بعد عقد من الثورة (الكل مهزوم)


د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

لم ينتهِ الصراع في سورية بمنتصر، ولا بحالة (لا غالب ولا مغلوب)، أو حتى كما قال لافروف وكيري (لا حل عسكري في سورية) لأنّ الذي حصل هو الإصرار على الحل العسكري من طرف النظام، والذي انتهى بدمار كلا الطرفين وإنهاك المجتمع والدولة لدرجة الموت.

اليوم هناك حالة من الدمار والخراب والتشتت، والضياع والتشرذم، والاحتلال، والفشل، والتخبط، والإنهاك والاهتراء، حتى عند الدول المتدخلة، روسيا وإيران وأمريكا والدول العربية وتركيا، فالكل منهك وضعيف ومتردد، ويبحث عن مصالحه القريبة، وعن أرخص المخارج.

لا يوجد طرف في سورية قوي أو قادر على إيجاد مخرج، ولا توجد قوى سياسية وطنية، بل أصبحت كلها وكيلة ومرتهنة للدعم حتى لا نقول مرتزقة، فالحل قد خرج من يد السوريين منذ سنوات، وأصبح كلياً بيد الدول التي لا تجد وسيلة للتوافق.

لذلك لا حل في سورية إلا ترقيعي، ولا بديل عن نظام الأسد (في أحسن الأحول يطلب منه مشاركة المعارضة الفاسدة التي صارت على شاكلته ومحت الفروق بينها وبينه)، ولا عدالة منتظرة، ولا ديموقراطية، ولا بديل عن الأسد إلا شخص تافه لا لون ولا طعم له، تأتي به موسكو وترعاه وتحرسه، ولا عودة للمهجرين إلا جزئية وبشروط مذلّة، فعلى الجميع أن يلعق جراحه بصمت، وأن ينسى حقوقه وقتلاه وتعويضاته، ويفكر فقط في استرجاع ما يمكن استرجاعه من أملاكه المدمرة والمنهوبة، إن بقي منها شيء.

لا جلاء لقوات الاحتلال بل تقاسم نفوذ وسيطرة وتشارك في المكاسب، أما إعادة الإعمار فلن تكون إلا بيع وتأجير لسورية وشعبها وارتهان لهالمدة طويلة، فهي البوابة الوحيدة لتعويض تكاليف الحرب للدول المتدخلة، وهذا سيتم تحت إشراف سلطات منغمسة بالفساد حتى أذنيها إن كانت في النظام أو في المعارضة، ومن دون مؤسسات ديموقراطية أو رقابة شعبية.

حال مستقبل سورية يعكسه حال اللجنة الدستورية التي دأب دي مستورا على تشكيلها لسنوات، وعندما رأى نتيجة تعبه قدّم استقالته. لا دستور، ولا مؤسسات، ولا جيش، ولا أمن، ولا تخطيط، ولا رقابة، ولا نزاهة، ستكون موجودة في مرحلة إعادة الإعمار التي ستنتهي لنهب الأموال وتقييد سورية وشعبها بديون هائلة ستقيده لقرن من الزمن، وتمتص كل قطرة نفط وجدت في أرضه ومياهه.

المشكلة الأكبر هي عدم وجود مجتمع قادر على رعاية هذه المرحلة، كما حصل في اليابان وألمانيا بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، فالتفكك والتنازع وانعدام المشاعر الوطنية وطغيان الحقد والرغبة في الانتقام، ستقوّض كل عملية إعادة بناء، وستسهل تحولها لعمليات شفط ونهب من دون أي نتيجة، كما حصل في إعادة إعمار العراق ولبنان.

باختصار وبمراجعة نقدية لعقد من الثورة، لقد سقطت سورية، وسقط الشعب، وسقطت الدولة وسقط الاستقلال وسقط الإسلاميون، وسقطت المقاومة، وسقطت الديموقراطية، وسقطت الإنسانية والحضارة، وانتصرت المافيات، إنّها العولمة التي يشهدها العالم الثالث، والتي ستكون تحكم العصابات العالمية في الشعوب الضعيفة، فالصراع اليوم في العالم ليس بين الشرق والغرب، ولا بين نظامين، رأسمالي واشتراكي، بل بين الحضارة والقانون والقيم من جهة، وبين العصابات العالمية التي أصبحت تمسك بالقوة العسكرية والمالية وتريد التحكم في الشعوب، لذلك يبدو النظام الدولي برمته مشلولاً ومقيداً، والمجتمع الغربي منكفئ، ومجبر على التراجع، بينما تنتشر الفوضى والجريمة في كل مكان.

لقد سقطت سورية بيد تلك العصابات، وسقطت قبلها دول كثيرة أخرى، عربية وأجنبية، وتراجعت قضية الاستقلال والحرية والديموقراطية لدرجة الدفاع الذاتي في بؤر منعزلة في أجزاء من أوروبا وأمريكا فقط.

بجملة واحدة، لولا اكتشاف كميات كبيرة من الغاز والنفط في سورية لما حصل فيها كل هذا الدمار والحرب والجريمة، ولحسم الصراع منذ الأشهر، بل الأسابيع الأولى للثورة.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.