سيناريو التصعيد بين إسرائيل وإيران




د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

يبدو أنّ الطريق قد أصبح مسدوداً أمام أي تهدئة جديدة بين إيران وإسرائيل يمكنها أن تؤجّل اندلاع الصراع، الذي أصبح حتميّاً بعد أن أعلنت إيران نيّتها في الحرب دفاعاً عن امتدادها نحو المتوسط، عبر توقيعها لتحالف عسكري إستراتيجي مع النظام السوري، ويبدو أيضاً أنّ أيّ فرصة للإبقاء على نظام الأسد (مقبولة من الغرب) قد تقوّضت أيضاً، لأنّها مبنيّة أساساً على فكرة تخلّي الأسد عن حليفه الإيراني، كما يبدو أنّ الروسي قد حيّد نفسه تماماً عن هذا المحور، وعن الصراع المحتمل القادم.  إسرائيل وإيران

هذه ثلاثة عوامل جوهرية من شأنها أن تفتح الباب أمام تطورات حاسمة في الوضع السائد في سورية، نأمل أن تكون الفصل الأخير في مأساة شعبها، التي ستنتهي على يد قوى خارجية، مع تحييد شبه تام لدور الشعب (الموالي والمعارض) بسبب حالة الاهتراء التي وصل إليها، وحتماً مع استبعاد كل دور حالي أو مستقبلي للمعارضة التي نأت بنفسها تماماً عن الفعل، واختارت سكن الفنادق وقبض الفرنكات.

فالنظام الذي تتعرّض القوات الإيرانية المتواجدة على أرضه للضربات الإسرائيلية المستمرة، يمتنع عن الرد بسبب تهديد إسرائيل باستهدافه، في حال فعل، كما تُفرض عليه عقوبات خانقة، ويتعرّض لضغوط كبيرة متنوعة من أجل فك ارتباطه بإيران، لكنه مع ذلك اختار التحدّي وأصرّ على توقيع الاتفاق مع إيران وربط مصيره بوجودها، بعد أن وصل لمرحلة متقدّمة من التفكك والانهيار.. هذا هو خيار اليائس الذي ينطبق أيضاً على إيران التي تتلقى الضربات الموجعة، حالياً، داخل حدودها وترزح تحت نير العقوبات، في حين ينزف النظام من ضباطه الموالين لإيران تباعاً، وفق مسلسل اغتيالات متصاعد، وهما (النظام وإيران) لا يستطيعان الردّ لأنّ أدواتهما القتالية، هي عملياً خارج المعركة بشكلها الحالي، لذلك هم يهدّدون بتغيير شكل المعركة، لمعركة جبهات، أي بفتح جبهات سورية ولبنان وغزة على إسرائيل في حرب واسعة وطويلة، مراهنين على أنّ إسرائيل لا تتحمل حرب طويلة على عدة جبهات، ولا تتحمل خسائر كبيرة في الأرواح، وتخشى من اضطرارها لوضع سكانها بالملاجئ بسبب تزايد انتشار كورونا، ومستغلين الانشغال الأمريكي بالانتخابات والاضطرابات الداخلية، فتوقيت الحرب هو في صالحهم كما يعتقدون، إيران التي تحكم بشار لم تعد تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي، مع استمرار العقوبات القاسية والضربات المركزة، وقد انتقلت الآن للتهديد بالحرب، لكن إسرائيل لن يلجمها ذلك التهديد بعد اختبارها لهزالة الوضع الإيراني، إثر تصفية سليماني، وصمتها على الضربات الإسرائيلية التي وصلت عاصمتها طهران. إسرائيل وإيران

