سوريا: مصدر عسكري لـ «القدس العربي» يؤكد وجود معطيات عن تغير البنية العسكرية للوحدات الكردية

في تصعيد هو الأول من نوعه، أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) مسؤوليتها عن تنفيذ ثلاث عمليات داخل الأراضي التركية، وهي المرة الأولى التي تتبنى فيها «قسد»، علنًا، مسؤوليتها عن استهداف مواقع تابعة للجيش التركي في ولايات غازي عنتاب وأورفا وماردين، وذلك بموازاة تصعيد تركي استهدف مواقع تابعة لقسد والنظام السوري في منطقة عين العرب شمال شرقي حلب.
ويتزامن هذا التصعيد غير المسبوق، مع إعلان أنقرة عن احتمال عقد تفاهمات تركية مع النظام السوري لبحث مخاوفها الأمنية، وهو ما ترجمه محللون وباحثون في الشأن السوري لدى مركز جسور للدراسات الاستراتيجية، على أنه استياء تركي، من عدم التزام النظام في تنفيذ المهام الموكلة لقواته بإخراج حزب العمال الكردستاني من المنطقة، وإظهار قدرة الجيش التركي على خلق البدائل عن العملية العسكرية المباشرة، لمواجهة التهديدات، معتبرين أن التغير الأخير في الخطاب السياسي التركي إزاء العلاقة مع النظام السوري، هو استجابة لمطالب روسيا المُلحّة في هذا الصدد والاستعداد لتحقيق مزيد من التقارب معها.
الإعلام الحربي لقوات سوريا الديمقراطية، أعلن الخميس، عن مقتل سبعة جنود للجيش التركي في عمليات جديدة ضمن ما سماها بـ»حق الردّ» كما أعلن «المركز الإعلامي لقوات «قسد»، في بيان رسمي، الخميس، تنفيذ «ثلاث عمليّات ناجحة» ضد الجيش التركي، على الحدود المتاخمة «لمدن رها/ أورفا، ديلوك/ عنتاب، وماردين».

بيان العمليات

وفي بيان العمليات الثلاث جاء فيه: في العمليّة الأولى حينما كان ستّة من جنود الأتراك «مجتمعين حول مدفع من نوع (T – 155) قرب ثكنة جيجكالان التّابعة لناحية بيرجك في ولاية «رها/ أورفا»، تَمَّ استهدافهم، ووفق المعلومات التي تم تأكيدها؛ قُتِلَ ستّة جنود.. بينهم ضابط وعنصر من الاستخبارات، بالإضافة إلى وقوع عدد من الجرحى في صفوفهم. وفي العمليّة الثالثة؛ «استهداف عربة عسكريّة من نوع كيربي على الحدود مع ولاية ماردين، وقُتِلَ فيها جندي من وجرح ثلاثة آخرون، في حصيلة العمليّات الثّلاث؛ قُتِلَ 7 جنود، وجرح ما لا يقلّ عن ثلاثة آخرين» وفق المصدر.
ولفهم هذه التطورات ودلالات إعلان قسد للمرة الأولى، عن مسؤوليتها عن استهداف مواقع عسكرية في الداخل التركي، قال مصدر عسكري منشق عن النظام السوري، من ريف حلب لـ «القدس العربي»: لدينا معيطات تؤكد أن البنية العسكرية لقوات قسد، أصبحت مشتركة مع قوات النظام السوري، والميليشيات الإيرانية وعلى رأسها الحرس الثوري الإيراني».
ودلل المتحدث العسكري الذي يقود مجموعات عسكرية شريكة للجيش التركي شمال سوريا، على ذلك بالقول: «سلوك قسد اختلف عما كان عليه إبان معركة غصن الزيتون، وعملية نبع السلام، وهذا يشير إلى وجود زيادة في التنسيق والتخطيط في الأعمال العسكرية». وأضاف «هناك قيادة جديدة تقود هذه المجموعات والكتل العسكرية، وهذه القيادة إيرانية، تابعة للحرس الثوري». معتبراً أن التصعيد التركي الأخير مرده إلى «استهداف قسد للقواعد العسكرية التركية» وهو ما يتطلب برأيه «نوعاً من الرد سواء كان تصعيداً إعلامياً أو سياسياً أو عسكرياً، وهو ما فعله الجيش التركي».

