استراتيجية الأردن في ملف التطبيع مع سوريا: التفاوض بالقطعة والبقاء في أقرب نقطة من «الحضن الروسي»

يصر الأردن على تكثيف الخطاب لصالح مسار جنيف عندما يتعلق الأمر بالملف السوري بالرغم من ان المسار الثنائي المباشر طالته سلسلة لافتة من التطورات مؤخرا وسط تواصل الضجيج والإثارة بعنوان أسرار وخفايا ما يحكم العلاقة المأزومة اليوم بين عمان ودمشق.
في مقايسات ثلة من المحللين والسياسيين الأردنيين لا تظهر حكومة بلادهم أي حماس لتطبيع العلاقات مع النظام السوري وبصورة بدأت تثير الارتياب بالرغم من حصول مستجدات تتطلب المصالح الأردنية الأساسية والمحورية الالتفات لها وأهمها بلا منازع حسم المعركة عسكريا على طول الجبهة الجنوبية. بدت في الآونة الأخيرة واضحة تماما مؤشرات التشويش في ملف العلاقة الأردنية السورية في ظل انتقاد الإعلام السوري للحكومة الأردنية لأنها لا تتجاوب مع دعواتها لإعادة العلاقات وتحديدا لتشغيل معبر نصيب.
ويحاجج المتحمسون لانفتاح كبير وفعال وسريع مع نظام دمشق بأن تشغيل المعبر فرصة طيبة لاستئناف العلاقات التجارية والتخفيف من حدة تراجع الاقتصاد الأردني. وترى هذه النخبة ان الجانب السوري بحسمه عسكريا ملف الجنوب انتهى من المتطلبات الأمنية الخاصة بالأردن وان تأمين طريق عمان دمشق أمنيا وعسكريا يلبي الاحتياجات الأردنية وينبغي على عمان ان تتعامل مع هذه الوقائع وتفتح الباب لاستئناف الاتصالات والعلاقات الرسمية بعد فترة ملموسة من القطيعة استمرت منذ عام 2011.
سياسيون كبار اقترحوا في عدة مناسبات الاتجاه نحو مصالحة سياسية سريعة مع النظام السوري. وقد ألمح لذلك مفكر سياسي من وزن عدنان ابو عودة وشخصية أردنية ذات حضور دولي هو الدكتور طالب الرفاعي وغيرهما. لكن الجانب الرسمي الأردني يبدو انه لا يستعجل تطبيع العلاقات مع الرئيس بشار الأسد ويصر على سياسة زاحفة إلى حد ملموس في هذا الاتجاه مع الحرص على البقاء في حالة شراكة مع الراعي الروسي تحديدا الذي يناقش معه الأردنيون كل صغيرة وكبيرة لها علاقة بمصالحهم الحدودية والأمنية وحتى التجارية مستقبلا.
لا يحصل مثل هذا النقاش وجها لوجه على أي تفصيل مع حكومة دمشق خصوصا على المستويات السياسية والدبلوماسية وأيضا البيروقراطية، الأمر الذي شكل ويشكل طوال الوقت منذ حسم الصراع عسكريا في مناطق درعا وجنوبها علامة سؤال فارقة لا تحظى بإجابة مقنعة حتى الآن.
قرار حكومة الأردن البيروقراطي والسياسي واضح في السياق فهي تتفاوض مع موسكو دون غيرها عندما يتعلق الأمر تشغيل وإعادة فتح معبر نصيب.
وسبق للتعاون الأردني الروسي ان نجح في إبعاد الميليشيات الإيرانية والتي أطلق عليها وزير الخارجية ايمن الصفدي علنا اسم «الميليشيات الطائفية» عن نقاط جغرافية قريبة من شمال الأردن. وكان التعاون مع روسيا فعالا فيما سماه الوزير ردا على استفسار مباشر من «القدس العربي» في اتفاقيات التصالح التي ضمنت عدم حصول مشكلات كارثية على الحدود مع جنوب سوريا مؤخرا.
في مقاربات الصفدي التعاون مع روسيا فعال وفيه الكثير من قصص النجاح والأردن بوضوح على مستوى القرار الأمني متحسب. وإشارته لنجاح اتفاقيات التصالح لها علاقة بموقف الأردن الثابت والراسخ والذي يعتبر استعادة العلاقات على نحو طبيعي مع سوريا المجاورة خطوة ينبغي ان لا تكون فردية بل في سياق استراتيجية لها علاقة أولا بحل سياسي ودولي للصراع وثانيا باستقرار قطعي وعام في الداخل والجوار السوري الإقليمي.
ما فهمته» القدس العربي» من هذا المنطق هو ان افتقار المؤسسة الأردنية للحماس السريع في التعاطي مع النظام السوري له علاقة بمنطلقين. الأول مرتبط بحلول جذرية تعيد الاستقرار إلى سوريا والثاني مشتبك تماما وفي الكثير من التفاصيل والحيثيات مع المصالح الحيوية والأساسية الأردنية.
بمعنى آخر يرسم الأردن اندفاعاته مع النظام السوري في إطار فهمه لمصالحه واحتياجاته ومتطلباته الأمنية التي يبدو انها في فهم مركز القرار الأردني تحتاج لخطوات بطيئة في الانفتاح على النظام السوري، وفي البقاء في حضن الراعي الروسي علما بأن أنصار النظام السوري والداعين إلى الانفتاح الكبير عليه ومعه يشككون بين الحين والآخر في هذه المنطلقات ويتحدثون عن استجابة حكومة الأردن لضغوط من حلفاء لها بينهم إسرائيل والسعودية تتكثف في اتجاه منع مصالحة واسعة النطاق مع النظام السوري.
مثل هذا التشكيك لا تشتريه مؤسسة القرار الأردنية التي تتباطأ في إعادة فتح وتشغيل معبر نصيب، بدليل ان الأردن وهو يحضر اجتماعات مسار جنيف الحديثة جدا يعود لمناكفة النظام السوري بالإشارة إلى عملية سياسية شاملة. وبدليل ان الحديث عن الوضع الداخلي السوري بعد الحسم العسكري يتم اعتباره في تصنيف تيار الموالاة الأردني للنظام السوري بصفته تدخلا في شأن داخلي، فيما تؤكد الدبلوماسية الأردنية ان المقصود هو حصريا الانتباه لترتيبات ذات بعد عميق وشامل وتمس كل الملفات قبل أي مصافحة أو مصالحة غير منتجة أمام الكاميرات مع نظام الرئيس بشار الأسد خصوصا وان تجربة الحسم العسكري الأخيرة للجنوب تثبت أن الجيش الأردني والأجهزة الأمنية قاما منفردين بجهد عملاق وجبار حال دون حصول كارثة إنسانية جديدة في جنوب سوريا وبالتالي دون تدفق مئات الآلاف من اللاجئين مجددا.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.