بعد فشل الوساطة الروسية: «قسد» تحاصر المربعات الأمنية للنظام السوري وتزيد الضغوط عليه في الحسكة

تتسع هوة الخلافات بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية «قسد» في أقصى الشمال الشرقي لسوريا، بعدما فشلت وساطة موسكو في خفض التوتر، والتوصل إلى حلول مرضية للطرفين، خلال جولة المفاوضات الثانية التي جمعتهما في القاعدة الروسية في مطار القامشلي في ريف مدينة الحسكة قبل أيام.
ولعل ما سبق يعود إلى سياسة الضغط التي ينتهجها النظامان السوري والروسي والتي يظهر أنها لا تروق لوحدات الحماية الكردية التي تقود ميليشيا «قسد» الأمر الذي دفع بالأخيرة إلى حصار المربعات الأمنية التي يسيطر عليها النظام في كل من مركز مدينة الحسكة ومدينة القامشلي، كرسائل أرادتها لكبح ضغوط النظام السوري وموسكو، وإعلان رفض انسحابها من مدينة عين عيسى لصالح النظام الذي يسعى لفرض سيطرته على الطريق الدولي الحسكة – حلب، ومن أجل منعه من تحصيل مكاسب في عين عيسى في ريف الرقة شمال وسط سوريا، وغيرها من المناطق.
وفي هذا السياق تأتي عمليات التصعيد بين «قسد» وقوات النظام، حيث انتشرت عناصر «قسد» خلال الأسبوعين الأخيرين، على طول الطرق الرئيسية التي توصل إلى المربع الأمني في مدينة الحسكة، وزاد التوتر وعمليات الاعتقال المتبادل بين الطرفين، حيث شنت قوى الأمن «الأسايش» التابعة لـ»قسد» عمليات اعتقال جديدة، طالت 20 عنصراً من قوات النظام في محيط المربع الأمني في مدينة الحسكة، بهدف الضغط والتضييق عليه، في سبيل تحسين شروط التفاوض.
ولعل احتمالات التصعيد رغم ضعف إمكانية حدوثه، هو وراء إمهال قوات قسد للنظام، أياماً قليلة من أجل الانسحاب من مدينة الحسكة، مخافة أن تصبح رهينة بيد موسكو والنظام، إلى جانب تعزيز تموضعها استعداداً للتصعيد الميداني في حال حدوثه، فيما يبقى الأمر مرهوناً بمدى قدرة الأطراف على تدوير الزوايا من أجل تجنب خيار التصعيد الذي يبدو قائماً. وكالة الأناضول التركية، قالت إن قوات قسد «منظمة «ي ب ك/ بي كا كا» أمهلت قوات النظام السوري حتى يوم الأربعاء، 20 يناير/كانون الثاني/ للانسحاب من مدينة الحسكة، بينما تواصل فرض حصار على قوات النظام السوري في المدينة.
ونقلت الوكالة عن مصادر محلية، أن عناصر قسد طردوا قوات النظام من عدة نقاط أمنية في الحسكة، وحاصروا المربع الأمني لتلك القوات وهو مركز تجمع الفروع الأمنية للنظام.
وقبل نحو أسبوعين، شهدت مدينة القامشلي توتراً بين الجانبين بدأت باعتقالات متبادلة، وانتهت بوساطة روسية أفضت إلى تبادل المعتقلين، فيما استمرت التوترات المسلحة. وساد التوتر بين الجانبين إثر ضغوط يمارسها كل من النظام السوري والقوات الروسية على «ي ب ك» لدفعها لتسليم بلدة «عين عيسى» شمالي محافظة الرقة، لقوات النظام.
وحول مآلات التصعيد، وإمكانية انزلاق الأمور في اتجاه مواجهات عسكرية، أبدى الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي اعتقاده بأن النظام السوري وروسيا ليس لديهما أي مصلحة بالانزلاق الى مواجهة مسلحة مع «قسد». وعزا المتحدث لـ»القدس العربي» السبب، إلى أن ذلك قد يفقدهم نفوذهم في المربع الأمني في القامشلي بالحسكة، وقد يفقدهم أي حظوظ بالسيطرة على مدينة «عين عيسى» وتكرار نموذج القامشلي، مضيفاً «إلى الآن لا يوجد أي بوادر لتحقيق مثل هذا النموذج، لكن مازالت روسيا والنظام السوري متمسكين بالشروط التي تؤدي إلى هذا النموذج في المفاوضات مع قسد.
في المقابل ستفقد وحدات الحماية الكردية القدرة على الوصول إلى تل رفعت وتفقد سيطرتها داخل مدينة حلب وأحياء الشيخ مقصود، لذلك «فهم ليس لديهم الرغبة بالانزلاق إلى مواجهة عسكرية، في هذا التوقيت بالتحديد، الذي لم تتوضح فيه بعد ملامح الحل السياسي في سوريا، وما زالت قسد تعوّل على حصول تفاهم على شكل نموذج الإدارة الذاتية مع النظام السوري، ولكن كل ما يجري حاليًا في إطار الضغط». وفق المتحدث.
وأضاف عاصي: تقريبًا منذ 6 سنوات أو أكثر، تشهد المنطقة حالات تصعيد مماثلة بين الطرفين، فالنظام يرغب بالتمدد خارج المربع الأمني في أحياء جديدة في مدينة القامشلي، ويحاول الوصول إلى مناطق شرق الفرات، بينما قوات قسد تمنعه من ذلك، معتبراً أن كل ما في الأمر هو تكرار للتصعيد.
وبالنسبة لتركيا، فمن الطبيعي أن يصب تفاقم التوتر بين «قسد» والنظام السوري في مصلحتها، لأن ذلك سيفقد الطرفين القدرة على السيطرة وسيكون نموذج نبع السلام مثالياً لتطبيقه في مناطق أخرى، ويعني ذلك وفق عاصي، أنه من الممكن أن تستعد تركيا لشن عملية عسكرية فعلياً في مناطق عين عيسى إذا تهيأت الظروف الميدانية والأمنية والسياسية لذلك. ومازالت موسكو تحاول التهدئة، ومنع تدحرج الأمور في اتجاه التصعيد، مبدية تمسكها بسقف عالٍ من الشروط، ودعم النظام السوري من الخلف.
وفي هذا الإطار يقول عاصي إنه لطالما هددت روسيا قوات قسد، بفتح المجال أمام أنقرة لشن عملية عسكرية في منطقة عين عيسى، ومناطق أخرى مثل الدرباسية وعمودا وغيرها، وهددتها بأنه في حال استمرت بموقفها الرافض في إقامة روسيا لقواعد عسكرية في الدرباسية ومحافظة الحسكة، وعدم تقديم تنازلات حول عين عيسى فإنها لن تكون قادرة على الإيفاء بالتزاماتها أمام تركيا، وبالتالي ستكون هذه الأخيرة قادرة على شن عملية عسكرية. واستطرد المتحدث قائلاً «وكل هذا في إطار التهديد ليس أكثر». وتسيطر وحدات الحماية الكردية التي تشكل العمود الفقري لقوات «قسد» على معظم محافظة الحسكة وريفها، فيما يقتصر تواجد قوات النظام على مربعين أمنيين في كل من الحسكة والقامشلي، ومطار الأخيرة وبعض النقاط العسكرية والأحياء.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.