التطبيع بين الإمارات وإسرائيل



د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

لم يكن الإعلان عن اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل سوى إعلان عما هو قائم فعلاً، فالإمارات ليست في حالة حرب مع دولة بعيدة عنها، والتعاون الإقليمي والعلاقات الأمنية قائمة بين كل الدول العربية وبين إسرائيل، بما في ذلك دول المقاطعة والمزاودة، وحالة اللاحرب واللاسلم لا تضرّ بإسرائيل. التطبيع 

فإسرائيل ليست بحاجة لأن تطلب من هذه الدولة أو تلك مباشرة، فلديها من الحلفاء الأقوياء من يطلب ما تريده إسرائيل من الدول العربية التي تخضع لهم وتسألهم الحماية، فالموضوع هو بحدّ ذاته تطبيع لما هو شاذ (تعاون تحت الطاولة وعداء شكلي فوقها) إذن خطوة الإمارات كانت خروجاً من صف المزاودة والضحك على الشعوب، لصف المصارحة والوضوح، وهذا بحدّ ذاته يصبّ في رصيد العلاقة الجيدة بين حكام الإمارات وشعبها والثقة المتبادلة بينهما. التطبيع 

لم يكن التوقيت عن هذا الإعلان متوافقاً مع مصالح نتانياهو الضيقة، أو حتى ترامب الانتخابية، لكنه جاء في وقت حرج، وقد يكون مصيرياً على دولة الإمارات، التي تستشعر الخطر من اندلاع حرب إقليمية تكون هي ضحيتها الأولى، تقع بين إسرائيل ومعها الناتو وبين طهران، لذلك حسمت الإمارات أمرها بسرعة وحزم لحماية وجودها وأمنها وضمان وقوف حلفاء أقوياء يدافعون عنها ، كي لا يكون مصيرها كالكويت عام ١٩٩٠. فأيّ توتر في المنطقة والخليج لا تستطيع دولة صغيرة كالإمارات تحمله، وبالتالي فإنّ مصلحتها القومية تتطلب خطوة جريئة يقوم بها حكامها لحماية شعبهم ودولتهم، حتى لو تعرضوا لمزاودات المزاودين.

بالمقارنة مع قطر، فإنّ قطر قد سبقتها لتحسين العلاقة مع إسرائيل، سراً وعلناً، لكنها وضعت قدمها الثانية في إيران ومحور الممانعة، وبذلك تظن أنّها قد نأت بنفسها عن الصراع، دون أن تدرك أنّ تحرك كلا المركزين المتناقضين الذين تضع أقدامها فيهما، قد يودي بها وجودياً ويسقطها، حيث لا يستطيع أردوغان الذي يفعل مثلها إنقاذها عندما يكون هو الآخر في مهب الرياح والعاصفة، وعليه أن يختار موقعه بسرعة عند نشوب الحرب، وهكذا يبدو لي بالعكس أنّ مصير حكام قطر وتركيا هو في مهب الريح ومعرّض للخطر، وليس من يحسم خياراته ويختار أصدقاءه وحلفاءه بوضوح، ومن دون تدليس، وأنّ خيار السلام مع إسرائيل لا يضرّ بقضية الشعب السوري، ذلك الضرر الذي يحدثه من يضع قدمه الثانية في طهران، التي تحتلّ سورية وتقتل شعبها.

طبعاً من مصلحة حكام البحرين وعمان والمملكة العربية السعودية والكويت أن يفعلوا ذلك، خاصة وأنّ مؤشرات حصول مواجهة ترتفع وبحدّة، ولا أعتقد أنّهم سيتأخرون عن فعل ذلك، لأنّ البديل عنه هو أن تستغلّ إيران حالة التردد والخوف الغربي من الحرب، وتقدّم عروضاً مغرية للتطبيع مع الغرب وإسرائيل، يؤدي في النتيجة لتقويض أربع دول عربية في شرق المتوسط على الأقل، وهذا هو مشروع أوروبا التي لا تخفي دعمها للتصالح مع ايران، ويأسها من سلوك الدول العربية وتركيا، والتي تتوقع دوراً مهماً للشعب الإيراني وتراهن عليه، لذلك تعتبر أنّ الحرب مع ايران لن تكون نتيجتها إلا تقوية تركيا العثمانية. التطبيع 

إنّ انقاذ الوجود العربي شرق المتوسط، يرتبط بتحسين علاقة العرب مع أمريكا وإسرائيل، والغرب عموماً، وتشجيع أوروبا على التخلي عن التحالف مع إيران، وهذا يحتاج لخطوات سياسية جريئة وسياسات إصلاحيّة واسعة، ونظرة جيو إستراتيجية أوسع من كرسي السلطة.

وهو إن ظهر على نقيض المصالح الفلسطينية، فإنّه في الواقع يصبّ في صالح كل الدول العربية المتبقية، بل إنّه يخدم على المدى البعيد في حلّ قضية الشعب الفلسطيني التي تتعرّض للخسارة الدائمة بمقدار تبنّي خيار الحرب، وبالتالي يصبح تبنّي خيار السلام وسيلة لوقف هذا النزيف، تسمح باستعمال عناصر وأوراق مختلفة ناعمة في التنافس بين اليهود والفلسطينيين.

لذلك نقول، إنّ إسقاط نظام الملالي بتحالف عربي مع الغرب، سيؤدي لاستقرار وسلام، ويسمح للمنطقة بالانتقال لمرحلة جديدة، لن يكون فيه الفلسطينيون خاسرين.. في السياسة لا يوجد حق وباطل، كره وحب، توجد مصالح وحسابات قوة وموازين للربح والخسارة، من يعيش في الشعارات، هو سياسي عاطفي يجلس في كفة الخسارة واللطم واتهام الآخرين بالعداء، ويركب عربة التخلف. ومن يجيد لعبة التوازنات والاصطفافات يستطيع أن يجد طريقه نحو التقدّم والبقاء.

لم ولن توجد في العالم خريطة سياسية ثابتة ودول لا تزول، لكن مسار التاريخ يكون محكوماً بقدرة هذا الشعب أو ذاك على إنتاج الحضارة وإقامة تحالفات القوة. الت



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.