الإمارات والبحرين ضمن موكب السلام


د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

في خطوة جريئة تشبه خطوة السادات، وخطوة عرفات، وخطوة الملك حسين، قامت دولة الإمارات العربية المتّحدة، ومملكة البحرين بتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، متجاوزة سبعة عقود من اعتماد أيديولوجيا المقاومة التي انتهت ليس لتحطيم إسرائيل بل لتحطيم الدول العربية الممانعة وسحق شعوبها.

ليس بسبب قوة إسرائيل، بل بسبب استخدام تلك الأيديولوجيا كذريعة للاستبداد والطوارئ والتجاوز على حقوق الشعب وحقوق الإنسان، وتبرير الفساد والإفساد الذي انتهى لفشل معظم دول الممانعة والمقاومة، والتي لم تنكشف كأيديولوجيا خداع إلا عندما شنّت جيوش وميليشيات المقاومة حربها ضد الشعوب التي انتفضت عليها مطابة بالحرية والكرامة، واستخدمت كل سلاحها المقاوم لتدمير المدن وتهجير السكان، وزادت من معاناة الشعب الفلسطيني وقوّضت كل أمل له بالحصول على دولة مستقلّة على أرضه.

لا يريد العقل العربي الاعتراف بأنّ تلك الأيديولوجيا هي أيديولوجيا تدمير الذات، ولا تريد حماس الاعتراف أنّها هي المسؤولة عن تدمير اتفاق أوسلو وتقويض فرص قيام دولة في الضفة والقطاع، عندما استمرّت باستخدام العنف رغم توقيع السلطة للاتفاق، وأنّها قدمت أكبر خدمة لليمين الإسرائيلي الذي لا يريد حلّ الدولتين عندما قسمت القضية الفلسطينية لغزة والضفة، وأنّها كلما بدا أنّ اليسار سيفوز في الانتخابات الإسرائيلية تتعمد تنفيذ عمليات عنف ضد المدنيين اليهود لتدفع بالناخب للتصويت لليمين المتطرّف الذي يتابع سياسات الاستيطان والضم في الضفة، وأنّها عبارة عن منصّة إيرانية لتوجيه الرسائل، ولحماية تمدّد إيران في الدول العربية.

لقد استغلّت إيران كما أنظمة الاستبداد القضية الفلسطينية للتمدّد نحو الغرب، وتحت شعار تحرير القدس احتلّت العراق ولبنان وسورية ونقلت الفوضى لليمن، وقتلت مليون سوري وهجرت نصف سكانها، بما يفوق عدة أضعاف الشعب الفلسطيني، وهي تحاول كل ما تستطيع لتقويض دول الخليج العربي التي صارت تحت مرمى مدفعيتها وضمن خططها المستقبلية، فأيّ صراع سيندلع مع إيران، ستردّ إيران باجتياح الخليج بما حشدته من ميليشيات في أفغانستان والعراق، ولكي لا تتعرّض شعوب الإمارات والبحرين لما تعرّض له شعب الكويت، قام حكام الدولتين بهذه الخطوة لتعزيز التحالف الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة لضمان لجم عدوانيّة إيران، لذلك تتهمهم حماس بخيانة القضية الفلسطينية (أي الاحتلال الإيراني)، فهل للإمارات حدود وجيوش مع إسرائيل لكي تخون القضية، وهي التي قدّمت كل أشكال الدعم وما تزال للشعب الفلسطيني، المعذّب بسبب سياسات وممارسات المنظمات المتطرّفة التي تتسلّط عليه وعلى عقله؟.

سبعة عقود من الفشل لم تكن كافية لإقناع العقل العربي بضرورة مراجعة الإستراتيجيات وتبديل الأدوات، فلو قبل العرب بقرار التقسيم لم يكن لدينا مشكلة لاجئين، ولبقي اليهود أقلية حتى في دولة إسرائيل، ولو قبلوا بقرار ٢٤٢ ومبادرة السادات لكانت الضفة والقطاع دولة مستقرة حرة، لكنّهم أصرّوا على رفض التخلّي عن أيديولوجيا خاسرة، بل على رمي عقولهم في سلة المهملات، لأنّ أيّ تفكير عقلاني سيكتشف أنّ السلام هو الطريق الوحيد نحو تدجين واستيعاب إسرائيل وتحولها التدريجي للحالة الطبيعية التي عاشت عليها المنطقة، أي التعايش بين العرب واليهود، فاليهود في النهاية ليسوا سوى أقليّة صغيرة ضمن بحر واسع كغيرهم من الأقليات.

لا يريد الفلسطيني تصديق أنّ إيران تريد تجميع أوراق القوة لكي تبيع إسرائيل اتفاقية السلام بشرطها الذي صار واضحاً، وهو احتلال سورية ولبنان والعراق، وهو ما سعى إليه أوباما والاتحاد الأوروبي عندما وقّعوا معها الاتفاقية النووية، التي تطلق يدها في المنطقة.

إنّ خطوة الإمارات والبحرين يجب أن تستتبع بخطوة جريئة من المملكة السعودية، لكي ننقذ الوجود العربي في شرق المتوسط من الزوال، تحت جموح النزعة الفارسية والتركمانية. أما الشعب الفلسطيني فيجب دعمه ليعيش بحرية وكرامة أينما وجد فوق أرض فلسطين أو في الدول الشقيقة، كم يجب تشكيل تحالف عربي واسع بين المؤمنين بالسلام والتقدّم للوقوف في وجه التطرّف والأيديولوجيات التدميرية، يكون شريكاً للغرب المتحضّر يعيد بناء المنطقة على أسس جديدة بعد أن صارت مسرحاً للجريمة والعنف والحروب، على يد المقاومة والممانعة.

الغريب أنّ دولاً مطبعة مع إسرائيل وتقيم أوثق العلاقات هي من ترفع أيديولوجية المقاومة وتنتقد من رفع أيديولوجيا السلام، لكي تديم حالة الضعف والتفكك العربي الذي يسمح لها بالتمدد والسيطرة على المنطقة، أقصد إيران وتركيا ومن يدور في فلكها من دول عربية، ومنظمات إسلامية متحالفة معها، كالإخوان المسلمين، فهم أول من استخدم أيديولوجيا المقاومة لتبرير تحوّل حزبهم لحزب مسلح، ثم هم من أفتى بمهاجمة أحياء اليهود في الدول العربية، مما عزّز إسرائيل بعدد يفوق عددها من اليهود وسمح لها بالقيام كدولة، وهم ما يزالون بعقلهم ذاك يساعدون ايران على اجتياح المشرق العربي بحجّة أنّهم مقاومة، لم تردّ يوماً على ضربات إسرائيل إلا في المدن العربية وضد أهل السنة والجماعة من العرب المسلمين.

تحية لشعب الإمارات وشعب البحرين، ولكل من يخرج من خديعة الممانعة والإرهاب.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.