حول حرائق مخيمات السوريين في لبنان



د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع فيه عن اعتداء أو تجاوز على اللاجئين السوريين في لبنان، فاللبناني قد تربّى على شعور بالفوقية على غيره في المنطقة، وقد تعزّز عنده هذا الشعور عندما شاهد فقر وضيق حال وعوز السوريين، فمارس عليهم ليس فقط فوقيته وعنصريته، بل أيضاً حقده المختزن من أيام تحكّم الجيش الأسدي بمصائر لبنان وشعبه، طيلة ٢٤ عاماً من الاحتلال والقهر. حرائق 

وزاد فوق هذا تحريض حسن وإعلامه، وحلفائه من المسيحيين والدروز والشيعة، على السوريين، واتهامهم بأنّهم إرهابيين، بالتناغم مع إعلام النظام السوري المجرم وكحلفاء له، وهكذا تجمعت كل عناصر الحقد والكره والعنصرية والهمجية لتمارس بشكل يومي ومستمر على السوريين، وفي كل المجالات، وعلى نطاق منهجي واسع، ليس أقلّه الملاحقة والاضطهاد والاعتقال والتعذيب والتسليم لسلطات الأمن السورية، والحصار ومنع التجوّل والعمل، وليس فقط استغلالهم، صحياً وجسدياً وجنسياً.. بل كل ذلك معاً، وقد زاد عليها محاولات حرقهم أحياء، كما حدث أكثر من مرة (بشري والمنية).

لم تقم الدولة اللبنانية بأبسط واجباتها تجاه اللاجئين، وتساهل القضاء اللبناني كلياً مع كل الجرائم التي رفعت إليه للنظر فيها، فالسوري دوماً مذنب، واللبناني دوماً بريء، وزاد على ذلك ضخ التحريض ضد السوريين من كل الجهات، ومن أعلى المستويات، بما فيها رئيس الجمهورية وصهره وزير الخارجية، ومعهم أبواق حزب الله كلهم، مما شجع كل من تسوّل له نفسه للاعتداء والاغتصاب والتشبيح، فمن أمن العقاب أساء الأدب.

يعتقد بعض اللبنانيين أنّ أزمتهم الاقتصادية سببها وجود اللاجئين، ولا يعلمون أنّ سورية قد ضخت في بنوك لبنان ما يزيد عن ١٠٠ مليار دولار، وأنّ اللبنانيين كانوا شركاء في تعفيش وسرقة ممتلكات السوريين، وأنّ أغلب شبيحة النظام ورجالاته يستودعون ممتلكاتهم فيها، وأنّ مصارف لبنان قد حجزت بل ضيعت معظم أرصدة عملائها من السوريين، وأنّ المساعدات التي تقدّم للبنان بسبب اللاجئين يسرق ثلاثة أرباعها، وهي تفوق كثيراً ما يصرف عليهم، ناهيك عما ينتجونه وما يأتيهم من مساعدة ذويهم، فلبنان مستفيد اقتصادياً من اللاجئين، بل يعيش ويقتات على ما يأتيهم من إغاثة.

كما لا بدّ من التنويه أنّ سبب هجرة السوريين هي تدخل حزب الله كذراع إيراني في سورية، ومساعدته نظام الحكم هناك الذي كان آيلاً للسقوط لولا تدخلهم، كما صرّح حسن نصر الله نفسه، أي أنّ خراب سورية ودمار مدنها وتهجير أهلها هو بفعل حزب الله اللبناني الذي يحكم لبنان ويعين ويعزل رئيس الجمهورية والوزراء، بل إنّ عناصره هم بذاتهم مرتكبون لجرائم تهجير وضد الإنسانية بحق السوريين، بمن فيهم من اضطر للهجرة إلى لبنان، بعد أن اجتاحت فصائل وميليشيات حزب الله وإيران بلداتهم، كما حدث في كل القلمون وحمص وريف دمشق.

وبناء عليه، وبسبب كون لبنان دولة فاشلة محكومة من عصابة مجرمة تقتل اللبنانيين قبل السوريين، كما حدث مؤخراً في انفجار مصنع وقود صواريخ في ميناء بيروت، وسط العاصمة، وهي من تغتال كبار شخصيات لبنان (ومؤخراً أصدرت محكمة جنايات دولية إدانة لعناصر من الحزب في جريمة اغتيال رفيق الحريري)، والذي تبعه اغتيال عشرات من قادة لبنان.. وبسبب أنّ كل الميليشيات والعصابات في لبنان مسلحة وتدّعي أنّها مسلحة للدفاع عن الذات والمقاومة، وبسبب أنّ المخيمات الفلسطينية ما تزال مسلحة أيضاً وتعتمد الحماية الذاتية، لذلك أصبح من الواجب تذكير لبنان بمسؤولياته في حماية المخيمات، وفي حال استمرار الحوادث الطلب من الأمم المتحدة إرسال قوات حماية دولية، فإذا فشلت، وطبقاً للشرعة الدولية التي تعطي الحق في الدفاع عن النفس، أصبح من اللازم تشكيل لجان حماية للمخيمات من أبنائها، وتسليحهم بالسلاح المناسب ليقوموا هم بحماية أرواحهم وممتلكاتهم وأطفالهم من الجريمة المتوحشة التي تجوب أرض لبنان وسورية.

طبقاً للوضع المتعارف عليه في لبنان ذاته، أسوة بسلاح حزب الله والقوات والاشتراكي وأمل والمخيمات، ففي لبنان الأمن ذاتي ولا توجد دولة لها سلطة على المسلحين ولا المجرمين، فالمطلوب من السوريين أن يذهبوا للحرق بسلام، وتطبيق شريعة غاندي إذا أحرق أحدهم ابنك فقدّم له بنتك، وإذا اغتصب امرأتك فقدّم له نفسك ليغتصبك.

لماذا يطلب من السوريين ذلك مع أنّهم يعيشون على أرضهم التاريخية التي قسمها الجنرال غورو، ولم تستطع العيش كدولة ذات سيادة يطبق فيها القانون حتى الآن؟. 



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.