذا الخطأ وقع به الائتلاف وسهل له الابراهيمي الغير محايد والذي هو جزء من نظام الاستبداد والفساد العربي .

التهديد بالعودة للشرعية الدولية هو تهديد أجوف لتعطل هذه الشرعية بالفيتو ، وعودة الغرب لاستخدام القوة هو تهديد أجوف أيضا ، لذلك فالنظام الذي لا يخجل سوف يجد الفرصة الكاملة لمتابعة اجرامه ، ومن ذهب لجنيف يستجدي الدول سيحصد الخيبة ولن يكون له مكان سياسي بعدها .

الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينتج عن جنيف  هو قرار دولي بقطع السلاح عن المتقاتلين أي حصار الثورة والثوار ، ثم قرار بفرض حدود تقسيم برعاية دولية . لذك نعتبر مسار جنيف هو مسار استمرار الأزمة وتقسيم سوريا والذي سيكون ثمنه الانساني أكبر من كل ما خسرناه حتى الآن .

من جهتنا ( من ثبت على موقفه ورفض السير مع ركب التنازلات ) يجب متابعة التعاون والتشاور بين بعضنا ومع قوى الداخل لإنتاج آليات تنسيق وقيادة مختلفة تعتمد معايير ومؤسسات وذات صفة ، ولا يهم السير وراء وهم تمثيل المجتمع كله ، أو ارضاء المجتمع الدولي .

يمكننا بالتعاون مع الجبهات والمجالس ، الدعوة لمؤتمر تشاوري في وقت قريب 16-20 شباط لتقييم الموقف والتشاور ونحضر له مجموعة أوراق ونستمع لغيرنا ، ونتخذ القرارات بالتوافق ، ويكون ممثل واحد عن كل وجهة نظر ، ولا ندخل بلعبة الحجوم والمكونات ، وأي حالة تمثيلية للثورة ستكون هي المفاوض الحقيقي كونها المعنية في التطبيق ، وبالتالي لا يهم ادعاء تمثيل المجتمع والمكونات ، بل يكفي تمثيل قوى الأرض من أجل استعادة  القرار والتأثير عليه ،وليس من الضروري الدخول مع الآخرين في أجساد سياسية مترهلة ،تضعف موقفنا وتميع قرار الثورة .

هناك حاجة لإنتاج قيادة فاعلة ومبنية بشكل مؤسساتي وتعتمد على خبرات وكفاءات، إن كان في الشأن العسكري أو السياسي، ولا يجوز ترك الأمور للمتسلقين أو للغريب، بل لابد من المبادرة ووضع الآليات التي تتجاوز سلبيات الماضي .

سوف أعرض هنا النقاط الأساسية التي أبني عليها رؤيتي للمستقبل والتي تحدد بالتالي ما اقترحه من استراتيجية :

1- رغم الحديث المكثف عن السلام نعتقد أن سوريا مقدمة على نكبة أكبر من نكبة فلسطين وأن الحرب مستمرة وباتجاه التوسع .

2- بعد أن سيطر المجتمع الدولي على قرار الإتلاف والوفد الذاهب للتفاوض ، سيسعى  لفرض حل يناسبه هو على الشعب السوري ، ولن يعير اهتماما لإرادة هذا الشعب  بدليل بلادته طيلة ثلاث سنوات .

3- آليات الضغط الدولي الفاعلة على النظام معطلة وليست هناك رغبة في استعمالها .

4- النظام لن يقدم شيء ملموس الا بالضغط الجدي ، وهذا  لن يكون الا بالميدان ، وكل حديث عن احراج لنظام مجرم هو سذاجة .

5- الابراهيمي متواطئ مع النظام ويعمل لخدمته .

6- فشل جنيف في الوصول لحكومة متوافق عليها شبه مؤكد ، وفرضا لو تشكلت حكومة محايدة فلن تجد من يطيعها في كلا الطرفين .

7- فشل جنيف أو فشل الحكومة في وقف الصراع سيدفع بمجلس الأمن لاتخاذ قرار بوقف التزويد بالسلاح ، ثم قرار بإرسال قوات فصل .. وهو ما سيؤدي عمليا للتقسيم ودخول الجيش الروسي لحماية الدويلة النصيرية الصليبية في الساحل .

8- التقسيم الكامل أو الجزئي هو هدف يسعى اليه الروس والأمريكان والايرانيين ، وتتفق مصالحهم عليه.

