عودة اللاجئين: روسيا توظف الملف لبدء حوار سياسي بين دمشق ودول الجوار

طغت مناقشات عودة اللاجئين السوريين على الجولة العاشرة لمحادثات أستانة التي عقدت في مدينة سوتشي الروسية، وأخذت حصة كبيرة من كلام المبعوث الرئاسي، ألكسندر لافرنتييف خلال الاجتماع المغلق مع وفد المعارضة العسكري السوري حسب مصدر في الوفد.
وتضغط موسكو على دول الجوار السوري والتي يتركز فيها العدد الأكبر من اللاجئين السوريين الذين يقدر عددهم بأكثر من خمسة ملايين، يتوزعون على النحو التالي: تركيا 3.4 مليون ولبنان مليون، والأردن 660 ألفا والعراق 250 ألف لاجئ، بما نسبته 41 في المئة من عدد اللاجئين السوريين المنتشرين في العالم.
وتعطي روسيا أولوية كبيرة لموضوع اللاجئين بعد نجاحها في فرض موضوعة اللجنة الدستورية على المعارضة السياسية من خلال مسار أستانة، وتعمل موسكو، بالتوازي على المسارين السياسي والعسكري بخطى ثابتة، يساعدها في ذلك زلزال سقوط درعا والقنيطرة وكامل الجنوب السوري في أيام معدودة. بعد هزيمة المعارضة في الغوطة الشرقية قرب دمشق والتسوية في ريف حمص الشمالي رغم كون المناطق الثلاث مناطق «خفض تصعيد» حسب اتفاقيات أستانة.
وتروج روسيا إلى بدء عودة بعض اللاجئين من لبنان نحو الداخل السوري، كان آخرهم 1000 لاجئ عادوا بتنسيق أمني لبناني سوري إلى محافظة القنيطرة. وجرى قبلها عودة مئات آخرين، فقط هم من وافقوا على خيار العودة من أصل مليون لاجئ في لبنان. واعتبر مركز «كارنغي للشرق الأوسط» في دراسة عن اللاجئين السوريين بعنوان «أصوات مهمشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن» أن ثلاثة عوامل مترابطة تُعرّض اللاجئين إلى خطر كبير إذا أجبروا على العودة: أولها، إمكان منع اللاجئين من الدخول لدى عودتهم إلى مسقط رأسهم أو اضطهادهم، في وقت تؤدّي قوات النظام دوراً في النقل القسري للسكان، من طريق الحصار واتفاقات السلام المحلية. وثانيها، عودة اللاجئين بالغة العسر بسبب تشظي الأراضي، ودمار النواة الحضرية والمناطق الريفية، والتشريعات الأخيرة حول حقوق الملكية. وثالثاً، رحلة العودة بالغة الخطورة مع انتشار العصابات والميليشيات في مناطق النظام والمعارضة.
وأشار البحث الذي صدر في نيسان (أبريل) الماضي إلى ان هذه العوامل تفقد مبدأ العودة الطوعية، معناه والقصد منه. وهو الركن الرئيسي للاتفاقات الدولية حول اللاجئين، ولفتت إلى أنهم «يواجهون انسداد الأفق وغياب الخيارات».
ترتبط عملية عودة اللاجئين بشكل أساسي بعملية الانتقال السياسي والاستقرار الأمني بشكل خاص، ويمنع التجنيد الإجباري في جيش النظام السوري مئات آلاف المواطنين بين 18 إلى 40 عاما من العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام والتي سيطر عليها لاحقا، ويلاحظ أن اغلب المهجرين قسرا من المناطق الأخيرة هم مقاتلون ورجال ضمن تلك الفئة العمرية مع عوائلهم فيما فضل الأكبر سنا البقاء في مناطقهم رغم ضيق سبل العيش، وعدم شعورهم بالأمان الكامل، بسبب تراجع الروس عن تعهداتهم بعدم دخول القوات التابعة للنظام والمخابرات إلى مناطقهم، حيث سجلت مئات حالات الاعتقال ضدهم، تحديدا في الغوطة الشرقية.
