قيصر … و بشار البائد

د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

تشرح صور الشهداء الذين قضوا تحت التعذيب التي سرّبها عسكري منشق سمّي سيزر والتي اعتمدت لسنّ قانون باسمه (بشكل مؤثر ومؤلم جداً خاصة لمن عرف تلك السجون ، ولمن له بين هؤلاء الضحايا أخ أو صديق أو أب … ) تشرح بشكل صامت صمت الموت الجاثم كيف وكم عانا هؤلاء قبل أن ينتقلوا لجنة الخلد ، على أيدي جلادي وشبيحة نظام سوريا الأسد ، كما سمّاها الإعلام الرسمي منذ الثمانينات ، وكما رددها طلائع البعث مراراً وتكراراً ( إلى الأبد إلى الأبد يا حافظ الأسد ) ، يومها فهمنا من إطلاق ذلك الشعار أنه آخر رئيس سوري ، وتيقنا من أفعاله أنه يخطط لأن يجعل سوريا تموت بموته ، لكنه عندما نفق حافظ عام 2000 وجدوا طريقة لتخليده بتوريث ولده المعطوب بشار ليرتدي حذاء أبيه ويدوس به على شرف سوريا وشعبها ، وهكذا بقي حافظ متجسداً متقمصاً في ولده الذي يخطط ليورث أيضاً ولده حافظ الثاني ليستمر ذلك الشعار والخلود لسوريا الأسد والأبد.

عام 2011 قامت الثورة على الولد بشار وصار نظامه الخالد مهدداً فأطلق شعار الأسد أو نحرق البلد ، وهو مطابق لما توقعناه في الثمانينات ، أي يحقق قسم حافظ وتوعده بأن تموت سوريا بموته ، وهكذا أطلق بشار العنان لمن حوله ومن والاه وناصره ليرتكبوا أبشع المجازر بحق الشعب السوري اعتقالاً وتعذيباً وقتلاً وتهجيراً ، وعندما لم تكف قوتهم استعانوا بهذا وذاك من شذاذ الآفاق من ميليشيات وجيوش احتلال وما يزالوا يصرون كل يوم على متابعة هذا العمل منذ تسع سنوات عجاف دون كلل ولا ملل ، صارت السجون مسالخ لحم بشري بامتياز وصار التعذيب حتى الموت وبطرق مبتكرة وغير مسبوقة هو ما ينتظر أي موقوف قبل حتى أن يسأل عن اسمه ، لم يتركوا بشراً ولا شجراً ولا زرعاً ولا مساكن ولا حيوان … أبادوا ما استطاعوا من مدن وقرى وأحياء وعائلات ، وهرب من هرب ، حتى خوت أكبر المدن من ساكنيها … وصار الشعب بين قتيل ومشوّه ومهجّر ومنكوب ومصدوم …. لقد ذرفت نساء سوريا دموعاً لم تذرفها طيلة قرون ، وندبت ثكلاها ندباً لم تندبه طيلة قرون ، خلال تسع سنوات حزينة سوداء مرت مثخنة برائحة الدم والموت والحرق والبارود.

مات الشعب وماتت سوريا وبقي بشار وبقي الأسد المعتوه حاكماً ، متفوقاً على والده المرجوم … وصار هو القائد لمستقبلها وهو من يحدد من يحق له العيش فوق أرضها ، وحظي ذلك بموافقة شخصيات سمّيت باسم المعارضة لم تشم رائحة الموت ولم تستذكر صور سيزر ، باعت بسرعة وسهولة عذابات الشعب مقابل توافه المال والبذخ وضوء الكميرات ، وبفضل اعتمادها ممثلة للشعب السوري أصبح من عدم الواقعية أن نتحدث عن اسقاط النظام أو رحيل بشار.

لكن صور تلك الضحايا استطاعت أن تفعل أكثر من دعواتهم وصراخهم في سجونهم تحت التعذيب والتي تستمر حتى الآن ويتنكر لها الكثيرون ، استطاعت تلك الصور الرهيبة أن تتحول لقانون عقوبات من شأنه أن يضع حداً لمقولة سوريا الأسد إلى الأبد ، فالموت الصامت أنهى الكلام وأخرس الشعارات … فإذا كانت سوريا ستبقى موجودة في المستقبل فهي ستكون من دون الأسد ، ومن دون كل المجرمين الذين فتكوا بالشعب ، ومن دون من باعوه بأرخص الأثمان من المعارضة … قانون المحاسبة والمعاقبة الذي طال بشار بدأ شطف وسخ النظام من فوق وهذا سيشمل الطوابق السفلى وصولاً لأقبية المعارضة والمنصات والهيئات.

سوريا باسمها وحدودها أو بأي اسم وحدود أخرى لن يكون فيها هذا المجرم وهذا الإجرام في المستقبل، ليس بسبب قانون سيزر ، بل بسبب تلك المجازر التي أنتجته وستنتج غيره، فقط علينا أن لا ننسى ولا نساوم في موضوع العدالة والمحاسبة ، فما جرى لا يمكن أن ينسى أو يمحى . وكل من يفكر بالقفز فوقه سيقع في مستنقعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.