مدلولات توقيع الاتفاق الإستراتيجي بين إيران ونظام الأسد


د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

لا يخفى أنّ سورية تحت الهيمنة بل الاحتلال الإيراني، وأنّ كلا نظاميهما حليفان متلاصقان، ومن دون شرعية، متموضعان تحت العقوبات المختلفة، ومطلوبان للعدالة الدولية، ومتهمان بارتكاب جرائم حرب ضدّ الإنسانيّة، وأنّهما يقاتلان كتفاً لكتف ضد شعوبهما ودول المنطقة، وضد المجتمع الدولي، فلماذا توقيع ذلك الاتفاق بينهما الآن، وما مدلوله؟ 

منذ فترة كتب نائب رئيس مجلس الشعب، وتبعه بهجت سليمان، مقالاً يهدّد فيه روسيا، من أنّ بشار سينتفض في وجهها، ومعلوم أنّ مثل تلك المقالات لا يمكن أن تصدر من دون موافقة الأسد شخصياً، بل هي بتوجيه منه، ومع أنّها بدت مضحكة يومها، لكنها على ما يبدو كانت جدية، واليوم ها هو بشار، ينفذ توعده الهزلي، ويرد على العالم برسالة تحدٍّ كعادته وعادة محور المقاومة، يرافقه حسن نصر الله بخطاب استفزازي، فالموضوع هو إذن رسالة تحدٍّ تقول: إذا كنتم تريدون الضغط علينا لإخراج إيران من سورية ولبنان، أو تساومون الروس على ضرب محور المقاومة، وإذا كنتم تظنون أن العقوبات الاقتصادية ستغير موقفنا الصامد، فنحن نتحداكم، ها نحن نوقع على وحدتنا وترابطنا المصيري، ونطلق يد إيران رسمياً، كحليف عسكري إستراتيجي، له حق استعمال مرافقنا الدفاعية وأرضنا وقدراتنا، وجاهزون لخوض الحرب معكم، فماذا أنتم فاعلون؟

سابقاً، لم تكتفِ أمريكا بالحصار والعقوبات والمحاكمات وتصفية قائد فيلق القدس قاسم سليماني، بل أعطت مؤخراً الضوء الأخضر لإسرائيل في ضرب المنشآت الاستراتيجية العسكرية الإيرانية داخل ايران ذاتها، ومتابعة مسلسل الاغتيالات لأتباع إيران في سورية، فإيران التي سكتت، حتى الآن، ولم تردّ، وأظهرت ضعفاً غير متوقع، لم تعد تستطيع، كما النظام الأسدي، الوقوف مكتوفة الأيدي بانتظار سقوطهما معاً، تحت تأثير الحصار والجراحة التنظيرية التي تقوم بها إسرائيل. 

فالمخفي ضمن تلك الرسالة، هو نفاذ صبر إيران، معبرة عنه بإظهار استعدادها للدخول في مواجهة عسكرية واسعة في المنطقة ضد إسرائيل، كطريقة وحيدة تتجنب بها السقوط الذي بات حتمياً من دونها، مستبقة تأثير العقوبات عليها، ومستغلة كورونا وانشغال الغرب، وتراجع شهية أمريكا للحرب في المنطقة، ودخولها مرحلة الانتخابات، وكذلك معتمدة بشكل أساسي على جبن إسرائيل، وعدم قدرتها على تحمل الخسائر البشرية والتكلفة الاقتصادية لتلك الحرب، آملة في أن يؤدّي تهديدها لتخفيف الضغوط عليها، أو الدخول في بزار جديد يطول ويطول على تقاسم المصالح في المنطقة.

هنا لا بد من فهم الموقف الروسي الذي يبدو، أيضاً، معنياً بهذا التهديد ظاهرياً على الأقل، كونه قد توافق علناً مع أمريكا وإسرائيل على عدم الدفاع عن الوجود الإيراني، ولا برنامجها التسلحي، وخروج كافة الجيوش ما عدا جيشه، كما صرّح مسؤول أمريكي، مذكراً له بتعهده، وقدم التسهيلات للطيران الإسرائيلي للقيام بعمليات في المناطق التي تحرسها دفاعاته الجوية، فهل هو، أيضاً، مستهدف بالتهديد والتحدي الأسدي، أم هو موافق ضمناً على استخدام ذلك السلاح؟ وهو الوصول لحافة الحرب، مراهناً على عدم حصولها، وتراجع الغرب في اللحظة الأخيرة، وهذا أيضاً متوقع ومنطقي. 

