استقالة الحريري! إلتفاف على الثورة

د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

لم يكن سعد الحريري يوماً رئيساً فعلياً لحكومة دولة لبنان، بل رضي أن يكون مجرد واجهة لحلف 8 آذار، معظم مدته في رئاسة الحكومة كانت بصفته رئيساً مكلفاً، أو رئيساً لحكومة تصريف الأعمال، فسياسة حزب الله هي مصادرة صلاحيات رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية وتعطيلها، لصالح هيمنته الفعلية على القرار السياسي والتنفيذي، وهي سياسة مطبّقة منذ أن وضع حداً لتمرد الرئيس رفيق الحريري باغتياله في 14 شباط عام 2005، بالتعاون مع رأس النظام السوري، ومنذ إجبار الجيش السوري على الانسحاب من لبنان، وخلال أكثر من عقد تحول لبنان من مستعمرة سورية، لمستعمرة إيرانية عبر هيمنة حزب الله المطلقة، وتحول معظم السياسيين في لبنان إلى دمى بيد حزب الله وايران، ومنهم سعد الذي خسر أيضا حضنه السعودي، وصار بقاؤه في السلطة ممثلاً للسنة مرتبط بمقدار ولائه وتدليسه لحزب الله كمعظم رموز تياره، وهو ما مكن نصر الله من صياغة اتفاق العهد العوني، الذي أمعن بالإفساد والتدمير حتى قامت الثورة عليه في عموم مناطق لبنان وفي كل مكوناته الطائفية، هذه الثورة المدنية تتهم بدورها كامل الطبقة السياسية بالفساد والاستبداد والخداع والفشل وتطالب باسقاط وتغيير النظام جذرياً.

جاءت استقاله الحريري كمحاولة منه للالتفاف على مطالب الثورة بإسقاط النظام بكافة رموزه وقواعده، على أمل العودة لتشكيل حكومة أخرى لذات العهد وذات النظام، لا تختلف إلا شكلاً عن الحكومة السابقة، محتفظاً بزعامة طائفته وحريصاً على استمرار نظام المحاصصة الذي هو جوهر المشكلة، حيث لا يحصل المواطن على حقوقه مباشرة، بل جزئياً عبر مسالك طائفته وزعاماتها الأبدية التي تتحكم به وبمقدرات الدولة وبالثروة أيضاً، وتحول الوطن لمجموعة مزارع خاصة بعائلات وبيوت معينة، على حساب حرمان الشعب من أبسط الحقوق والخدمات، والذي تسبب باندلاع الثورة الجديدة المدنية.

لكن مقتل هذه الثورة المدنية يكمن في عمليات الإلتفاف التي يقوم بها قادة الطوائف وأمراء الحرب والسلم معاً، وقد بدأ ذلك جعجع بحجة أنه معارض للعهد ( بعد أن كان جزءاً من الحرب وجزءاً من تقاسم نتائجها ، وبعد أن شارك في إيصال عون للرئاسة وأعطاه الشرعية ) ثم تبعه جنبلاط أيضاً، وها هو ذا سعد الحريري، وسوف يتبعه الجميّل وطبعاً فرنجية، وقد تصل عملية الإلتفاف لتشمل التيار العوني المنقسم بين صهرين، وحركة أمل، وحتى حزب الضاحية ذاته، الذي لا يصعب عليه تغيير جبته والعلم خلفه، وهكذا يخسر لبنان فرصة ذهبية للخروج من التخلف والفقر والكذب، وتضيع مطالب الثورة في غمرة خطط واصلاحات لا تمس جوهر المشكلة.

إن أكبر عملية خداع يتعرض لها اللبنانيون هي هذه الاستقالات الشكلية من المناصب، التي لا تعدو عن كونها خروج من الباب للعودة من البوابة، مع المحافظة على نظام الإقطاع السياسي النهم الذي يدير الفساد والاستبداد والاستعباد الطائفي والتخلف الحضاري والمعيشي الذي يضرب لبنان.