هنا قد تلجأ إيران للتصدّي للطيران الإسرائيلي الذي يقصفها في سورية، لكن ذلك لن يكون مجدياً من دون نقل وحدات دفاع جوي إيرانية التشغيل لسورية، وهذا لن يكون سهلاً، أما الوحدات الروسية فهي معطلة بتوافق بين بوتين وناتنياهو، لذلك قد تفكر إيران بالردّ على الغارات بعمليات قصف من الأراضي السورية، كرسالة ساخنة تدعم تهديدها، وهو ما دفع بإسرائيل لإعلان حالة التأهب، عندها ستنفذ إسرائيل تهديدها المعلن وتستهدف المراكز القيادية للنظام مباشرة، وتندلع نار الحرب التي قد يمتد لهيبها إلى لبنان وغزة، وهو الاحتمال الذي أصبح مرجحاً، مع أنّ إسرائيل لا تفضل هذا السيناريو، وإيران ليست واثقة من قدرتها على كسب المعركة، لذلك هي حالياً تحلم بأن يكون مجرد التهديد كافياً للجم العمليات العسكرية الإسرائيلية، وهذا غير متوقع من إسرائيل التي ستتابع ضرباتها، بل توسعها كما حدث بالأمس، حيث استهدفت العديد من مواقع حزب الله على الحدود بين لبنان وسورية، فهي محاصرة أيضاً بالوقت وزمن بقاء ترامب، الذي لو فشل في التجديد فسوف يصعب عليها كثيراً ضمان الدعم الأمريكي، بوجود الديموقراطيين في السلطة، بعد أن أصبحت ميولهم لمهادنة إيران. إسرائيل وإيران

ونظراً لأنّّه من غير الممكن للعقوبات والضربات وحدها أن تنهي الحرب، وتخرج ايران من سورية من دون حصول ثورة في طهران يدعمها الجيش الإيراني المتمايز عن الحرس الثوري، لذلك لا بد إسرائيلياً من رفع سوية الاستهداف لتصيب مفاصل النظام السوري وقيادات، حتى قبل أن يردّ (طالما أعلن نيته ذلك)، فعملٌ في هذا المستوى سيخلط الأوراق ويجبر الروسي على إعادة ترميم النظام، لكن هذه المرة من دون النفوذ الإيراني، الذي سيحاول، أيضاً، الاستيلاء على السلطة مجدداً، هنا سينشأ تنافس تناحري بين الروسي والإيراني، وهذا يخدم هدف الضربات وأهداف ضاربيها، لذلك نعتقد أنّ هذا السيناريو التصعيدي من قبل إسرائيل هو المرجّح، وفي حال حصوله قد يربك الإيراني ويفشل خططه لفتح جبهات واسعة. فالمطلوب لتفادي اندلاع حرب واسعة، هو هجوم استباقي يخلط الأوراق ويزعزع النظام السوري، باعتباره حلقة تصل إيران بجبهاتها مع إسرائيل، وهذا هو سبب تركيز إسرائيل على إخراج إيران من سورية.

إذاً، نحن أمام سيناريو تصادمي تصعيدي بين إسرائيل وإيران، وحده يمكنه أن يحدّد مصير نظام سورية الذي عجزت ثورة الشعب عن إسقاطه بالرغم من دفعها أغلى الأثمان، أما بقية اللاعبين فهم يلعبون بالتفاصيل الصغيرة التي لا تحسم الصراع، كتركيا، والبقية هم تقريباً متفرجون على مدرجات الملعب، انضم إليهم الروسي مؤخراً، بعد أن خرج من المضمار، لأنّه لا يريد الدفاع عن إيران والصراع مع الولايات المتحدة، ولا الصراع مع إيران خدمة للولايات المتحدة من دون ثمن مجزٍ، لذلك الأمريكي يرفض أي مفاوضات مع الروسي حالياً، و قد سبقت الجميع للجلوس على المدرجات الدول العربية المنكفئة على همومها الداخلية والاقتصادية وخلافاتها، وتركت الملعب السوري للدول الأخرى. هذا السيناريو التصادمي بين المشروع الإيراني والإسرائيلي، تصورته بداية عام 2014، وبنيت عليه كاحتمال أخير، بعد ميلان كفة القتال لصالح النظام، وتخلّي أمريكا والدول العربية عن مطلب تغيير النظام في بيان فيينا، يومها لم يفلح الكثيرون في تفهم رهاني هذا، ولا توسيع مدى استشرافهم للمستقبل البعيد، لأنّهم يعيشون في الشعارات ويعتبرون ذلك فعل سياسي، فما راهنت عليه يحدث اليوم، كنت قد حذّرت إسرائيل من السماح بانتصار النظام على المعارضة السورية وتسليمه دمشق والجنوب، ومن الاعتماد على الروسي، لأنهم سيضطرون في النهاية للتورّط بحرب يخوضونها بجنودهم منفردين، وهم اليوم يدركون صحة ما حذّرتهم منه، وآمل أن يدرك السوريون صحة ما راهنت عليه، فلولا إسرائيل كلاعب هام في المنطقة، لكان الإيراني والروسي وحليفهم الأسد ينامون مرتاحين على الأرض السورية بعد طرد شعبها منها.