وهذا ما شهدناه في عودة أبناء العشائر السورية إلى منطقة شرق السكة (قطار الحجاز) إذ عانى هؤلاء الذين يمتهنون تربية الماشية من وجودهم في مناطق تضيق بماشيتهم في محافظة إدلب، وهو ما دفع بضع مئات من العائلات إلى العودة
إلى مناطقهم والتي تعتبر بوابة البادية السورية، إلا أن تلك العودة اقتصرت على الرجال كبار السن والنساء والأطفال، فيما فضل الشباب عدم المخاطرة بأمنهم، حيث اعتقل العشرات منهم واقتيدوا إلى التجنيد الإجباري.

السوريون في تركيا

بلغ عدد السوريين في تركيا حتى شهر حزيران (يونيو) حسب آخر احصائية رسمية صدرت عن مديرية إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية، 3 ملايين و570 ألفا و352 سوريا. ويتساوى عدد الذكور والاناث حسب احصائية جمعية اللاجئين، فان عدد النازحين من الرجال يبلغ (مليون و935 ألفا)، فيما عدد النازحات السوريات وصل إلى (مليون و634 ألفا).
ويقيم قرابة217 ألفا فقط في مخيمات اللجوء في تركيا أو مراكز الإيواء المؤقتة حسب التسمية الرسمية في تركيا، فيما يقيم باقي السوريين في المدن والبلدات التركية، وتعتبر اسطنبول أكثر المدن التركية استيعابا للسوريين، ويصل عددهم فيها إلى 563 ألفا. وتعتبر مدينة كيليس الحدودية مع سوريا والتي تقابل مدينة اعزاز السورية أكثر مدينة تضم السوريين نسبة إلى السكان المحليين بمعدل 96 في المئة.
ويقدر عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية منذ عام 2011 بـ 55 ألفا و500 شخص فقط، حسب معطيات مديرية شؤون المواطنة والجنسية.
وتقول تركيا حسب معلومات إدارة الطوارئ والكوارث التركية «آفاد» أن حجم الانفاق التركي على اللاجئين السوريين في المخيمات والمراكز الطبية ودعم السوريين ناهز 30 مليارا خلال الأعوام السبعة الماضية.
شكلت أزمة اللاجئين قضية شد وجذب بين تركيا من جهة ودول الاتحاد الأوروبي خلال رحلة اللجوء السوري، ولعل أبرز ملامحها كانت خلال فترة تدفق اللاجئين من تركيا إلى اليونان عبر البحر المتوسط. اتهمت خلالها تركيا بالضغط على أوروبا التي امتنعت عن دفع المساعدات لتركيا مقابل استيعابها ثلاثة ملايين ونصف سوري. وانتقد الاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان تركيا بسبب إغلاق حدودها في وجه الفارين من الحرب السورية، خصوصا بعد بناء جدار اسمنتي على الحدود مع سوريا بمسافة 800 كم من أصل 910 كم بين البلدين. ووجهت انتقادات شديدة للجيش التركي بسبب مقتل نحو 400 مدني حاولوا دخول البلاد بطريقة غير شرعية. إضافة إلى اتهام «هيومن رايتس ووتش» لانقرة بإعادة بعض اللاجئين قسرياً. وهو ما نفته إدارة الهجرة مرارا، في بياناتها الرسمية بقولها ان السوريين يتم «قبولهم وحمايتهم في تركيا».
وأضافت «السوريون الذين دخلوا البلاد وطلبوا الحماية لا يتم إعادتهم، والقادمون إلى تركيا ليسوا مجبرين على العودة إلى بلدهم تحت أي ظرف من الظروف. وعملية تسجيلهم مستمرة ويمكن لهؤلاء الأجانب الاستفادة من العديد من الحقوق والخدمات في تركيا».
سياسيا، ومن خلال مسار أستانة، ستشكل قضية عودة اللاجئين السوريين أولوية مستقبلية مع أهمية أقل لقضية المعتقلين التي ميعتها موسكو بشكل كبير مع الأخذ بعين الاعتبار عدم أهمية الملف مطلقا بالنسبة للنظام، لكن روسيا أصرت على وجوده على بنود النقاش، ولكن على طريقتها، حتى تبقي ولو سببا واحدا تتذرع المعارضة به أمام جمهور الثورة.
