مظاهرات شعبية غاضبة شمال غربي سوريا ضد النظام و«النصرة» و«الفيتو» الروسي – الصيني

يتداول معارضون سوريون وقيادات مقربة من الاستخبارات التركية، أنباء عن اتفاق تركي – روسي غير معلن، كأحد نتائج القمة الرئاسية التي احتضنتها انقرة مطلع الأسبوع الجاري، لإجبار الفصائل «القاعدية» و«الجهادية» على الانسحاب من المنطقة المنزوعة السلاح، عبر عمليات عسكرية دقيقة، وذلك كمقدمة لخطوات جدية في استكمال اتفاق «سوتشي» الذي تعمل روسيا على تطبيقه بالقوة، إن لم يكن بغير ذلك، حيث نص في أهم بند له، على تفعيل الطرق الدولية شمال غربي سوريا.
وكان الجيش التركي سيّر أمس دورية عسكرية على الطريق الدولي «حلب – دمشق» بالقرب من بلدة برقوم في ريف حلب الجنوبي، ووثقت شبكة «بلدي نيوز» المحلية انتشار «عناصر من الجيش التركي برفقة عدد من عناصر فصائل المعارضة بالقرب من مفرق بلدة برقوم بريف حلب الجنوبي على طريق حلب- دمشق الدولي المعروف بطريق إم 5» لافتاً إلى ان الدورية التركية استمرت لعدة ساعات قبل أن تعود إلى نقاطها ومواقع تمركزها العسكري في المنطقة، حيث استطلع عناصر الجيش التركي وسط تشديد أمني محيط الطريق الدولي، وذلك تمهيداً لتطبيق مشروع المنطقة المزمعة في اتفاق سوتشي بعمق 15 كيلومتراً في إدلب و20 كيلومتراً في سهل الغاب بريف حماة الغربي، بعد انسحاب الفصائل المصنفة أمنياً في المنطقة.

«سوتشي» بالقوة

ميدانياً بدأت القوات الحكومية السورية صباح أمس الجمعة قصفاً بقذائف صاروخية في ريف اللاذقية، وذلك استمراراً لقصف بقذائف صاروخية مساء الخميس في ريف إدلب الجنوبي وريف اللاذقية الشمالي، طبقاً لما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس. من جانبها، عززت هيئة تحرير الشام مواقعها العسكرية في محور كبانة بجبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي وذلك على مدار الـ48 ساعة الفائتة، تمثلت التعزيزات بدبابات ومدرعات وجنود، بالإضافة لتحصين مواقعها هناك، حسب المرصد السوري لحقوق الانسان الذي لفت إلى ان عملية التعزيز والتحصين تجري وسط معلومات حول خطط لإجبار الفصائل الجهادية على الانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح وتسيير دوريات روسية – تركية.
وبغض النظر عن التسريبات او الإشاعات عن اتفاق روسي – تركي جديد، إلا ان ما يجري فعلياً هو تطبيق حازم لبنود «سوتشي»، المبرم قبل نحو عام، وهو ما عبر عنه المعارض السياسي السوري سمير نشار لافتاً إلى ان تركيا لَم تنجح في إقناع الفصائل بتنفيذه وليس فقط «تحرير الشام» والمنظمات المتشددة وإنما أيضاً بعض فصائل الجيش الحر من أمثال جيش العزة وآخرين.

هل يجري العمل فعلياً على فتح الطرق الدولية بالقوة في الشمال تفعيلاً لـ«سوتشي»؟

وقال نشار لـ «القدس العربي» ان ما شاهدناه من معارك منذ نهاية نيسان إلى حين انعقاد القمة الثلاثية في انقرة بين دول محور استانة، هو هجوم لتنفيذ اتفاق سوتشي بالقوة العسكرية لكنه كان مكلفاً جداً من ناحية حجم الخسائر التي منيت بها ميليشيات النظام وحلفاؤه، واستمر القتال الضاري أربعة أشهر حتى استطاع النظام بدعم جوي روسي من السيطرة على ريف حماه الشمالي وخان شيخون. ومع نزوح ما يقارب مليون مواطن من مناطق القتال، تشكل عبء إنساني وسياسي واضح على تركيا باعتبارها دولة ضامنة وداعمة للثورة كما يفترض، فتوقف القتال عبر هدنة من طرف واحد كان لعدة أهداف منها، التعبئة العسكرية والتحشيد لميليشيات النظام وحلفائه، وذلك لبدء هجوم جديد بهدف السيطرة على الطرق الدولية وخاصة حلب -– دمشق.
وعبّر نشار عن اعتقاده بأن أي اتفاق سواء اتفاق سوتشي او الاتفاق الذي تم تسريبه من خلال سوريين مقربين من الاستخبارات التركية، لن يكون مقبولاً من الفصائل ولن ينفذ طوعاً، معتبراً ان «الهجوم الثلاثي من أنظمة العدوان قادم مع صمت تركي عما يجري».
وانطلاقاً من الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن، ووقوف المجتمع الدولي ومؤسساته عاجزاً أمام التعنت الروسي، واختباء الدول الفاعلة من شعوبها وراء هذا الفيتو دون أن تحرك ساكناً، يقول القيادي في المعارضة السورية، ورئيس وفد استانة السابق، فاتح حسون انه لم يبق على الساحة السورية، سياسياً وعسكرياً، بما يتعلق بالمناطق المحررة إلا اتفاقان عقدتهما تركيا مع روسيا، الأول اتفاق خفض التصعيد في أستانة، والثاني اتفاق قمة سوتشي حول إدلب.

