سوريا: «انتفاضة» أهالي منبج مستمرة والوحدات الكردية قلقة من امتدادها شرقاً

توسعت حالة الانفجار الشعبي ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي من المرجح أن تنتهي إلى تسوية بين المواطنين وسلطات الأمر الواقع، حيث خرج الأهالي في محيط مدينة منبج شرق حلب، الواقعة تحت نفوذ ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» بمظاهرات شعبية غاضبة، وسط دعوات للتظاهر في الحسكة ودير الزور شرقاً، للمطالبة بإلغاء التجنيد الإجباري في جميع مناطق نفوذ «قسد» ومحاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين، وسط استنفار عسكري لأكثر من 4000 عنصر من قوى الأمن الداخلي ووحدات الكوماندوز.
وقالت مصادر أهلية من منبج لـ«القدس العربي» أن المدينة شهدت فجر الجمعة انتشاراً وتطويقاً عسكرياً للشوارع الرئيسية من قبل عناصر «قسد» لمنع وتقييد خروج المظاهرات الشعبية، وسط حالة من حظر التجوال المفروض على المدينة منذ أيام، إلا أن مئات المتظاهرين خرجوا في المناطق المحيطة ضد سياسة «قسد» الأمنية والعسكرية.
الإعلام الحربي لقوات سوريا الديموقراطية ذكر أن «قوات عسكرية كبيرة تابعة لقوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي (الأسايش) وقوات التدخل السريع وقوات مكافحة الإرهاب، دخلت صباح الجمعة إلى مدينة منبج، وتقدر بأكثر من 4000 عنصر برفقة عشرات المدرعات، وسط دعوات وترقب لخروج مظاهرات بعد صلاة ظهر الجمعة».

«قسد» تدخل 4000 من «الأمن» و«الكوماندوز» إلى المدينة وتتهم النظام وتركيا

من جهته أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى خروج مظاهرات غاضبة في القرى الواقعة في ريف مدينة منبج الشرقي أبرزها قرية هدهد، وذلك تنديداً «بتدهور الأمور الحياتية في مناطقهم، لاسيما الأوضاع الخدمية والاقتصادية وقضية التجنيد الإجباري على الرغم من إيقاف الحملة في منبج، فيما لم تشهد مدينة منبج أي مظاهرات حتى اللحظة، وسط انتشار لقوى الأمني الداخلي فيها».

محاولات تهدئة

في غضون ذلك، عقد مجلس منبج العسكري، اجتماعاً مع الإدارة المدنية الديمقراطية ووجهاء وشيوخ العشائر، «للقيام بالإجراءات اللازمة وإلقاء خطوات هامة لتهدئة الأوضاع واستجابة لمطالب الشعب في مدينة منبج».
ووفقاً المركز الإعلامي لمجلس منبج العسكري، فقد «تم التوصل لنتائج إيجابية، حيث تم تشكيل لجنتين من شيوخ العشائر، كل لجنة لديها مهام أخذت على عاتقها التوصل إلى أفضل النتائج لحل المشاكل العالقة».
الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، رياض درار، اتهم كلاً من تركيا والنظام السوري بافتعال تحركات مريبة لإثارة الفتنة والقيام بأعمال تخريبية، وقال «إن كافة مناطق شمال وشرق سوريا مستهدفة وفي مقدمتها منبج» مضيفًا «يجب أن ندرك أن منبج مستهدفة من جهات عدّة، وخاصة من تركيا، وفي الأيام الأخيرة، كانت هناك تحركات مريبة لحكومة دمشق وخلاياها ضمن المدينة، وتتحرك لإثارة الفتن والقيام بأعمال تخريبية في منبج وبعض المناطق الأخرى كالرقة ودير الزور».
وزعم درار في حديثه لوكالة «هاوار» الكردية، أن التجنيد الإجباري لدى «قسد» ضروري وقال «يجب إعداد لجان لإقناع الشباب بتلبية الدعوات لواجب الدفاع الذاتي». مهدداً بدخول قوات النظامين الروسي والسوري إلى منبج حيث قال «بسبب الظروف التي مرت بها المنطقة عقب الهجمات التركية، كان هناك اضطرار لدخول القوات الروسية وقوات حكومة دمشق إلى الحدود، حيث المواجهة مع مرتزقة تركيا، وهم موجودون ومازالوا الآن هناك، ويخرجون في دوريات على الشريط الحدودي، ولهم تحركات، ويحاولون إنشاء مركز أمني لهم ضمن منبج، وهذا لم يُسمح به».

