سورية الموالاة: الجوع أو الأسد




د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

منذ تسعينيات القرن المنصرم، وفي كل ندوة للثلاثاء الاقتصادي، كان الدكتور عارف دليلة يعيد ويكرر: (إنّ مشكلة الاقتصاد السوري ليست اقتصادية بل سياسية بامتياز)، إنّها نتيجة لممارسات نظام الفساد والاستبداد التخريبية، الذي يمتصّ دماء الوطن والمواطن.

وبعد اندلاع الثورة، كان الموالون يشاهدون كيف يطبّق النظام شعار تسقط سورية ويبقى بشار الأسد، فقد كانوا شهوداً، بل شركاء في عملية التدمير المنهجي للوطن والمجتمع والمدن والاقتصاد، وعلى مدى تسع سنوات، فكيف يمكن لأي عاقل ألّا يستنتج ما يحصل اليوم من فاقة وجوع بعد أن شاهد كل ذلك.

النظام يدّعي أنّ الأزمة الحالية سببها العقوبات التي لم تطبق بعد، فما سبق من عقوبات كانت على أشخاص من النظام هم من ينهبون الشعب، وما سيطبق من عقوبات جديدة هي أيضاً على جهات داعمة للنظام وليست جهات منتجة تؤمن حاجات الناس، لكن جشع أزلام النظام وحلفائهم المافيويين، والدول التي أجّرت جيوشها لقتل الشعب السوري، هي المسؤولة الوحيدة عن تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعاشية، عندما لم يتبقَ شيء يمكن تعفيشه أو بيعه من سورية، فبدأت الكلاب النهمة تعضّ بعضها، وسرّعت حصول الانهيار.

ليس قانون قيصر من يرفع الدولار، بل سحب العملة الأجنبية لتهريب الثروات الذي يقوم بها فاسدو النظام بعد أن أدركوا نهاية النظام الوشيكة، لا، ليست العقوبات كما يدّعون، وكما تتوهم الغالبية، من مؤيدين أو معارضين، إنّهم رجال السلطة أنفسهم عندما قرروا جمع العملات الصعبة لتهريبها، أو لدفع بعض الديون للجهات الداعمة، والتي تسببت بخلافات داخلية حامية الوطيس فيما بينهم.

سورية تستطيع العيش بكرامة حتى لو أغلقت حدودها لسنوات، سورية مكتفية ذاتياً، ومتنوعة الإنتاج، وفيها من الزراعة ما يكفي حاجاتها كلها لو لم تتعرّض للتخريب والنهب، عاشت المدن المحاصرة على القليل من الزراعة، وتدبرت أمرها من دون خدمات ولا كهرباء ولا حتى وقود تحت قصف البراميل، سورية ليست فقيرة، وليست معتمدة على التبادل الخارجي، فالعقوبات ليست سبب المجاعة، بل النظام السياسي الحاكم الذي يدمر ويسرق كل شيء، ويجلب كل الكلاب النهمة لتنهش من جسد الوطن خدمة لبقائه في السلطة. تضاءل عدد السكان للنصف، فصارت نسبة الشبيحة تفوق عدد من يقومون بالتشبيح عليهم، فاستعر التشبيح على التشبيح، وهكذا وصل الحال للبيئة الموالية التي سكتت تسع سنوات، وصارت هي من تنتفض ضد النظام اليوم، ولا نقول لها إلا أهلاً وسهلاً.
عندما كانت المدن تثور، كان النظام يطبق عليها سياسة الجوع أو الركوع، ففضلت الناس الهجرة، وهكذا بنى بشار المجتمع المنسجم الذي أراد، وسورية المفيدة التي أرادها، وها هي تنتفض عليه اليوم لأنّه غير مفيد لها أيضاً، فالمشكلة ليست في سورية، المشكلة في الأسد الذي اعتبرها مزرعته، المشكلة أنّها غير قادرة على تحمل النزيف الذي يحدثه فيها.

بسبب ارتباط النظام بالوجود الإيراني الذي يحتلّ سورية ويسيطر عليها، تحرّك الغرب حماية لمصالح إسرائيل لإخراج ايران، لكن النظام رفض فك الارتباط بها، وربط مصيره بوجودها، فطبق الغرب إستراتيجيته الجديدة، الجوع أو إيران، لكي يفهمها الشعب وينتفض عليها بدوافع غريزية، فلو عزل الموالون والمؤيدون بشار وفكوا ارتباطهم بإيران لن يكون هناك عقوبات، لكن لا يجب أن يتوقعوا أن يحلّ الغرب مشاكلهم مع بقية السوريين ولا حتى مشكلة الاقتصاد المتهاوي، لذلك عليهم البحث عن حل بأنفسهم، وهو ما رفضه الأسد مراراً وتكراراً، أقصد التغيير الديموقراطي.

نعم لم تنتصر الثورة على النظام عسكرياً، لكنها انتصرت بطريقة ثانية، بالهجرة ورفض الخنوع، وأجبرت الموالاة على الانتفاض ضد الأسد، الذي دعموه وناصروه، كشرط لا بد منه للبقاء، العقوبات ستكون صارمة وبلا رحمة، لأن أي مساعدات ستدخل سيستولي عليها النظام ويتغذّى بها، ويحرم الشعب منها، لن يكون هناك تساهل لأسباب إنسانيّة، فالوقود سيبيعه للبنان وغيرها، وكذلك الغذاء والدواء، لذلك كل تلك المواد ستعتبر أيضاً دعماً للنظام السياسي وتحظر، فكم أنتم قادرون على التحمل؟

سورية، باختصار، ذاهبة لمجاعة وفوضى نهب وسلب وصراعات بين الشبيحة والعصابات، فلا حلّ ولا مخرج أمام الموالاة والصامتين سوى خلع الأسد، كبوابة وحيدة للتغيير في سورية، وهو ما اشترطته المعارضة الوطنية منذ البداية ولم تحيد عنه، بالرغم من الخونة الذين تنطحوا لقياداتها بمساعدة الأجنبي.

إذا كانت سورية الأسد، فلن يكون فيها غير الحرب والجوع، الحقيقة التي فرضتها الثورة التي هدفت لإسقاط الأسد هي أنّ سورية لن تعيش ببقائه في السلطة، اليوم عليكم أن تختاروا بين الحرب والجوع ، أو الأسد وإيران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.