هل سينهي قانون قيصر النظام وسورية معاً؟




د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

من شبه الحتمي أن تكون عقوبات قيصر قاتلة للنظام السوري، بسبب وضع النظام الحالي المتداعي أصلاً بعد ما فعله بسورية، فالمزيد من العقوبات عليه وعلى داعميه ستكون ضربة قاسمة لهذا النظام، لكن قتلها للنظام يمر عبر موت سورية أيضاً، إذا لم يترافق بجهد ديبلوماسي، وربما عسكري، يسرّع إسقاط النظام قبل موت الدولة وتفككها.

إصرار الإدارة الأمريكية على تطبيق العقوبات الخانقة يحظى بدعم وتأييد كل من تضرّر من هذا النظام، فنصره العسكري الذي حققه بمساعدة دول عظمى، سيتحوّل لهزيمة اقتصادية بفعل العقوبات، والحاضنة الاجتماعية التي دافعت عن النظام لسنوات ولم تحركها المشاعر الوطنية والإنسانيّة، وتغاضت عن الجرائم المروّعة التي طالت أغلب الشعب، لا بد أن تحرّكها غريزة البقاء وألم الجوع، فلم تترك الظروف طريقة أخرى لدفعهم للتخلّي عن هذا النظام المجرم سوى التهديد الحيوي وتحريك المشاعر الغريزية فيهم، لكن حركتهم لا يرجّح أن تتحلى بالوعي والنضج، بل ستكون أشبه باندفاع بهيمي نحو التوحش، حيث سيسود النهب والجريمة التي تقوم بها عصابات الشبيحة الجائعة، ولن تتوجّه للنظام الذي يجيد الدفاع عن نفسه بالاستعانة بعصابات وميليشيات أجنبية، في بؤر أمنية محددة. وهكذا، قد يصبح موت سورية هو النتيجة الفعلية لقانون قيصر، وربما يكون هو الهدف الخفي من وراء تطبيقه بهذه الطريقة.

فالعارف بالشأن السوري وبوضع النظام، وبحسب ما يقوله لنا مقرّبون منه، أنّ رحيل بشار لا يتطلّب كل هذه اللفة الطويلة، هناك طرق أخرى لم تستخدم، أقلّها، اتصال هاتفي من جهات معينة تأمره بالرحيل، وهي قد تعمدت تطمينه سرّاً طول المرحلة السابقة، ثانيها عمليات استخباراتية نوعية تطال رموز وأركان نظامه، وأوضحها عمل يطاله شخصياً، طبعاً هناك ما يكفي لتبرير مثل ذلك الفعل، لكن التحجّج بعدم وجود قانون دولي هو مجرد ذريعة، بعد إدانته بالكيماوي وبجرائم الحرب طالت مليون إنسان، ومع ذلك فإنّ هذه السلبية وهذا الامتناع الغربي عن ممارسة ضغوط معينة تطال رأس النظام، وتردع داعميه، يخفي خلفه ما يخفي من نوايا، ربما تشرحها رغبة في موت سورية، وتقسيمها لمناطق نفوذ لفترة زمنية طويلة، فالدول المتدخلة تستطيع تحقيق مصالحها أكثر وأسهل بواسطة تقاسم النفوذ، وهكذا تحتفظ روسيا بالساحل وتقلص وجودها له، وتحتفظ أمريكا بالمنطقة شرق الفرات تحت العلم الكردي، وتحتفظ تركيا بالشمال، بينما يبقى الوسط والجنوب ساحة صراع ومواجهة بين إسرائيل وبين إيران، مع تدخل من بعض الدول العربية، عندها قد ترى إسرائيل ضرورة لاجتياح الجنوب لفرض إبعاد إيران عنها مسافة ١٠٠ كم، كما اتفقت مع الروس، وقد تكون حماية دروز سورية ذريعة إضافيّة بالنظر للضغط الكبير الذي تستطيع الطائفة تشكيله على حكومتها.

ما لا نستطيع الجزم به هو النوايا، ولكن هذا الاحتمال يبقى قائماً طالما أنّ التفاهم الروسي والأمريكي بقي حبراً على ورق في موضوع إزاحة الأسد وتشكيل مجلس حكم يسعى نحو حلّ سياسي، خلال مهلة الشهرين التي حددوها.

فقط إذا تحرّكت روسيا وباشرت عملية التغيير من الداخل، أو وجّهت إسرائيل ضربات موجعة للجناح الإيراني في النظام، أقصد ماهر وبشار والفرقة الرابعة والأمن العسكري، فقط هذه الإجراءات يمكنها أن تقنعنا بما يقوله قرار ٢٢٥٤، وما يصرّحون به عن وحدة سورية وسيادتها، وتحقيق تطلعات شعبها.

هناك عامل قد يكون مفيداً في ترجيح كفّة هذا المسار، وهو تحرك الحاضنة الموالية ضد نظام بشار، وشيوع خطاب وطني جامع يقفز فوق الحدث لرسم مصير سورية من دون الأسد وزمرته. فالدول متعبة وتختار عادة الحلّ الأرخص، ولذلك قد تقبل بالسير في هذا المسار إذا اقتنعت أنّ معظم مصالحها يمكن أن تتحقّق من خلاله، فالعامل المرجّح لهذا المسار، والعامل الحاسم لبقاء سورية وعدم موتها، يتقرّر بيد الشعب السوري، ويتطلّب تحرّك الحاضنة الصامتة ضدّ النظام والاحتلال الإيراني، مثلما فعلت السويداء، وهذا يسجل لها، وتبنّي المعارضة لخطاب أكثر مرونة مع الموالاة، بشرط عدم القبول بالأسد وإيران، واحترام مبدأ العدالة الانتقالية، لكن الحدث الذي لا يتماشى مع هذا المسار، هو ما طالب به الكرد مؤخراً حيث رفعوا السقف بشكل يقطع الطريق أمام التوصل لخطاب وطني جامع، متغطين بالدعم الأمريكي والأوروبي الصريح، وهو ما يثير الريبة مجدداً في نوايا هذه الدول، ويجعلنا نشدد المناشدة للتحرّك الوطني لإنقاذ سورية وعدم تركها تموت مع موت الأسد، الذي طالما قال إنّها سورية الأسد (الأسد أو نحرق البلد)، ربما هذا هو أيضاً شعار الدول النافذة التي لا تضمر الخير للشعب السوري. 



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.