العالم العربي يشهد مرحلة انتقالية

افتتاحية – (ذا أراب ويكلي) 15/12/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

تواجه الدول العربية طفرة في أجيالها الشابة، والتي لن تذهب في أي وقت قريب. وبينما استخدمت الدول الآسيوية، مثل كوريا الجنوبية، هذا الطور الديموغرافي لدفع النمو الاقتصادي، فإن العديد من الدول العربية التي تعاني من ضائقة مالية فشلت في عمل مثل ذلك. وشهدت مؤشراتها الاقتصادية وهي تتراجع ومحنة شبابها وهي تتفاقم. وبالنسبة للكثير من الشباب الذين يتطلعون إلى مستقبل أفضل وفرصة أكبر، ثمة تذمر صاخب ومطالب عالية الصوت ببداية جديدة.

  • * *
    بينما يتهيأ لدخول العام 2020، يستطيع العالم العربي أن يتطلع قدُماً إلى عملية انتقالية تشهدها أجزاء كثيرة من المنطقة. وعندما تقاوم القوى القابضة على زمام السلطة هذا التغيير أو تحاول تأخير الإصلاح الحقيقي، يغلب أن تكون التحولات مضطربة. هكذا كان واقع الحال في العام 2011 في تونس ومصر، وكان واقع الحال أيضاً، في الآونة الأخيرة، في السودان والجزائر ولبنان والعراق.
    تنبع حركات الاحتجاج في الأساس من الداخل. وفي بعض الحالات حيث حاول العالم الخارجي التدخل، كما حدث في ليبيا، كانت النتائج كارثية. وفي بعض أجزاء العالم العربي التي شهدت تطبيق تدابير إصلاحية حقيقية، ساعد التغيير التدريجي على استباق الاضطرابات ومضى التقدم بخطى ثابتة.
    سوف يكون من التبسيط والتضليل معاً محاولة جمع كل مظاهر الاحتجاج في المنطقة في الفئة نفسها. ومع ذلك، ثمة مجموعة من العوامل المتشابهة التي يبدو أنها تفسر الاضطرابات الحالية والسابقة.
    مع استثناءات قليلة للغاية، تواجه الدول العربية طفرة في أجيالها الشابة، والتي لن تذهب في أي وقت قريب. وبينما استخدمت الدول الآسيوية، مثل كوريا الجنوبية، هذا الطور الديموغرافي لدفع النمو الاقتصادي، فإن العديد من الدول العربية التي تعاني من ضائقة مالية فشلت في عمل مثل ذلك. وشهدت مؤشراتها الاقتصادية وهي تتراجع ومحنة شبابها وهي تتفاقم. وبالنسبة للكثير من الشباب الذين يتطلعون إلى مستقبل أفضل وفرصة أكبر، ثمة تذمر صاخب ومطالب عالية الصوت ببداية جديدة.
    يقول عالم الاجتماع الجزائري ناصر جابي لوكالة فرانس برس: “الانتقال في الجزائر ليس مجرد تحول سياسي، إنه انتقال جيلي أيضاً”. ومع هذا النوع من الانتقال، كما يأمل الشباب، سوف تأتي رؤية مختلفة للمجتمع والحكومة، والتي تلبي تطلعاتهم بشكل أفضل.
    يقع تحسين الوضع الاجتماعي-الاقتصادي في صميم تلك الرؤية. وكما يُظهر استطلاع حديث أجرته شركة الاستطلاعات العالمية البريطانية، YouGov، ومنتدى الاستراتيجية العربي، و”أراب نيوز”، فإن القضايا الاقتصادية تقع بين المحفزات الرئيسية للمطالبات بالتغيير.
    في استجابتهم للاستطلاع، قال حوالي 61 في المائة من المستجيبين إنهم يأملون أن يسود الاقتصاد على الاعتبارات الأخرى في القرارات الحكومية. وتم اعتبار البطالة، وهي واحد من أبرز مخلفات سوء الإدارة الاقتصادية، “الشغل الشاغل” الأعلى بالنسبة لـ42 في المائة من المشاركين في الاستطلاع من العالم العربي.
    يتفاقم الإحباط من نقص فرص العمل والخدمات العامة الكافية والمناسبة مع سيادة انطباع بأن الحكومات مبتلاة بالفساد. وقال أكثر من النصف -57 في المائة- من المستجيبين العرب للاستطلاع أن الفساد “يمثل المشكلة الكبرى” في بلدانهم. وهذه الأرقام أعلى في شمال إفريقيا والأردن، حيث كانت مواضيع مكافحة الفساد من بين شعارات التعبئة الشعبية.
    وكان هذا واقع الحال بوضوح بالغ في كل من العراق ولبنان، حيث هزت الاحتجاجات البلدين في الآونة الأخيرة. وفي هذين البلدين، أعلن 65 في المائة و53 في المائة من المستجيبين، على التوالي، أن الفساد هو مصدر القلق والشاغل الأول لهم.
    مع ذلك، ثمة ريح من التفاؤل يمكن تحسسها في الهواء. وتتمثل رؤية المستقبل بالنسبة للأغلبية في المنطقة في قدوم حداثة معتدلة وتقدم اجتماعي ملموس. وبينما عبرت أغلبية ساحقة من المستجيبين العرب للاستطلاع عن ارتباطهم بجذورهم الدينية، فإن أغلبيات كبيرة منهم رفضت استغلال السياسيين للمعتقد الديني. ويتناقض هذا التطلع مع الرؤية العالمية التي تروج للإسلام السياسي ومتعلقاته في المنطقة.
    كما أن هذا الواقع يفسر الرفض المتصاعد للأنظمة السياسية، مثل تلك الحاكمة في العراق ولبنان، حيث ظلت قبضة النخب الحاكمة على السلطة مدفوعة في كثير من الأحيان بالامتيازات الطائفية. وقال نصف المستجيبين في العراق أن الأحزاب السياسية الدينية تمثل مشكلة كبيرة للبلد.
    وقال أكثر من 73 في المائة من المشاركين في الاستطلاع في العراق ولبنان إنهم يرفضون استخدام الدين لتحقيق ميزة سياسية، مقارنة بـ58 في المائة في المتوسط في جميع أنحاء العالم العربي. وفي كلا البلدين، قال 65 في المائة أو أكثر إنها ستكون هناك “حروب أقل في العالم إذا كان الدين والسياسة منفصلين”، وهو رقم أعلى بكثير من المعدل العربي البالغ 36 في المائة. ويكمن هذا المنظور وراء استياء العراقيين واللبنانيين من جميع الديانات من محاولات إيران تعزيز نفوذها في البلدين.
    وقالت أغلبيات تجاوزت نسبتها 60 في المائة إنهم يتوقعون أن يكون العالم العربي المستقبلي مكاناً تحقق فيه المساواة بين الجنسين تقدماً كبيراً. وقالت نسبة مماثلة إن النساء يجب يكنَّ أعضاء في الحكومة.
    وقال المستجيبون في الاستبيان العربي إنهم يرون مستقبلاً تتمتع فيه المرأة بحرية الاختيار، سواء كان ذلك في الزواج (77 في المائة)، أو نوعية الزي الذي ترتديه (52 في المائة).

*نشر هذا المقال الافتتاحي تحت عنوان: The Arab world in transition

الغد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.