تخوف روسي-تركي من انهيار الاتفاق… وتقارير سورية: إيران تستكمل قاعدتها في البوكمال

“لا يوجد أي موعد محدد لخروج القوات الأمريكية من سوريا”، هكذا أوضح الجنرال كينغ ماكنزي، قائد المنطقة الوسطى للجيش الأمريكي، في مؤتمر صحافي، السبت الماضي. وبهذا يتم التراجع عن قرار الرئيس الأمريكي ترامب، المثير للخلاف، القاضي بسحب جميع القوات من مناطق المعارك في شمال سوريا. أمس، تم تعزيز القوات الأمريكية في سوريا بقوات مدرعة، منها ثلاث دبابات وثلاث آليات أخرى. ووحدة لوجستية انتقلت إلى سوريا من المنطقة الكردية في العراق. هذا التعزيز استهدف حسب أقوال ماكنزي، توسيع النشاط ضد داعش في دير الزور، بالتعاون مع قوات المليشيات الكردية.

لماذا تتراجع الولايات المتحدة عن قرار رئيسها وتعيد بقاءها في سوريا وارتباطها بالأكراد؟

إن مبرر الولايات المتحدة لاستمرار مشاركة نحو ألف جندي، وسينضم إليهم المزيد من القوات، يكمن في تقارير المخابرات الأمريكية بأن قوات داعش بدأت إعادة تنظيم نفسها بهدف تنفيذ عمليات، وخوفاً من عدم نية القوات التركية والروسية التي في شرق نهر الفرات العمل ضد “داعش”. هذا التفسير يتناقض وتصريح ترامب الذي جاء فيه أن “داعش” هزم. لذا، فإن القوات الأمريكية أنهت مهمتها في سوريا. ولكن رغم التخوف الحقيقي من عمليات “داعش”، فإن الرئيس الأمريكي يتذرع به من أجل التراجع عن قرار الانسحاب من سوريا، خاصة بعد الانتقاد الشديد الذي وجهه إليه الكونغرس وأصدقاؤه الجمهوريون الغاضبون من التخلي عن الحلفاء الأكراد.

قرار إبقاء القوات الأمريكية في سوريا يؤثر أيضاً على استعداد المليشيات الكردية للالتزام بالاتفاق الذي وقعوه مع روسيا والولايات المتحدة في 22 تشرين الأول والذي يقضي بالانسحاب إلى مسافة نحو 32 كم عن الحدود مع تركيا. صحيح أن جزءاً من القوات الكردية انسحبت من منطقة الحدود، وسارعت روسيا إلى الإعلان باستكمال الانسحاب في نهاية تشرين الأول، ولكن يبدو أن وقف الانسحاب تم مؤخراً. وزير الخارجية الروسي، سرجيه لافروف، حذر الأكراد هذا الأسبوع بأن عليهم التمسك بالتزامهم وعدم الاعتماد على المساعدة الأمريكية.

روسيا وتركيا تخافان من أن التحول في السياسة الأمريكية وإعادة تجنيد الأكراد للحرب ضد داعش، سيؤدي إلى انهيار اتفاق الانسحاب. إذا تحقق هذا يمكن لتركيا حينئذ أن تقرر تجديد نشاطاتها العسكرية كجزء من عملية “نبع السلام” التي استهدفت طرد الأكراد من المنطقة الحدودية بالقوة.

الاتفاق مع الأكراد الذي جاء قريباً من موعد غزو تركيا للمنطقة التي تقع شرق الفرات في أراضي سوريا، أدخل القوات الروسية إلى جزء من المناطق التي عمل فيها الأمريكيون، وبدأوا بدوريات مشتركة مع القوات التركية لتأمين المنطقة المخصصة لاستخدامها كمنطقة آمنة، وتطمح تركيا من أجل نقل 2 مليون لاجئ سوري من 4 ملايين على أرضيها.