المرجّح في هذا الوضع، أن تصعد إسرائيل وتسرّع من عمليات تفكيك وزعزعة استقرار النظام السوري والإيراني من دون توقّع إحراجها مع روسيا، التي يفترض بها التعبير عن قبولها معاقبة من يتحدّاها، أي أنّ توقيع هذه الاتفاقية سيطلق يد الإسرائيلي أكثر فأكثر للمضي بعيداً في العمل الجراحي الذي تقوم به، هنا سيصبح الرد الإيراني، نوعه وحجمه، هو من سيقرّر ذهاب المنطقة للحرب فعلاً أو يكشف مدى هزالة قدراتها، وهذا أيضاً متوقع ومنطقي، فما عرفناه عن إيران أنّها قوية فقط في نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار وتستخدم الميليشيات في حربها ضد الشعوب، لكنها غير قادرة على خوض أي حرب نظامية مع دول ذات تسلح وقدرات نوعية. 
ما يعنينا أنّ الروسي الذي كان قابلاً للصفقة مع الغرب، التي تقول بإخراج إيران مقابل الإبقاء على نظام الأسد، لم يعد قادراً على تنفيذها، لأنّ هذا التوقيع يعني أنّ الإبقاء على بشار أصبح يعني الإبقاء على إيران أيضاً، وتحول لمجرد متفرّج على الكباش بين إسرائيل وإيران، وسط جبن وتخاذل عربي عن مواجهتها، وعدم حماس أمريكي لنصرتهم من دون ثمن مادي كبير.

اليوم إما أن ينجح التهديد الإيراني وتتراجع إسرائيل، ويستمر الأسد، كصبي لإيران، يحدد لروسيا حصتها، وهو الذي فهم مسبقاً أنّ تخلّيه عن ايران هو تخلٍّ عن الكرسي، بينما تضحك روسيا في عبّها وتلعب على التناقضات، وإما أن تستمر إسرائيل في عملها، وهنا سنشهد احتكاكات خشنة لا ندري لأي مستوى تصل، لكن ندرك أنّ إسرائيل إذا دخلت المواجهة فهي ستكسبها، لأنّ الخسارة تعني تهديدها وجودياً، والبدء بالعد التنازلي لعمرها الافتراضي.

إسرائيل، اليوم، أمام امتحان صعب، وتحدٍّ وجودي من نوع جديد، وهي، حتى الآن، ما تزال تستطيع الاعتماد على دعم حلفائها، لكنها قد لا تكون كذلك بعد هذه المعركة، فالتكلفة العالية للتدخل الغربي في المنطقة، سيكون حاجزاً أمام أي قرار غربي لاحق، فمعركة إسرائيل اليوم فاصلة وهي أيضاً معركة ستقرر استمرار النفوذ الغربي أو زواله من المنطقة، وهو ما تريده الصين، وتدعم من الخلف إيران وحلفائها، لكن ليس لإزالة إسرائيل بل لطرد الغرب.

هكذا تتوسع المساحة الإستراتيجية المشتركة بين مصالح الشعب السوري وثورته، ومصالح إسرائيل والغرب ودول عربية، على أساس العداء لإيران، وبنفس الوقت يزداد التناقض بين مصلحة الشعب اللبناني والسوري والعرب، عموماً، في آسيا وبين القضية الفلسطينية التي أصبحت من دون سند تقريباً، وهكذا تستطيع إسرائيل تعويض التكلفة العالية لهذا الصراع مع إيران بمكاسب على حساب فلسطين، عبر فرض تطبيق خطة القرن، لذلك أجّلت خططها للضم لما بعد الانتهاء من كسر شوكة محور المقاومة، إنّها السياسة، شبكة معقدة من المصالح، لا تسير متوازية أبداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.