ومن غير المستبعد أن تقوم أنقرة بتشجيع قسم كبير من لاجئي الخيام في جنوب تركيا ونقلهم إلى مناطق نفوذها في درع الفرات. الرغبة الروسية والإصرار على عودة اللاجئين تعطي تركيا ورقة مساومة جديدة مع شريكها الضامن في منطقة إدلب. فمنطقة مستقرة عسكريا وأمنيا تمتنع روسيا وحلفائها فيها عن القيام بأي عملية عسكرية ستسهل على تركيا اقناع بعض اللاجئين مالكي بطاقة الحماية المؤقتة بالعودة إلى وطنهم مع حد مقبول من الخدمات. وهو ما يمكن القياس عليه خلال العام الماضي، إذ عاد ما يقارب من 30 ألف سوري غلى بلدهم في إجازة العيد، وترافق ذلك مع وقف القصف الروسي بعد بدء مسار أستانة وإقرار مناطق «خفض التصعيد».
ورقة الابتزاز الروسية بحق اللاجئين لن تتوقف على تركيا وبلدان الجوار العربي. فإذا كانت بلدان الجوار تضم خمسة ملايين لاجئ فان أزمة اللجوء السوري طالت بلدان الشرق الأوسط كاملة، مثل مصر 130 ألفا وليبيا والجزائر والسعودية أيضا ولو بأعداد أقل. فيما استضافت أوروبا قرابة مليون سوري كلاجئين أو طالبي لجوء: ألمانيا 530 ألفا يمثلون خامس أكبر نسبة لاجئين في العالم والسويد 110 آلاف والنمسا 50 ألفا حسب دراسة نشرها مركز «بيو» للأبحاث. وعشرات الآلاف من السوريين الآخرين يتوزعون بين كندا وأمريكا وبلدان أخرى.
ويدغدع الطرح الروسي الكثير من البلدان الأوروبية التي بدأت تعاني من أزمة اللاجئين السوريين، فانهاء الحرب على الطريقة الروسية وإغلاق الحدود التركية السورية وامتناع النظام وحلفائه عن عملية عسكرية في إدلب، يعني بداية استقرار نسبي يسمح بعودة بعض اللاجئين، وهو على الأقل سيمنع تدفق موجات لجوء جديدة باتجاه أوروبا.
في نهاية المطاف، يحاول الروس توظيف ملف اللاجئين في بدء حوار سياسي بين النظام السوري وبلدان الجوار، وإن بدأ من باب الأمن كما الحاصل بين لبنان وسوريا فانه سيتطور مع الوقت.
والأمر كذلك ينسحب على فرنسا، التي أرادت فتح قنوات التواصل السياسية عبر صناديق المساعدات الإنسانية في الغوطة الشرقية. فباريس تستجدي تأييداً روسيا متعلقا في ليبيا في وجه المشروع الأمريكي الإيطالي.
وتشكل هذه المقدمات، بداية الالتفاف على مسألة إعادة الإعمار التي ربطتها أمريكا والاتحاد الأوروبي بقضية الانتقال السياسي دائما، إضافة إلى ان عودة مئات آلاف اللاجئين في دول الجوار ستتطلب إعادة إعمار محدود وتأهيل مساكنهم.
حتى اليوم، لم تتمكن موسكو من اقناع ألفي شخص بالعودة إلى مناطق سيطرة النظام. وتتجاهل أن المسألة ترتبط بشكل وثيق بقضية الأمن والسلامة لدى السوريين. وتتجاهل موسكو أن 13 مليون سوري نازح ولاجئ كانوا يملكون بيوتا يعيشون فيها وطرقا يمشون عليها، وانهم غادروا تلك البيوت لتعرضهم للقهر وغياب الأمن واستباحة كرامتهم، ولم تكن مشكلتهم أماكن سكنهم على الإطلاق.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.