«دخول النظام على الخط»

وادعى الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية أن مدينة «منبج مستهدفة من عدّة جهات، وخاصة من تركيا، وفي الأيام الأخيرة، كانت هناك تحركات مريبة لحكومة دمشق وخلاياها ضمن المدينة، لإثارة الفتن والقيام بأعمال تخريبية فيها وفي بعض المناطق الأخرى كالرقة ودير الزور، بتحريض من بقايا خلايا داعش… وأمريكا أيضًا مستهدفة في قواعدها من جهة ميليشيات إيران والنظام، وهناك تحريض لم يبدأ بعد، ولكن يخشى من آثاره لاحقًا، وقد يؤثر على القرار الأمريكي ويجب الانتباه له».
وزعم درار وجود خلايا تابعة للنظام السوري تسعى لتأجيج الفتنة، متهماً هذه الخلايا بقتل المتظاهرين حيث قال «الأمر بدأ بمجموعة صغيرة وتم احتواؤها، ولكن تدخّل النظام وإطلاق النار على المتظاهرين أدى إلى قتل أحد الأشخاص وجرح البعض الآخر، مما سبب المزيد من التصاعد في هذا الأمر، واستطاع المجلس المدني والعسكري احتواء الأمر، ولكن الأمر يستوجب الحذر الشديد».
وأضاف درار: «نحن في شمال سوريا وشرقها نعيش حالة ثورة» ويجب «متابعة الخلايا النائمة التابعة لحكومة دمشق، كما يتم متابعة خلايا داعش، والتركيز على خلايا دولة الاحتلال التركية التي تتحرك بفعالية في المنطقة ولديها تحريض إعلامي مستمر».
الخبير المطلع على مفاوضات ملف منبج مع الجانب الأمريكي، والمسؤول السياسي عن المنطقة حسن النيفي، قال لـ«القدس العربي» إن الحراك في مدينة منبج قام على «مستوى شعبي لا دخل لأحد فيه، لا من العشائر، ولا من النظام ولا أي طرف آخر.
وأضاف نيفي «ولكن عندما احتدمت الاحتجاجات وسقط شهداء من المتظاهرين، دخل النظام على الخط وأرسل شبيحته المتمثلين ببعض رموز الشعائر، حيث دعا هؤلاء إلى التصعيد وحمل السلاح. الغاية من ذلك وفق المتحدث «هو اشعال فتة أهلية سكانية داخل المدينة حتى يقول الجميع في النهاية أنه لا أحد يستطيع ضبط الأمن سوى النظام وهو ما يعطي فرصة لهذا الأخير بالعودة إلى المدينة».
ولكن ما استجد الجمعة وفق ما يقول الكاتب الصحافي لـ«القدس العربي» هو «توصل ممثلي الحراك مع سلطات قسد إلى تهدئة المظاهرات على أن يميل الجميع إلى الهدوء ويقوم ممثلو الحراك بتسليم جملة من المطالب، لقوات قسد». وأعطى ممثلو الحراك الشعبي مهلة أسبوع لقسد، أي حتى صباح الجمعة المقبل، من أجل تنفيذ المطالب، مهددين بعودة الحراك ما لم تنفذ جميع مطالبهم.
ووفقاً لرؤية نيفي فإن «ما جرى في مدينة منبج ليس نتيجة لنزاع قومي أو طائفي أو مذهبي، وليس كذلك نتيجة لاحتراب سياسي بين أطراف داخل المدينة، بل هو بكل وضوح احتجاجات شعبية عبر خلالها أهالي المدينة عن مطالب حياتية ومعيشية، وكذلك عن مطالب أخرى ذات صلة بالبنية الثقافية والاجتماعية لسكان مدينة منبج».
واعتبر الخبير السياسي في مقال نشره عبر موقع تلفزيون سوريا، الجمعة، أن «مسألة التجنيد الإجباري التي حاولت سلطات قسد فرضها على المواطنين، هي القشة التي قصمت ظهر البعير، مؤكداً على أنه ثمة إرهاصات كثيرة ظهرت بوادرها منذ العام 2017، أي بعد مرور سنة على طرد تنظيم داعش من منبج، تؤكّد تلك الإرهاصات أن السياسات الاقتصادية والتعليمية والأمنية التي تمارسها قسد، ليس على منبج فحسب، بل على كل المدن والبلدات التي تقع تحت سيطرتها، سوف تفضي في النهاية إلى تذمّر سكاني ربما انتهى إلى غضب عارم لا يمكن التكهّن بحدود تداعياته».
السياسات التي تحاول «قسد» تنفيذها لم تكن مستمدّة وفق المتحدث من مرجعيات محلية تلبي حاجة سكانية حياتية، وتنسجم في الوقت ذاته مع القيم والثقافات المحلية لسكان تلك المناطق، بل تعود مرجعية السلطة المتمثلة بما يسمى (الإدارة الذاتية) السياسية إلى حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) وهو الموجّه الحقيقي لسياسات «قسد» حيال المناطق التي تسيطر عليها، فضلاً عن كونه الممسك الحقيقي بكل خيوط القرار، وذلك من خلال قياداته التي يتحدر معظمها من خارج سوريا، ولعله من الضروري التأكيد على أن مجمل السياسات التي تحاول «قسد» تنفيذها لم تكن مستمدّة من مرجعيات محلية تلبي حاجة سكانية حياتية، وتنسجم بالوقت ذاته مع القيم والثقافات المحلية لسكان تلك المناطق، بقدر ما كان المراد من هذه السياسات أن تخدم مصلحة حزب الاتحاد الديمقراطي وتكون منسجمة مع توجهاته الإيديولوجية ومصالحه الاقتصادية والسياسية.

