من ينتصر في الشرق الأوسط.. إسرائيل ومحور السلام أم إيران ومحور المقاومة؟




د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

لا شك بأنّ الأشهر القليلة القادمة ستكون حاسمة في تقرير نتيجة التصادم بين المشروعين، الإسرائيلي والإيراني، ولا شك أيضا بأنّ إيران ومحورها المقاوم سائر لتحقيق نصر في المدى الإستراتيجي القريب، في حال لم تشنّ إسرائيل حرباً تسقط، على الأقل، النظام في سورية، وتقطع تواصل إيران البري بسواحل المتوسط، وتلحق الضرر ببرامجها العسكرية والجيوسياسية، بشكل فعال. الشرق الأوسط

أصبح من الواضح أنّ العقوبات والحصار والضربات العسكرية الجوية الانتقائية، غير كافية لتحقيق نتائج سياسية كبيرة، فالمشروع الإيراني يستطيع التحمل والمتابعة، وإيران تعزّز من تواجدها وسيطرتها على سورية والعراق ولبنان، وتستمر بسياسة عدم الرد، بالرغم من خطاباتها وتهديداتها، فحتى عملية قتل سليماني واستهداف مراكز حساسة في قلب إيران، وفي طهران، لم تكن كافية لاستثارة ردود فعل إيرانية، تدفع المنطقة للحرب، إيران تنتظر تمرير بقية فترة ترامب، لكي تعيد التفاوض مع الغرب وتشرعن وجودها وامتدادها في المنطقة، مقابل التخلي عن برامجها النووية التي استخدمتها كفزاعة حققت أهدافها، فما ستحصل عليه بنتيجة الاتفاق هو ذات ما كانت تسعى إليه عبر البرنامج، وهو ردع أي رد فعل غربي على تمد؟د إيران. الشرق الأوسط

لذلك إيران تظهر كأيّ أرنب يستعدّ للحرب، فلا نسمع سوى تصريحات نصر الله وتوعده برد مزلزل، أما إسرائيل فقد دأبت، في الفترة الأخيرة، على الاتصال بعناصره قبل استهدافهم، كي لا يشعر حسن بالحرج ويضطر للرد، فهي تريد عدم إشعال حرب واسعة، مع الاستمرار في تقويض مشاريع إيران الإستراتيجية، مركزة على سورية.

لكن إخراج إيران يتطلب إسقاط النظام السوري، الذي ربط مصيره بوجودها، وهي استعمرته تماماً، وسيطرت على كل مفاصل الدولة وهيئات السلطة فيه، وهذا يتطلب تغييراً في نوعية الأهداف التي يضربها الطيران الإسرائيلي، من أهداف ذات قيمة عسكرية، لأهداف ذات قيمة سياسية، لكي تخلط الأوراق وتزعزع الأرض تحت التواجد الايراني في سورية.

من دون ذلك التغير، فإنّ إيران تستطيع تحمل الضربات والمناورة على الوقت، بانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية، حيث يتوقع فوز الديموقراطيين، إذا لم تحصل تغيرات مفاجئة، وبالتالي العودة للوثيقة الإستراتيجية التي تبنّاها أوباما، وهي السماح للنفوذ الإيراني الشيعي بالوصول للمتوسط، المبنية على فكرة أنّ دولة إيران بهذا الحجم تقسم العالم السني وتعزله عن بعضه (شمال أفريقيا، الخليج، تركيا، باكستان)، وهي رؤية تعتمد على حتمية العداء وتجذّره بين السنة والشيعة، ولا تدرك التحوّل الكبير في الإسلام السياسي الحديث الذي ابتدعه حسن البنا، حيث يستخدم الدين كوسيلة للوصول للسلطة، وليس العكس، أي أنّ الإسلام السياسي (السني أو الشيعي)، هو موحد براغماتياً بالرغم من الخلافات المذهبية، وهو ما يظهر واضحاً على تحالف حماس وحزب الله، وإيران وتركيا.

ترامب تجاهل البيروقراطية الأمريكية ودراساتها وأوراقها، وارتجل سياسته من تفاعله المباشر مع الحدث، وخرج عن الأطر التقليدية، لكن وجود شخص آخر قليل الخبرة والجرأة، كبايدن، مكانه سوف يعيد الأمور للبيروقراطية، التي ستستمر في اعتماد دراسات لا تدرك عمق وتعقيدات القضايا في الشرق الأوسط.

تخاذل إسرائيل عن تطوير الهجوم في سورية، وتحقيق انتقال سياسي، وقيام سلطة تسعى لإخراج إيران، والقدرة على التحمل والصبر عند ايران، سوف يمرّر الأشهر القادمة، وبعدها سيفرض الهدوء الذي يثبت الوضع الراهن، وهكذا ينتصر المشروع الإيراني وعموم الإسلام السياسي في المنطقة.

لكن أفق ذلك النصر الإستراتيجي قصير إلى متوسط المدى، لأنّه يقف على أرضية قيميّة واجتماعية تتغير بسرعة، فعلى مدى زمني أوسع فإنّ مجمل النظم الثقافية والاجتماعية والسياسية عرضة لتغيّر جذري مع تطوّر أجيال جديدة تعيش نمط حياة مختلف وتحمل منظومات قيم مختلفة جداً معولمة، سرعان ما ستطيح بالنظام التقليدي الذي يتبنّاه الإسلام السياسي، وبالتالي تسقط هذا المشروع بتآكله من الداخل، وتخرج المنطقة نحو مرحلة جديدة، بفعل التغيرات التحتية في أنماط الاستهلاك والإنتاج والاجتماع والثقافة ومن ثم السياسة.

في أيّ طريق ستسلك الحرية والديموقراطية في المنطقة، وفي سورية؟ عودتنا الحضارة أنّها لا تحدث في قفزات، يبدو أنه لابدّ لكي تنتصر من فعل يقوم به الشعب الإيراني والشعب التركي، كغيرهم من الشعوب. 



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.