9- إذا كنا نعترف أن للمجتمع الدولي تأثير هام،  علينا أيضا تذكر أن من يملك الأرض والبندقية يملك القرار، والتفاوض سيتم معه في النهاية . وأن ارادة الشعوب أكبر من أن تقهر طالما هي في حالة ثورة .

10- لا بد من شكل يوحد المجموعات المقاتلة ، ومن تنسيق العمليات العسكرية .

11- لا بد من جسد سياسي مفوض من المقاتلين المتحدين ، يقود الشأن السياسي  مع المجتمع الدولي أو مع الجهات التنفيذية الناتجة عن جنيف فيما لو  حصلت .

12- لا بد من ادارة سياسية عسكرية فعالة قادرة على التفاعل مع مجريات الأحداث ، ومع ايقاعها  .

13- يجب توقع حصار على الثوار بهدف وقف اطلاق النار وتثبيت الحدود الراهنة ، بقرار دولي ملزم للدول الحليفة التي لا تستطيع الرفض .

14- يجب توقع وجود مخطط تقسيمي خبيث واحتلالات أجنبية في  حال فشلوا في اعادة انتاج نظام العمالة ، من قبيل : (احتلال روسي للساحل ،وايراني وحزب الله لمربعات في البلاد ، وكردي بشمركة وب واي دي في الشمال ، وتدخل عسكري اسرائيلي مباشر في الجنوب )

15- يجب توقع موجات نزوح وتهجير للعرب السنة من هذه الكيانات وحدوث مجازر تطهير .

16- يجب توقع نزول قوات أجنبية ( حفظ سلام)  لحماية حدود التقسيم بقرار دولي .

17- النظام سيحتفظ بكمية من السلاح الكيميائي بتواطؤ دولي ، وايران ستكذب في تعهداتها  كلها بما فيها برنامجها النووي فهي تستغل غباء وضعف الغرب .

18- يجب الانتباه للتحضيرات المتسارعة لاستخدام الطائرات من دون طيار من قبل النظام ومن قبل أعدائه  أيضا ، والتي تهدف لتصفية قادة المجموعات (الغير منضبطة) .

19- يجب زيادة مستوى الاحتياط من العتاد والحرص على تأمين مصادره ومصانعه ،

20- لا بد من العمل لنقل قسم من المجموعات المقاتلة للعمل السري ، وزرع خلايا قادرة على المناورة في كل مكان لمنع اعلان انتصار النظام ، ومنع التقسيم من الاستقرار ، في حال استمر التراجع العسكري على الجبهات . بسبب قطع الدعم .

21- يجب العمل جديا على تنويع استراتيجيات القتال والانتقال في بعض المناطق من حرب الجبهات إلى حرب الأنصار ،

22- لابد من وضع خطة شاملة لتفكيك دولة العراق والشام فهي خطر دائم يقبع خلف الثورة . ولابد من كبح جماح التكفيريين ، والفكر الخارجي .

23- يجب دراسة احتمال  تسليم قسم من الحاضنة الشعبية للسلطة الانتقالية في حال تشكلها واشغالها بها ،

24- كما يجب التفكير في تسريع عودة النازحين لرمي ثقل اضافي على مفاوضي جنيف واحراج النظام

25- يمكننا الافادة من حالة التردد وعدم الوضوح في المرحلة الانتقالية لتحرير الكثير من المناطق عبر النضال السلمي وباستخدام الحاضنة الشعبية المدعمة بخلايا سرية . وعليه يجب تجديد قدرة الحركات السياسية وأساليب الاحتجاج السلمي في حال تدنى مستوى العنف  أو في المناطق التابعة للسلطة الجديدة . يجب الاحتفاظ بالقدرة على الردع ، في حال ارتكاب أي مجازر ضد الحاضنة الشعبية .

26- يجب توقع أثر الضخ الاعلامي الداعم للتفاوض في جنيف ، وتركيزه على استخدام  الطابور الخامس كالعادة ، لتسريع الاستسلام للإرادة الخارجية ، والحلول المؤقتة .

27- الانتباه لخطر تحويل القضية السورية لقضية انسانية ، والتعامل معها على هذا الأساس ،

28- يجب الاستمرار بوضع الوفد المفاوض تحت الضغط والتهديد كي لا يمعن في التفريط ، ولا مانع من البدء بمحاكمتهم غيابيا .

29- التركيز على رمزية اسقاط النظام وانتصار الثورة لبداية تاريخ جديد للمنطقة .

30- لا تنسوا تقوى الله و أكثروا من الدعاء ، فالفاعل هو الله ، وهو بالغ أمره ، وما عملنا الا لتصديق النوايا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.