خطوات روتينية

وحول دخول أرتال عسكري تركية إلى الشمال السوري، قال المتحدث «حتماً عند أي إجراء، يحدث تحرك للقوات وإدخال قوات من نوع جديد، وتبديل مواقع وهي خطوات روتينية وإجراءات اعتيادية في سلوك القوى العسكرية عندما ترفع مستوى التهديد السياسي ومستوى التصعيد على الأرض». وزارة الدفاع التركية، أعلنت الخميس، مقتل واعتقال 9 عناصر من «قسد» شمال سوريا. وأدى القصف التركي لمقتل 3 عناصر من قوات النظام على الأقل. حيث جاء هذا التصعيد بعد أيام قليلة من تصريحات الخارجية التركية حول تقديم الدعم السياسي للنظام من أجل إخراج حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري من مناطق شمال سوريا، والإعلان عن إجراء تواصُل دبلوماسي بين الطرفين نهاية عام 2021.
ولفهم الرسائل السياسية والعسكرية، التركية الموجهة للنظامين السوري والروسي، اعتبر الباحث لدى مركز الحوار السوري، محمد سالم، أن التصعيد الأخير محدود، وهو استمرارا لذات الديناميكات السابقة. وقال سالم في تصريح لـ «القدس العربي» إن التصعيد الأخير يصب في إطار الردود العسكرية بين الأطراف، مما نشهده كل فترة بين مختلف الأطراف. وأضاف «على الرغم من الحديث التركي عن إمكانية التفاوض من نظام الأسد، إلا أن ذلك لا يزال بعيدًا، إذ تريد تركيا موقفاً واضحاً من نظام الأسد ضد «قسد» يصل لدرجة الهجوم العسكري عليها، الأمر الذي يبدو بعيد المنال تماماً».
واعتبر مدير مركز جسور للدراسات الاستراتيجية، محمد سرميني، أن ردّ تركيا لا يعكس مجرّد الاستياء من عدم التزام النظام في تنفيذ المهامّ الموكلة لقواته بإخراج حزب العمال من المنطقة وَفْق مذكرة سوتشي (2019) إنما الاستعداد الكامل لأن تشمله العمليات العسكرية في المنطقة، وعدم إتاحة المجال لأي دور أو شكوك حول توفير النظام الغطاء لأنشطة PKK في المنطقة.
وأرادت تركيا من طريقة الرد، التي تمثّلت بضربات جويّة من داخل أجوائها وباستخدام الطيران المسيَّر، إظهار قدرتها على خلق البدائل عن العملية العسكرية المباشرة لمواجهة التهديدات على أمنها القومي في ظل عدم التزام روسيا والولايات المتحدة بتعهداتهما حيال ذلك. وعليه توقع سرميني «أن تقوم تركيا بتنفيذ ضربات جديدة ضدّ مواقع تنتشر فيها قوات النظام شرق الفرات، مما قد يدفع روسيا – بصفتها ضامناً – للتدخُّل من أجل إعادة التهدئة والعمل على معالجة المشاكل الأمنية على الحدود عَبْر القنوات الدبلوماسية».
وفي المحصلة، اعتبر المصدر، أن قصف مواقع قوات النظام شرق الفرات يعكس حقيقة الموقف والسياسة التركية إزاء العلاقة معه، فيما لم يكن التغيُّر الأخير في الخطاب السياسي التركي إزاء العلاقة مع النظام أكثر من استجابة لمطالب روسيا المُلحّة في هذا الصدد أو كنوع من التعبير عن الاستعداد لتحقيق مزيد من التقارُب معها.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.