«العدالة التصالحية»… مصطلح لـ «بيدرسون» يثير زوبعة بين المعارضة السورية

في سابقة خطيرة من نوعها وفقًا لمراقبين وحقوقيين، مرر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، مصطلح «العدالة التصالحية» خلال إحاطة لمجلس الأمن، عبر دائرة تلفزيونية حول سير أعمال اللجنة الدستورية، الأمر الذي أثار موجة من ردود الأفعال الغاضبة، بين أطياف المعارضة السورية باعتبارها مصطلحاً «غير بريء» مطالبين برد واضح من أعضاء اللجنة الدستورية، لا سيما كتلة المجتمع المدني، التي استنكرت بدورها ما ورد في تصريحات بيدرسون، وطالبت الأخير عبر رسالة إلى مكتب المبعوث الأممي، بتصحيح المصطلح الوارد في إحاطته، واستبداله بمصطلح «العدالة الانتقالية».

«المجتمع المدني» يعتبره تحريفاً وتزويراً وسابقة خطيرة تستدعي منه الاعتذار

وفي معرض حديث بيدرسون عن سير أعمال اللجنة الدستورية، لا سيما خلال جولتها الأخيرة، أبلغ أعضاء المجلس الأربعاء، أن «الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية ستعقد في جنيف بين 25 و29 يناير/كانون الثاني المقبل» وقال إن اجتماعات الجولة الرابعة، بين 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي و4 ديسمبر/كانون الأول الجاري، «شهدت اختلافات كبيرة بين المشاركين، وكانت هناك لحظات توتر». وأضاف «ومع ذلك مازلنا نرى إمكانية التوصل إلى أرضية مشتركة في الجولة الخامسة، حيث سيتم التركيز على المبادئ الدستورية الأساسية في الدستور والولاية الخاصة بأعضاء اللجنة».

شكل جديد من التعاون مع وجود 5 جيوش أجنبية

وقال بيدرسون: «بينما نتطلع إلى عام 2021، نحتاج لعملية سياسية أوسع وأعمق ووقف إطلاق نار في كل أرجاء البلاد وجهود فعلية لصياغة الدستور وجهود أكبر لبناء الثقة والتقدم خطوة تلو الأخرى.. تحقيق ذلك يتطلب شكلاً جديداً من التعاون، مع مشاركة كل الأطراف الأساسية ومعالجة كل النقاط الأساسية». وتابع: «ونظرا للانقسامات الكبيرة في سوريا والمنطقة، من الصعب للغاية التوصل إلى توافق في الآراء حول تدابير وخطوات متبادلة لضمان دبلوماسية بناءة في سوريا، لكنني مقتنع بأنه يمكن تحقيق ذلك، فالمصلحة المشتركة تتطلبه، ولذلك سأواصل مع الأطراف السورية البحث عن سبل جديدة وإضافية للمضي قدماً». وشدد على أنه «لن يكون بالإمكان القيام بذلك بمفردنا، نحن في حاجة إلى دعم قوي وصوت واحد من مجلس الأمن، لتنفيذ القرار 2254، وإنني أعوّل علي دعمكم».
وحذر بيدرسون من تداعيات «وجود 5 جيوش أجنبية تنشط حالياً في سوريا، ولا يزال البلد ساحة للمعارك، مع تداعيات محتملة على المنطقة» معتبرا أن «الهدوء النسبي مازال مستمرا منذ اتفاق (تركيا وروسيا بشأن) وقف إطلاق النار في مارس/آذار الماضي، لكن الغارات الجوية والقصف متواصلة أيضًا، ونخشى من مخاطر تجدد الصراع».

المساواة بين الضحية والجلاد؟

ولتوضيح الهدف من إقحام مصطلح «العدالة التصالحية» في إحاطة « المبعوث الأممي، التي تعني المساواة بين الضحية والجلاد، وجعل كلا الطرفين مجرمان ويتوجب عليهما الصلح، تحدث المحامي السوري والناشط الحقوقي ميشال شماس لـ»القدس العربي» عن الفرق بين العدالة الانتقالية والعدالة التصالحية. وقال «شماس»: العدالة الانتقالية ترتكز على خمسة مبادئ أساسية تكمل بعضها البعض وهي أولاً عدم الافلات من العقاب.. من خلال تشكيل محاكم خاصة، ومحاكم دولية.