«خيارات محدودة»

واعتبر نيفي أن خيارات أهالي منبج «محدودة جدا» عازيا السبب إلى أن المدينة باتت تؤوي أكثر من مليون مواطن، أكثرهم قد توافدوا إليها نازحين من مختلف المدن والبلدات السورية هرباً من بطش نظام الأسد، فهي باتت بالفعل بؤرة اكتظاظ سكاني كبير، تحاصرها قوات الأسد المدعومة روسياً وإيرانياً من جهتي الجنوب والغرب.
وأضاف «بل إن وجود قوات النظام على بعد 15 كم عن مركز المدينة، بات أداة تهديد تلوّح بها قسد، مؤكِّدة على الدوام: إن تجاوز صوتكم حدود صبرنا، فستكون مدينتكم مشرعة الأبواب أمام قوات الأسد.
وما يعزّز مخاوف السكان هو قيام نظام الأسد بتحريك شبيحته وأدواته، والدفع بهم نحو اختراق الحراك الشعبي، من خلال بعض رجال العشائر الذين يعود ولاؤهم للنظام، ويحاولون الدفع باتجاه التصعيد، داعين المواطنين إلى حمل السلاح، سعياً إلى تحويل التظاهر الشعبي إلى حالة احتراب وقتال بين الأهالي في المدينة، لعلّ هذا الاقتتال واللجوء إلى مزيد من العنف يتيح فرصة طالما انتظرها نظام الأسد، وهي اجتياح المدينة بحجة عدم قدرة «قسد» على تأمين الحماية والاستقرار للمواطنين.
ورجح نيفي أن تنتهي حالة الوتر إلى تسوية بين المواطنين والسلطة القائمة، وهذا ما هو مُرجّح، بغض النظر عن مضامين تلك التسوية، وسواء تحققت مطالب المتظاهرين أم لا، وستعود المدينة إلى حركتها المعتادة.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.