العدالة الانتقاليّة الاقتصادية في سوريا



د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

بعد قرون من الاحتلالات وعقود من الاستبداد والفساد، وعشر سنوات من الحرب الأهلية والقتل والتهجير والجرائم ضد الإنسانية، لم يعد بالإمكان غضّ النظر عن عملية تفكيك وإعادة بناء الاقتصاد من جديد، على أسس قانونية وأخلاقية، بعد أن تمركزت الثروة بيد المجرمين واللصوص والمستبدّين، وبعد أن صار من العسير التعويض على المتضررين من دون مصادرة المال المنهوب. العدالة 

في العهد العثماني قامت السلطنة كأي سلطة إقطاعية باقتطاع القرى والأراضي ووزّعتها على أشخاص، ثم في عهد الانتداب الفرنسي أيضاً جرى توزيع ملكيات كبيرة من الأراضي على أشخاص محددين، وحافظت فرنسا على نظام الإقطاع ذاته السائد قبلها، كما ساهمت في تشويه عدالة توزيع الثروة، باعتماد وكلاء ومندوبين مرتبطين بشركاتها.

بعد قدوم البعث للسلطة، قام أيضاً بتشويه عدالة تقاسم الثروة بعمليات المصادرة والتأميم، وغزو الريف للمدينة، وتهجير نخبة من التجار والملاك، ثم عم في إداراته الفساد، وسادت السوق السوداء والتهريب، فأصبح توزيع الثروة مرتبط بالممارسات اللاقانونية واللاأخلاقية، مما شوّه كثيراً توزيع الثروة، وأخلّ بكل المعايير التي تجعله شرعياً.

ومع تنامي الاستبداد والفساد، أفقر الجميع إلا الخاصة الذين يشاركون النظام، وهكذا صارت الثروة كلياً بيد الفاسدين، وتحوّلت سوريا لمزرعة خاصة بآل الأسد وشبيحتهم ووكلائهم وشركائهم، وبعد الثورة تم نهب وتعفيش ومصادرة أموال وأملاك ملايين البشر وتهجير نصف السكان وتدمير بيوتهم وممتلكاتهم ، كما انتشر الفساد في صفوف المعارضين وتراكمت ثروات على حساب الجرحى والمهجرين أيضاً ونمت ظاهرة أمراء الحرب، وتجار الحرب وسارقي الآثار.

لذلك أصبح من المستحيل البدء بعملية إعادة الإعمار من دون تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية في الاقتصاد، بحيث تصادر كل الثروات السوداء ويعاد النظر بالبقية، لوضع الجميع على خط بدء لعبة التنافس، بشكل عادل، وحصر التنافس بالوسائل المشروعة والمنضبطة أخلاقياً، وهذا يعني اتخاذ الإجراءات التالية:

1- مصادرة كل ملكية فوق ١٠ مليون دولار، في الداخل والخارج، وتعتبر الأسرة (الأب والأم والأولاد) وحدة اقتصادية واحدة.

2- الحجز الاحتياطي على كل ثروة تتراوح بين ١ و١٠ مليون دولار لتنظر المحاكم المختصّة بشرعيتها، وبحسب ما يقدّمه مالكها من وثائق ومستندات وشهادات، لتحكم فيها محاكم مختصّة معزّزة بهيئة تحكيم، ومندوبين عن الرقابة الشعبية.

3- تتشكل لجان رقابة شعبية تنظر محلياً في الثروات التي دون ١ مليون دولار، وفي حال الشك بمصادر تلك الثروة (جنائياً) تحيل الموضوع للمحاكم، التي تقوم بوضع الحجز الاحتياطي عليها لتنظر في مصادرها، هل هي بيضاء أم سوداء وجنائية.

تقدّر الأسعار والقيم لجان تسعير مختصة، ويفتح مكتب المدعي العام لتلقي الشكاوى والشهادات.

تجمع الثروات المصادرة للتعويض على المتضررين، وبناء البنية التحتية والمساكن ورعاية الجرحى والمشوهين والأيتام والعجز.

تفرض شروط صارمة على أخلاقيات النشاط الاقتصادي، ويسمح بتشكيل لجان رقابة شعبية تقدّم تقاريرها للمدّعي العام دورياً وبشكل مباشر. 



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.