النظام اللبناني الحالي كالجدار المائل، لا يمكن التحميل عليه ولا ترقيعه ولا إصلاحه، بل يجب هدمه واعادة بناءه منتصباً من دون عوج، ولا حل آخر هندسياً … وكل محاولة للحفاظ على هذا النظام تحت عنوان الاصلاحات أو الحفاظ على السلم الأهلي، هي فقط تجديد وإدامة للمشكلة، التي لا بد أن تنهار يوماً فوق أهلها.

هذا حزب الله يعلن أنه إيراني الهوى والهوية والتمويل والاستراتيجية، ولديه مؤسسة أمنية وعسكرية وقضائية خاصة أكبر وأقوى من مؤسسات الدولة، وبقية المكونات ما تزال تحتفظ ببنيانها الطائفي وبميليشياتها وسلاحها وخصوصيتها … فماذا بقي من لبنان لكي تنقذوه وممن؟ لبنان جدار مائل ينهار، ولا بد من استكمال انهياره كاملاً حتى أساسه، عندها فقط يمكن بناء لبنان جديد، وإلا فسوف يمر بمرحلة احتضار طويلة تنتظر تحولات التاريخ الكبرى، لكي يتبدد ضمن كيانات جديدة تتناسب مع روح العصر ومصالح الشعوب.

نعم يجب على الحريري الاستقالة من الحكومة، لكن أيضاً عليه الاستقالة من زعامة الطائفة السنية، ولكي يكون وطنياً ومع الثورة (كما يدعي) يجب عليه الكف عن ركب الأحصنة الطائفية، وقيادتها في سباق التنافس على السلطة التي ترعى الفساد والمصالح الشخصية، وكما قال هو : “لا أحد أكبر من بلده”، فلبنان أكبر من عشر عائلات اقطاعية سياسية تتحكم به سياسياً واقتصادياً، والعالم قد تجاوز نهائياً مسألة الدين والمعتقد في تشكيل الأوطان، والدول الحديثة تقوم على المؤسسات المدنية ذات المعايير، وعلى نظم الرقابة والمحاسبة وسيادة القانون، وليس نظم المحسوبيات والتجاوز والقفز فوق القيم والمعايير الوطنية.

لا يقبل من الحريري ولا من غيره أن ينشق عن النظام أو أن يغير ثوبه السياسي، بل عليه الانسحاب الكامل (جسداً وروحاً) من مجمل الحياة السياسية، لكي يمكن اعتماد مبدأ التسامح معه أو مع غيره، أما محاولته الخروج من الباب والعودة من البوابة، فهي التفاف على الثورة وخيانة لشعارها الوطني (كلن يعني كلن) من دون استثناء ومن دون احتفاظ بشخوص أو بنظام العهد الماضي. فإسقاط الحريري وغيره من كامل الحياة السياسية هو الخطوة الأولى لاسقاط حسن وعون ونظام القذارة والفساد الطائفي في لبنان … فالمطلوب ثورياً لهذه اللحظة هو استقالة كامل الطبقة السياسية الإقطاعية وإلى الأبد من كل الحياة السياسية في لبنان. استقالة الحريري! إلتفاف على الثورة استقالة الحريري! إلتفاف على الثورة استقالة الحريري! إلتفاف على الثورة

والد سعد استخدم المال الذي جمعه في الخليج للحصول على المنصب في لبنان، وليصبح واحداً من إقطاعييه، بينما سعد يتمسك بالمنصب الإقطاعي الموروث للحفاظ على الثروة التي تتبدد بسرعة بين يديه، لذلك لا يمكنه أن يكون إلا فاسداً وشريكاً في الفساد، كغيره من أرباب السياسة الإقطاعية في لبنان الذين يرون في الغقطاع السياسي ضرورة لاستمرار الإقطاع الاقتصادي الذي لم يعد يطاق، خاصة بعد أن ابتلعهم الغول الإيراني وهضمهم وحولهم لمجرد روث سياسي، مثلهم مثل حكام العراق وسوريا، الذين يقتلون شعوبهم معاً من أجل بقائهم في المناصب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.