ما الفرق بين العدالة «الانتقالية» و«التصالحية»؟

ثانياً مبدأ المصالحة وإرساء السلم الأهلي: من خلال تشكيل لجان محلية من شخصيات موثوقة ومحترمة هدفها تطمين النفوس وتنفيس الاحتقان وإعادة الثقة بين الناس لاسيما في المناطق التي شهدت أعمالًا قتالية. ثالثاً مبدأ التعويض وجبر الضرر: من خلال إنشاء صندوق لتعويض الضحايا عم لحقهم من أذى في نفوسهم وممتلكاتهم. رابعاً مبدأ تكريم الضحايا: من خلال تخليد ذكراهم بإقامة نصب تذكاري، وإطلاق اسماء الضحايا على المدارس والساحات والشوارع وتدريسها في المنهاج المدرسية حتى تبقى منارة للأجيال القادمة. خامساً مبدأ نشر مفهوم العدالة الانتقالية بين الناس.
بينما العدالة التصالحية، تقوم أساساً على مبدأ المصالحة والتصالح بين الضحية والجاني ويجب أن تكون هناك أدلة كافية لتوجيه الاتهام إلى الجاني، وبالموافقة الحرة والطوعية من الضحية والجاني. وينبغي أن يكون بمقدور الضحية والجاني سحب تلك الموافقة في أي وقت أثناء العملية. وينبغي التوصل إلى الاتفاقات طوعاً وألا تتضمن سوى التزامات معقولة ومتناسبة. يعني أنها لا تتضمن محاسبة ولا مكاشفة ولا تكريم للضحايا.
وعشية الإحاطة التي قدمها بيدرسون، عصفت مواقع التواصل الاجتماعي بالتنديد، وطالب المعارضون للنظام السوري، وفد المجتمع المدني تقديم تفسير لما ورد. وهو ما دفع ستة من أعضاء اللجنة المصغرة للجنة الدستورية في «وفد المجتمع المدني» إصدار بيان يؤكد أن مجموعتهم لم تطالب بما يسمى «بالعدالة التصالحية». وأرسل أعضاء الوفد المدني رسالة إلى مكتب المبعوث الأممي، طالبوه فيها بتصحيح المصطلح الوارد في إحاطته، واستبداله بمصطلح «العدالة الانتقالية» على أن يضيف كلمات الأعضاء الذين قدموا مداخلاتهم من قبل كتلة المجتمع المدني – وكانت 4 مداخلات – تتحدث عن العدالة الانتقالية، لترفق بإحاطته إلى مجلس الأمن، حتى تكون مرجعًا لما أورده في إحاطته، وتوضيحا للعبارة «غير الدقيقة والمغلوطة» التي أوردها وفقاً لمصدر من كتلة المجتمع المدني.
وجاء في بيان المجتمع المدني «ورد في إحاطة المبعوث الأممي الخاص لسوريا السيد غير بيدرسون لمجلس الأمن المقدمة بتاريخ 16 ديسمبر 2020 عرض لما ورد في الأوراق التي قدمتها الوفود الثلاثة في اللجنة الدستورية في الجولة الأخيرة التي انعقدت في الفترة ما بين 30 نوفمبر و4 ديسمبر الحالي. وبصفتنا أعضاء في وفد المجتمع المدني فإننا نود التنويه إلى خطأ ورد في تلك الإحاطة يخص مداخلاتنا. «فقد ورد في النسخة الانجليزية من الإحاطة أن بعض أعضاء وفد الثلث الثالث قدموا نقاطاً منها ما تحدث عن «restorative justice» وهو ما تم ترجمته في النسخة العربية بـ»العدالة التصالحية» وهذا المصطلح لم يرد في أي كلمة من كلماتنا أثناء الجولة الأخيرة، فقد قدمنا مداخلات حول العدالة الانتقالية «Transitional Justice» وكلماتنا مسجلة وبعضها قد تم طبعه وتوزيعه على الموجودين في الجولة. كما قدم ستة من أعضاء الثلث الثالث ورقة عن عودة اللاجئين تم فيها استخدام مصطلح «العدالة التعويضية» خلال الحديث عن حق اللاجئين باسترداد ممتلكاتهم أو تعويضها، وألا يُلجأ للتعويض إلا في حال تعذر الرد. وجاءت بالسياق التالي: «…وضمان حقوقهم في أن يستعيدوا أي مساكن أو أراضٍ أو ممتلكات حرموا منها بطريقة تعسفية أو غير قانونية. وأن يعتبر الرد سبيل الانتصاف المفضل وعنصراً أساسياً من عناصر العدالة التعويضية…»

