خيارات إسرائيل قبل تسلم بايدن

د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

لم يبقَ الكثير من الوقت حتى يتسلّم بايدن السلطة في ٢٠ كانون الثاني/ يناير القادم، وعندها لن تكون إسرائيل مطلقة اليد في التعامل مع إيران، حيث سيسعى بايدن، كما صرّح، لإعادة تفعيل الاتفاق النووي معها خلال أشهر، وهو ما تنتظره إيران بشقّ الأنفس، وقد تكون تلك الفترة كافية لإيران من أجل الوصول للسلاح النووي. خيارات 

ووفق تقديرات الخبراء المتشائمين في إسرائيل، فمنذ أن أوقف ترامب الاتفاقيّة عاودت إيران أنشطتها السرية العسكرية، التي لم تفلح الضربات المحدودة في إيقافها، فخيار وقف الاتفاقية كان يتطلّب بديلاً لإيقاف البرنامج النووي، وهذا البديل كان في زمن ترامب هو العقوبات التي لم تكن بتلك الفعالية أيضاً، وبالتالي لم يتبقَّ من خيارات سوى الضربات العسكرية التي حاول الديموقراطيون لجمها عبر قرار مجلس النواب الذي اعترض عليه الرئيس ترامب مستخدماً حق النقد “الفيتو”، وهكذا صار على إسرائيل اتّخاذ قرار الحرب قبل رحيل ترامب الذي ليس لديه صلاحيات شنّ الحرب الشاملة من دون موافقة مجلسي الكونغرس والنواب، وهذا غير ممكن بسبب حفاظ الديموقراطيين على أغلبية مجلس النواب، بينما لديه صلاحيات شنّ ضربات عسكرية فقط.

من دون الرجوع للمجالس التشريعيّة في حال تهديد المصالح الأمريكية الحيوية (وهنا يعتبر أمن إسرائيل جزءاً منها)، وهو ما تريده إسرائيل في حال ردّت إيران باستهدافها، فالضوء الأخضر الأمريكي لضرب المشروع النووي الإيراني من قبل إسرائيل يمكنها الحصول عليه في هذين الشهرين، وهو لم يكن سهلاً قبل الانتخابات بسبب التخوّف من تداعيات ذلك على الناخبين الأمريكيين الذين ملّوا من الحروب في الشّرق الأوسط، لكن بعد خسارة ترامب للانتخابات لم يعد لديه ما يخسره، وبالتالي لن يشعل الضوء الأحمر لإسرائيل عندما تقرّر شنّ ضربات عسكرية تعيد برنامج إيران النووي نحو الوراء لسنوات، وتفرض أمراً واقعاً على بايدن وإيران معاً.

المسألة إذن ليست في أمريكا، بل في إسرائيل وتحديداً في شجاعة وقدرة نتانياهو على اتخاذ هكذا قرار قبل نهاية حياته السياسية، فهو أيضاً سيضطر لمغادرة السلطة قريباً، وهو مضطر لاختيار واحد من بين ثلاث طلبات سيطلبها من صديقه الراحل دونالد ترامب: إما ضرب إيران، أو الموافقة على ضم أجزاء من الضفة، أو إجراء تغييرات هامة في سورية تضمن إخراج إيران منها، وهذا قد يتطلب أيضاً ضربات تستهدف النظام السوري بشكل مباشر، وربما عملية عسكرية في الجنوب وباتجاه دمشق، والذي يتطلّب موافقة روسيا على الوقوف على الحياد، طبعاً خيار الضم هو الخيار الأرخص بالنسبة لناتنياهو، لكن موافقة أمريكا لن تكون ملزمة لبايدن وقد يعود عنها، بعكس نقل السفارة التي تعتبر تنفيذاً لقرار الكونغرس الذي صدر منذ زمن بعيد وتمنع الرؤساء عن تنفيذه حتى جاء ترامب.

روسيا أيضاً مضطرة لتغيير إستراتيجيتها بسبب التحوّل الأمريكي، وبسبب توقّع عودة التفاهم بين إيران والولايات المتحدة على حساب نفوذها في الشرق الأوسط، وهو ما سيغير كثيراً المعادلة في سورية، وكذلك الدول العربية مضطرة أيضاً لإعادة رسم تحالفاتها، وأيضاً تركيا، التي لا يخفي بايدن عداءه لها، أي ستخضع المنطقة لتغير محاور كبير بحيث يصبح محور روسيا تركيا إسرائيل الدول العربية، مضاد لمحور أمريكا أوروبا إيران ومن خلفها الصين، التي تنتظر أيضاً من بايدن أن يتعامل معها بتسامح أكبر.. بدأت ملامح ذلك المحور الروسي التركي تتضح في نزاع أرمينيا مع أذربيجان، حيث حققت تركيا نصراً واضحاً بالتفاهم مع روسيا وحتى مع إسرائيل في مواجهة إيران وأوروبا.

هنا يبرز السؤال الأهم: من سيربح المعادلات الصغيرة في الشرق الأوسط؟ أعتقد أنّه سيكون الأجرأ على شنّ الحرب، فكل الدول، خاصة الغربية، منهكة ولا تريد استنزاف قدراتها في معارك عسكرية في منطقة أصبحت ضعيفة ومهترئة، فهل ستستعمل إسرائيل قوتها العسكرية، أم تخضع لابتزاز إيران؟ علينا أن ننتظر شهرين لنرى ونحكم على المرحلة القادمة. 



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.