من غير الواضح الآن ما مصير المنطقة الآمنة المخططة، وهل ستخلق الظروف التي تسمح بنقل اللاجئين. ولكن مصير اللاجئين أمر هامشي يدعو إلى القلق من مواجهة يمكن أن تحدث بين القوات التركية والقوات الأمريكية إذا قررت أنقرة تجديد الهجوم في سوريا. روسيا من ناحيتها قلقة من السيناريو الذي تتهمها فيه تركيا بأنها لا تطبق الاتفاق بينهما، ولا تعمل على إخلاء الأكراد. موسكو تخاف من أن تستغل أنقرة ترددها من أجل الدفع قدماً بتمركز عميق للقوات التركية في الأراضي السورية، الخطوة التي ستفشل الخطة الروسية لنقل المنطقة إلى سيطرة بشار الأسد.

طريق سياسي مسدود

يبدو أن روسيا لا تنجح في تطبيق الخطة السياسية لإنهاء الحرب في سوريا، بعد أن فشل اللقاء الثاني للجنة صياغة الدستور. في اللقاء الذي جرى هذا الأسبوع في جنيف بمشاركة ممثلين عن النظام والمعارضة، لم ينجح الطرفان في التوصل إلى اتفاق حتى حول مسألة جدول أعمال اللقاء. يبدو أن الترحيب الذي استقبل به الاتفاق بتشكيل لجنة دستور تضم 150 ممثلاً، باختيار لجنة تتكون من 45 عضواً يعملون فعليا على صياغة مسودة الدستور، كان سابقاً لأوانه.

الأسد يسمي ممثلي النظام في المحادثات “ممثلون يؤيدون مواقف الحكومة” أي غير رسميين لنظامه؛ كي لا يتهم مباشرة بإفشال المحادثات، إذا فشلت بالفعل. ظهرت في المحادثات اختلافات في الرأي ليس فقط بينهم وبين المعارضة، بل أيضاً بين ممثلي المعارضة أنفسهم، بالأساس حول دور ومكانة الأسد في الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها. في لجنة الدستور لا يوجد تمثيل لأكراد سوريا، رغم أن نسبتهم من إجمالي سكان الدولة 20 في المئة. الأكراد لم يشاركوا أيضاً في اللقاءات السياسية التي جرت في الأستانة عاصمة كازخستان والتي سبقت تشكيل لجنة الدستور.

من كان عليه أن يمثل الأكراد هم ممثلو المجلس الوطني الكردي، المشمول في الائتلاف الذي يشكل حركة المعارضة في سوريا. ولكن من يسيطر على المجلس هو الإدارة الكردية في العراق، التي هي تحت رعاية تركيا المعارضة بشدة لأي مشاركة للأكراد السوريين في العملية السياسية. هنا تكمن أهمية التواجد الأمريكي في سوريا واستئناف التعاون العسكري مع المليشيات الكردية. إن مكانة الأكراد في القوة المقاتلة المشاركة في الحرب ضد داعش بدعم أمريكا، قد تتعزز أيضاً على الصعيد السياسي بصورة ستوضح لتركيا وروسيا بأن أي عملية سياسية بدونهم قد تفشل.

الأمر المهم هو أن إيران ليست شريكة في كل الخطوات العسكرية بشمال سوريا والسياسية بجنيف، رغم أنها كانت جزءاً لا يتجزأ من العملية التي سبقت تشكيل لجنة صياغة الدستور. وحسب تقارير سورية، تسعى إيران إلى التمركز في منطقة الحدود بين العراق وسوريا واستكمال إقامة القاعدة العسكرية الكبيرة في منطقة بوكمال لضمان معبر بري مفتوح بين طهران ودمشق.

وتسعى إيران أيضاً إلى تعزيز نفسها اقتصادياً في سوريا، بعد إقصائها عن فرع الاتصالات الخلوية الذي وعدها به الأسد، فهي تحاول الفوز بعطاء تطوير وإعادة تأهيل شبكة الكهرباء في سوريا. فبعد توقيعها على اتفاق لإقامة محطة كهرباء في اللاذقية بمبلغ 400 مليون يورو، حصلت على عقد لإقامة محطة كهرباء في حمص ومدن أخرى. ورغم هذه الإنجازات المحلية فإن إيران تظل بعيداً خلف روسيا، التي تسيطر على ملف الاستثمارات المستقبلية، وبالأساس امتيازات مستقبلية لتطوير آبار النفط في سوريا التي يسيطر عليها الآن الأكراد والأمريكيون.

بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 28/11/2019

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.