«أين الدقة والأمانة؟»

وأضاف البيان «بما أننا لا نستطيع مشاركة مداخلاتنا ولا محاضر الجلسات مع العموم التزاماً بمدونة السلوك، فإننا نطالب الأمم المتحدة بأن يكون الحديث عن مداخلاتنا أكثر دقة، وألا يتم استخدام مصطلحات لم نستخدمها، وأن لا يتم اختزال ما قدمناه بطريقة يظهر فيها عمل الثلث الثالث هامشياً، رغم إيماننا بأن مسؤوليتنا تحتم علينا نقل آلام الناس وطرح مطالبهم وتلبية تطلعاتهم».
عضو وفد المجتمع المدني مازن غريبة أوضح عبر صفحته الشخصية يقول «ورد في الفقرة السادسة من إحاطة السيد غير بيدرسون لمجلس الأمن، والمُقدمة يوم 16ديسمبر 2020، مصطلح «العدالة التصالحية» كأحد المقترحات التي قُدمت من كتلة المجتمع المدني في اللجنة الدستورية. في واقع الأمر، لم يتم ذكر هذا المصطلح بأي جلسة من جلسات اللجنة الدستورية خلال الجولة الرابعة. كانت كل مداخلاتنا ومقترحاتنا، المقروءة منها والمكتوبة، تتحدث، بشكل واضح وصريح، عن ضرورة تطبيق «العدالة الانتقالية» في سوريا، مع كل ما يرتبط بها من آليات محاسبة ومساءلة لمنتهكي حقوق الإنسان ومرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وآليات تعويض حقوق الضحايا وعائلاتهم».
وأضاف «قد أرسلنا رسـالة إلى السـيد المبـعوث الخـاص، نطـلب فيها تصـحيح المصـطلح الوارد فيـ إحاطتـه، واسـتبداله بمصـطلح «العدالة الانتقـالية» كما ورد في مداخلاتـنا ومقترحاتـنا».

تحريف وتزوير… سابقة خطيرة

المحلل السياسي مازن موسى اعتبر ما فعله بيدرسون، سابقة خطيرة، واصفاً إدخال مصطلح «العدالة التصالحية بـ «التحريف والتزوير وهو مصطلح يجعل الجاني والضحية سواء في الجريمة». وقال موسى لـ»القدس العربي» «إذا ثبت بالدليل أن وفد المجتمع المدني لم يطرح في كلماته وأوراقه فكرة وموضوع (العدالة التصالحية) يكون ما قام به بيدرسون، تزويرا وتحريفا متعمدا وسابقة خطيرة لا تقل عن خطورة ما فعله دي ميستورا عندما تجاوز موضوع (هيئة الحكم الانتقالي) واعطى النظام فرصة للمماطلة والمخاتلة وتضييع الوقت وتمييع القرار 2254ومحاولة افراغه من مضمونه عندما احتال على القرار بفكرة (السلال الأربع) . الأخطر وفق وصفه «فيما يجري حالياً إن بيدرسون يتعمد التزوير والتحريف ونسب كلام ولصقه بوفد المجتمع المدني، وهذا يتوجب ايقاف بيدرسون عند حده، وتجميد المشاركة حالياً من طرف وفد المجتمع المدني يعتبر موقفاً قوياً وضاغطاً على بيدرسون لإجباره على التراجع وتقديم الاعتذار أيضاً».

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.