هل تتعطّل لعبة البوكر الديموقراطية في أمريكا أم سيعاد ترميمها؟

د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

تشبه اللعبة الديموقراطية لعبة البوكر فكل اللاعبين يستمرّون في اللعبة طالما عندهم الأمل في الربح، لكن عندما يتعرّضون لخسائر كبيرة أو يفقدون الأمل نهائياً، يقلعون عن اللعب، وقد يتشاجرون إذا كان لا بدّ من الاستمرار معاً. البوكر 

وهكذا عندما يصل طرف لطريق مسدود وتصبح اللعبة مهددة، وقد تنهار حتى بوجود فتيات جميلات تلطف الجو، فلا تملك الديموقراطية قوة كافية للدفاع عن نفسها سوى قناعة المشاركين في هذه اللعبة التي تستمر مسليّة بالرغم من الخسارة إذا كانت تلك الخسائر للآخر قابلة للتعويض من أرباح أخرى تأتي من تفوق أمريكا ونفوذها ورخائها الاقتصادي، والذي لم يعد ممكناً بعد تنامي نماذج الاستهلاك البذخي، وتراجع حجم التبادل غير المتكافئ مع دول العالم، بظهور منافسين جدد، أهمهم الصين.

سبق ونجح ترامب ضد هيلاري عندما عزف على وتر أمريكا أولاً، محركاً النزعة العنصرية لأغنياء البيض، وموحياً بإمكانية جعل الأمريكيين جميعاً أغنياء من جديد، لكن تلك الدعاية لم تتحقق بسبب قوة التنافس الاقتصادي مع الصين، واستمرار تراجع الاقتصاد الأمريكي، وتنامي العجز، وتراكم الدين والتضخم الذي تزايد بشدة بعد كورونا، مما جعل ترامب يخسر وبطريقة محرجة أمام بايدن، الذي يمثّل مرحلة أوباما التي قوّضت صورة أمريكا كدولة عظمى تقود العالم.

التناقض بين الحزبين قد تغيّر وأصبح يعبر عن تناقض مع الهوية الأمريكية التي حكمت اللعبة السياسية، كتحالف مصالح بين البيض وكبار الملاك، وعندما أصبح الحزب الديموقراطي تدريجياً يمثّل تحالف الطبقات الدنيا والملونين في مواجهة العنصرية البيضاء المتغوّلة على الثروة، وعندما تحوّلت العديد من الولايات بسبب التغير الديموغرافي من جمهورية الولاء لديموقراطية، فقد الجمهوريون الأمل وبشكل نهائي في تحقيق أي فوز قادم في الانتخابات، وبالتالي أصبحوا مهددين ليس فقط بخسارة منصب الرئيس ونائبه، بل أيضاً الكونغرس، بعد أن خسروا النواب منذ سنوات طويلة وبشكل نهائي.

وهكذا أصبح النظام الانتخابي ذاته عرضة للخطر، وهذا ما سوف يطرح عملية تعديله وتغييره للحافظ على تلك اللعبة، وهو ما يتطلب موافقة الديموقراطية ذاتها، وهذا غير ممكن بعد فوز الديموقراطيين. لذلك لم يعد هناك سوى خيارين: اعتراف الأغنياء البيض بالخسارة، وولادة لعبة جديدة تقسم المجتمع بشكل جديد، أي قيام أحزاب جديدة على أسس جديدة لتمثّل الانقسام المجتمعي بطريقة مختلفة، أو الدخول في النزاع الذي قد يفتح باب انهيار الاتحاد الفيدرالي وعودة نوع من الحرب الأهلية التي عانت منها سابقاً ولو بطريقة لا تصل سوية الصراع العسكري.

منذ حادثة جورج فلويد العنصرية التي هزّت المجتمع ودفعته للتظاهر احتجاجاً على تلك الروح العدوانية لدى السلطة تجاه فئة من الشعب، وذلك الشعور بالخوف المزدوج من قبل الطرفين، وعدم الثقة والأمان، بدأ يتكشّف مدى عمق الأزمة السياسية التي تعاني منها أمريكا، والتي بدت أشد وضوحاً مع الحملات الانتخابية، ومع تنامي الميل للعنف السياسي، والذي قد ينفلت مع التظاهرات المعترضة على فوز بايدن، ومع إقالة وزير الدفاع الذي رفض نزول الجيش لإخماد تظاهرات جورج فلويد، ربما تصبح الفرصة مناسبة لإنزاله من جديد لمنع حدوث عمليات عنف، وحماية المجتمع ومؤسسات الدولة، وبالتالي عرقلة انتقال السلطة وفرض تسوية جديدة من نوع جديد تعيد صياغة اللعبة الديموقراطية، وهذا ما هو متوقع حصوله، عاجلاً أم آجلاً، فالاستقرار لن يكون سمة المرحلة القادمة ولا بد سيظهر قدراً من العنف على السطح، والذي سيعبر عن رفض لاعب من اللاعبين الخسارة الدائمة في بوكر الديموقراطية الأمريكية. 



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.