الروسي اليوم يشعر بالإحباط بعد تلك النشوة التي حققها بانتصاره العسكري على الفصائل الإسلامية، وتسلّمه المناطق تباعاً بواسطة اتفاقيات سوتشي، التي أبرمتها المعارضة (التركية الهوى)، ولم تعترض عليها الولايات المتحدة كونها لا تريد هذه الفصائل ولا تقبل بها بديلاً عن النظام، بل كانت تتفرّج مسرورة وتراقب تقلّص نفوذها حتى انحصر في مربع ضيق، والروسي اليوم قد عبر عن هزالة موقفه عندما استنجد بشخصيات سورية تقيم في الدوحة ودبي  لتفعيل المسار السياسي الذي ولد ميتاً، والذي كان قد صممه هو لكي يفشل، ولكي يغطي به مرحلة الحسم العسكري، وصدقته المعارضة الباحثة عن الكراسي التي يستنجد بها الآن. فالموضوع اليوم ليس موضوع (النظام والشعب)، بل النظام وايران وتواجدها الذي ترسخ بعد الاتفاق الأخير، وقضية الشعب غير مطروحة، وهو أيضا يقف متفرجاً، فلو وافق الشعب السوري كله على الحل السياسي الروسي الذي يسوّق له أتباع روسيا بهمة ونشاط، فلن يتغير شيء، طالما لم تحل مسألة وجود إيران، وليس هناك أي دور ممكن لنظام بشار ولا معارضته الوكيلة للدول في تحديد مستقبل سورية، فالجميع يسقطون معاً، وهناك مرحلة جديدة ستبدأ. إسرائيل وإيران

هكذا بعدما انبرى محور المقاومة، قتلاً وحرقاً، بالمدن والشعب السوري، جاء دور إسرائيل لتفشل نتائج انتصاره الهمجي السياسية، وتجبر روسيا المحتلة على تحمل مسؤوليات إعادة انتاج نظام ما في سورية لحماية مصالحها، وحفظ كيان الدولة السورية كي لا تخرج بخفي حنين، بعد تدخلها فيها منذ خمس سنوات.. وأمريكا وإسرائيل قد فوضتاها بذلك، مقابل تحييدها عن صراعهم من أجل إخراج إيران من سورية، التي لن تخرج إلا مع سقوط نظام بشار، الذي قد يترافق مع تفكك سورية إذا لم يحصل توافق دولي على إعادة بنائها. هنا يأتي دور الشعب الذي سينزل للميدان محاولاً منع تجديد نظم الاستبداد والفساد والإجرام، والذي سيستبعد بكل تأكيد بعد هذا الدرس القاسي كل من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء، ومن تلوّثت لحاهم بزفر الفساد والنهب، ووصم شرفهم بعار الخيانة.

هكذا هي السياسة، ليست شعارات وإيمانيات، بل مصالح وأدوار متغيرة، فليس كل من يساعدك صديقك، أما عدوّك فقد تجده يوماً في خندق واحد معك بينما تقاتل عدواً آخر، لكن ذلك لا يجعل منه صديقك الدائم، فالسياسة شبكة معقدة من المصالح والأدوار تتغير وتدور، فسبحان مغير الأحوال.. من تخيّل أن تتحرر سورية باقتتال أعدائها فيما بينهم، بعد أن حضّرت قيادات المعارضة نفسها للاستسلام والانبطاح للنظام؟. إنّها عدالة القدر تتحقق بهذا القوم أو بغيره. 



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.