مظاهرات غاضبة

واعتبر حسون في حديثه مع «القدس العربي»، ان روسيا تعمل على تطبيق الاتفاق بالقوة، فيما تحاول تركيا تكبيلها بالاتفاقين، أما المجتمع الدولي فيقف متفرجاً بلا حراك فاعل، مضيفاً «بل هناك دول كثيرة تود أن ترى تركيا غير قادرة على تنفيذ الاتفاقين لمخالفتها سياساتها، ضاربة بعرض الحائط ما يمكن أن تحصده معركة شاملة تقوم بها روسيا في منطقة إدلب». وبالتالي، لا فرار من التجهيز لهذه المعركة من قبل فصائل قوى الثورة من جهة ومن فصائل المعارضة من جهة ثانية، حسب حسون، الذي اكد على ضرورة استخدام كل الإمكانيات المتاحة للوقوف بوجه القوات المعتدية بما فيها العمليات في العمق وخلف الخطوط، معتبراً بكل وضوح انه «بعد معركة شاملة في إدلب لا معركة، وبالتالي ستكون معركة تستخدم فيها كل الإمكانيات المتاحة التي يجيزها القانون الدولي».
تزامناً، خرجت مظاهرات غاضبة بعد حالة من الاحتقان الشعبي، في الشمال السوري، كان أضخمها عند معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وفي مدن إدلب، وكفرتخاريم، وبنش، ومعرة النعمان، وسرمدا، تنديداً بانتهاك النظام السوري الهدنة المعلنة، ومواصلة قصفه البري والجوي على منطقة خفض التصعيد في محافظات إدلب وحماة وحلب واللاذقية، كما أكد المتظاهرون على مطالبهم بحل «هيئة تحرير الشام»، وعزمهم الضغط على تركيا كضامن دولي من أجل حفظ الاتفاق أو فتح أبوابها أمام ملايين السوريين للخروج إلى أراضيها ومنه إلى أوروبا، مهددين بأكبر موجة لجوء منذ اندلاع الثورة السورية.
وتأتي المظاهرات بعد دعوات من ناشطين بارزين يقودون الحراك الثوري، لا سيما بعد الفيتو الروسي والصيني ضد مشروع القرار في مجلس الأمن، الذي طالب بوقف إطلاق النار وحماية المدنيين في إدلب، وقال الناشط الإعلامي أحمد الجدعان للقدس العربي ان المظاهرات تعد رسالة شعبية إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة بعد فيتو كان بمثابة غطاء للمجرم ورخصة لقتل المدنيين الذين عبروا عن حالة الغضب العارم بسبب مواصلة القصف وتهجير مئات الآلاف من بيوتهم إلى العراء.
ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان حشوداً من المتظاهرين تصل تباعاً إلى ساحة معبر باب الهوى، الحدودي بريف إدلب الشمالي، قبل الخروج بمظاهرة حاشدة نندت بالصمت الدولي تجاه الكارثة الإنسانية في في المنطقة المشمولة ضمن منطقة خفض التصعيد في ظل عمليات النظام والروس العسكرية والمجازر التي جرى ارتكابها بحق المدنيين، وطالب المتظاهرين حسب المصدر بالسماح للمواطنين بالتوجه واللجوء إلى الدول الأوروبية.
وطالبت المظاهرات بحل هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ التابعة لها، ودعت لحشد الجهود العسكرية بين الفصائل من أجل استعادة المناطق التي سيطر عليها النظام السوري، وتأتي هذه التظاهرات بالتزامن مع انتشار مئات الآلاف من السوريين في المدن والمناطق القريبة من الشريط الحدودي مع تركيا، بعد أن نزحوا إليها جراء الحملة العسكرية التي يشنّها النظام السوري بدعم بري وجوي من روسيا وإيران.

احتقان شعبي

ويسود احتقان شعبي كبير حسب الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي ضد جميع القوى الفاعلة الدولية والمحلية نتيجة انعدام الاستجابة الإنسانية وغياب المواقف التي تعطي توضيحاً عن مستقبل المنطقة، حيث استهدفت الاحتجاجات بشكل خاص «هيئة تحرير الشام» وحكومة الإنقاذ دون غيرها، نظراً «على ما يبدو للموقع الذي يشغلانه عسكرياً وإدارياً؛ على اعتبار أنهما يمثّلان الجهة الحاكمة لمفاصل محافظة إدلب ومحيطها، ويقع العبء الأكبر عليهما في حمايتها. كما تعكس الاحتجاجات أيضاً حالة من عدم الثقة بقدرة الهيئة على الحفاظ على آخر معاقل المعارضة السورية».
وبطبيعة الحال، وجدت العديد من الشرائح الاجتماعية والمعارضة لهيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ، المجال والتوقيت المناسب للانخراط في الاحتجاجات الشعبية وبث الزخم فيها، وإيجاد مسوغات إضافية لتعزيز حالة الاحتقان، من قبيل الدفع نحو تكوين رأي عام مطالب بحل الهيئة والحكومة التابعة لها لسد الذرائع التي تستخدمها روسيا في خيار الحسم العسكري للسيطرة على الشمال السوري.
وتعدّ المظاهرات حسب المتحدث لـ»القدس العربي» إحدى أبرز أدوات الضغط التي قد تؤثر على دور ومستقبل هيئة تحرير الشام في الشمال السوري، حيث ستضعها أمام تحدي التعامل الأنسب معها في ظل وجود تحديات أخرى دولية، إقليمية، ومحلية تتعلق بالرغبة الملحّة في حلها كتنظيم جهادي.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.