لعبة الأسد: لا حل سياسياً ممكناً بدوره!

لم يخرج من «جنيف 2» إلا ما يؤكد أن وفد النظام السوري عمل لكي يدفع المؤتمر الى نتيجة واحدة: إعطاء الانطباع للسوريين، ولراعيي المؤتمر في موسكو وواشنطن تحديداً، بأن الحل السياسي للأزمة السورية متعذّر، تماماً كما كان الحل العسكري طيلة الأعوام الثلاثة الماضية. والبديل، من وجهة نظره وفي خطته هذه، هو استمرار التفاوض، ليس للتفاوض فقط كما يقول الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في تقويمه مسار المفاوضات، بل محاولة تعديل ميزان القوى على الأرض كما تعمل قوات النظام وقوات حلفائه الاقليمـيين جاهدة الآن في أكثر من منطقة، أو أقله مواصلة الحرب الأهلية الى أمد غير منظور، ظناً منه أن تكون له وللحلفاء القدرة على حسم الموقف لمصلحتهم في نهاية الأمر.

كانت الذريعة التي اختبأ خلفها وفد النظام منذ البداية ما سمّاه تراتبية ورود البنود في بيان «جنيف 1»، وإصراره على البحث فيها بالتسلسل بدءاً من البند الأول، وصولاً، كما صرح أعضاؤه دائماً، الى البند الرقم 8 الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة. ولأن الوفد يدرك استحالة الاتفاق على أي من هذه البنود في ظل الوضع السياسي والأمني الراهن، وفي طليعتها وقف النار وتبادل الأسرى وإطلاق السجناء والمعتقلين وفتح ممرات انسانية لتزويد الناس المحاصرين بالغذاء والدواء، فقد تمسك بموقفه هذا حتى بعد أن اقترح المبعوث العربي- الأممي الأخضر الابراهيمي دمج الأمرين معاً: تشكيل الهيئة الانتقالية، والبحث في ما يسميه وفد النظام مكافحة الارهاب.

واللعبة واضحة، بل مكشوفة تماماً. اذ بينما كانت تجري فصولها سياسياً على طاولة المفاوضات في المدينة السويسرية، كانت ترافقها حملة عسكرية بالدبابات والمدفعية والطائرات المقاتلة والبراميل المتفجرة على المدن والبلدات السورية، أملاً بتغيير موازين القوى على الأرض. وفي الوقت الذي كان وفد النظام يجلس وجهاً لوجه مع وفد المعارضة، كان أسياده في دمشق يصدرون قراراً يعتبرون فيه الائتلاف وأعضاء وفده «ارهابيين»، بما يعنيه ذلك من ملاحقتهم قانونياً في الداخل والخارج من جهة أولى، ومصادرة ممتلكاتهم وبيوتهم في سورية من جهة ثانية.

وبينما كان الابراهيمي يعلن بأوضح العبارات أن شيئاً لم يتحقق في الجولتين ويعتذر من الشعب السوري لأنه لم يتمكن من أن ينجز بعض ما يبتغيه هذا الشعب، ويستحقه في مأساته المستمرة منذ ثلاث سنوات، كان رئيس وفد النظام وليد المعلم يتحدث عن «تقدم» في المفاوضات، ويدّعي، إمعاناً في اللعبة إياها، أن الجولة الثالثة منها ستشهد على ذلك.

في الوقت ذاته، وبكلمات المعلم اياها، كان الإعلام الرسمي للنظام يتحدث عن «تقدم» قواته على جبهات القتال، إن في بعض أحياء دمشق وريفها أو في ريف حمص (يبرود في منطقة القلمون) أو غيرها من المناطق السورية.

لكن اللعبة، كما يبدو جلياً، لا تقف عند هذا الحد. وهذا تحديداً ما قاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري عندما تحدث عن الدور الروسي «غير المساعد» في المفاوضات في جنيف كما على الأرض في سورية، من خلال تشجيع قوات النظام ومدّها بما تحتاج اليه من أسلحة ومعدّات، وما عبّر عنه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عندما دعا موسكو الى الضغط على حليفها في دمشق لإبداء حد من التعقل في عملية التفاوض مع المعارضة. ولم يكن موقف روسيا في مجلس الأمن، حيث أحبطت إصدار قرار حول الممرات الإنسانية لإغاثة المحتاجين وهددت مجدداً باستخدام الفيتو في حال عرضه على التصويت، إلا دليلاً آخر على مشاركتها المباشرة في لعبة النظام هذه.

وهو أيضاً، وبصورة أوضح، ما قاله قبل أيام كل من قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، عندما كرر الأول مقولة «الحرب الكونية» المستمرة على سورية منذ ثلاث سنوات و «أن سورية هي ميدان مواجهة ايراني»، كما عندما خاطب الثاني ما يسمّيه البيئة الحاضنة لحزبه في لبنان بقوله إن الانتصار في سورية (انتصار قواته فيها وانتصار النظام) لا بد آت وإن تأخر قليلاً.

لا يقوم النظام السوري، مدعوماً من حلفائه في روسيا وإيران ولبنان والعراق، بما يختلف عن ذلك في شيء تحت غطاء المفاوضات في جنيف: إفشال العملية السياسية بين المتفاوضين من جهة، ومحاولة تغيير ميزان القوى العسكري بين المتقاتلين على الأرض من جهة ثانية.

ولا يخرج عن هذا السياق، أياً تكن الأعذار، تباطؤ النظام غير المفهوم وغير المبرر في تسليم مخزونات الأسلحة الكيماوية التي كان يفترض إخراجها من سورية على الطريق الى تدميرها قبل نهاية العام الماضي.

الى أين من هنا؟

محصلة اللعبة، من وجهة نظر النظام، دفع دول العالم الى الاقتناع باستحالة الحل السياسي كما كانت الحال بالنسبة الى استحالة الحل العسكري التي أدت في نهاية المطاف الى «جنيف 1» ثم الى «جنيف 2».

وفي ظنه، كما تصرف دائماً منذ بدء الثورة ضده في آذار (مارس) 2011، أن هذا العالم الذي لا يريد التدخل لإسقاطه والذي بات يخشى فعلاً احتمالات انعكاس الارهاب المنظم في سورية على دوله، قد يقتنع بأن بقاء هذا النظام أفضل لدول العالم ولسورية من الدخول في متاهات النظام البديل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.