إسرائيل تقصف مناطق نفوذ روسي بسوريا.. موسكو موافقة وطهران متخوفة؟

خلال فترة لم تتجاوز شهر ونصف، استهدفت الطائرات الإسرائيلية للمرة الثانية، يوم الأحد الماضي مواقع في محافظة طرطوس السورية الساحلية، التي يشكل ميناؤها القاعدة الروسية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط.

هذا التصعيد يعتبر مؤشرا بارزا، إزاء ما يتعلق بطبيعة الغارات الإسرائيلية على المناطق السورية، فالجانب الروسي لم يعلق على الغارتين؛ في الوقت الذي زادت إسرائيل من تصعيدها ويفترض أنها تراعي عدم الاحتكاك مع الروس، فلماذا تصمت روسيا عن الرد على إسرائيل، إذا ما كانت هي موافقة ضمنيا على تضييق النفوذ الإيراني في مناطقها من خلال الإسرائيليين.

تدلل وتيرة الضربات الإسرائيلية الأخيرة إلى تحويل إيران جزء من نشاطها إلى طرطوس، وإذا كان من غير الممكن نقل الأسلحة الإيرانية برا إلى طرطوس، نظرا لبعد المسافة عن الطريق التقليدي المعروف الذي يمر عبر بادية تدمر، فإن التفسير المنطقي أن هذه الأسلحة تصل عبر الطرق البحرية، وربما عبر ميناء اللاذقية، من منطلق أن ميناء طرطوس تحت الإدارة الروسية الكاملة بحكم وجود قاعدة بحرية لهم فيه.

بناء على ما سبق تشير تقديرات مراقبين أن روسيا يبدو لديها موافقة ضمنية على الضربات الإسرائيلية للنفوذ الإيراني، ما قد يعني أن هذه الضربات تخلق توازنا ترضى عنه روسيا في سوريا، بمواجهة محاولات إيران وميليشياتها الاستفادة من التراجع الروسي نتيجة الانشغال بغزو أوكرانيا.

تفاهمات لا تستثني أي منطقة؟

خلال اجتماع رؤساء مجالس الأمن القومي لروسيا والولايات المتحدة وإسرائيل، في صيف عام 2018، تم الاتفاق بين الأطراف الثلاثة على أن أمن إسرائيل أولوية قصوى بالنسبة لهم، ومنذ ذلك الوقت أُعطيت إسرائيل الضوء لاستهداف المواقع والتحركات الإيرانية في سوريا.

وبناء على هذا الاتفاق، فإن الضوء الأخضر الممنوح لإسرائيل بضرب المواقع الإيرانية في سوريا لا يستثني أي منطقة، حتى تلك المناطق التي تعتبر مناطقا للنفوذ الروسي وعلى رأسها طرطوس، لكن ضمن آلية يتم فيها إبلاغ الروس بشكل مسبق، وعدم الاحتكاك بهم في هذه الضربات.

وفي هذا السياق، يرى الباحث في الشأن الروسي، ديمتري بريجع، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن استهداف إسرائيل لمناطق تواجد الإيرانيين في سوريا هي رسالة واضحة من الإسرائيليين لإيران أنها سوف تستهدفها في أي بقعة يتواجدون فيها في سوريا حتى لو كانت خاضعة للنفوذ الروسي.

وأشار بريجع، إلى أن استمرار الغارات الإسرائيلية ضد الإيرانيين، وعدم رد الروس عليها أيضا رسالة روسية ضمنية على عدم رغبة روسيا بتواجد إيران في سوريا، خاصة أن النظرة الروسية حول التواجد الإيراني، تقول بأن إيران تعمل على مشروع مبني على أفكار دينية وطائفية، بينما تحاول روسيا الحد من هذا المشروع لأنه يهدد وجودها في سوريا قبل أي طرف آخر، وفق تعبيره.

العلاقات الروسية الإسرائيلية أولوية للطرفين؟

تكهنات عديدة برزت في الآونة الأخيرة، عن تراجع في العلاقات بين روسيا وإيران، على خلفية إغلاق روسيا للوكالة اليهودية في موسكو، والتصريحات الإسرائيلية التي جاءت ردا على الخطة الروسية بأنها رافضة لها، وذلك بسبب الموقف الإسرائيلي من الغزو الروسي لأوكرانيا.

ولكن من الواضح، بحسب المعطيات أن التصريحات التي تتبادل فيها وزارتا خارجية روسيا وإسرائيل حول هذه المواضيع لا تعدو كونها تصريحات إعلامية.

وبحسب بريجع، فإنه من الواضح أن الاتصال الذي جرى مؤخرا بين الرئيس الروسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، يؤكد أن العلاقات بين الطرفين لم يتغير في جوهرها شيء.

وحول إيران، فإن هناك تفاهمات أخرى ضمنية بين روسيا وإسرائيل، فيما يخص الدور الإيراني في سوريا، والشرق الأوسط بشكل عام، أساسها أن أمن إسرائيل يبقى على رأس أولويات السلطة الحاكمة في روسيا.

وعليه، فإن روسيا قد تستمر بغض النظر عن استهداف إسرائيل لإيران في سوريا، مهما كان شكل الاستهداف ونوعه، وزمانه ومكانه، بحسب بريجع.

احتمالات التصعيد ضد إيران مفتوحة

بحسب العديد من التقارير الصحفية التي اطلع عليها “الحل نت”، فإن المسؤولين الإسرائيليين، يؤكدون دائما، أن إسرائيل لن تردد باستهداف إيران وستتحرك في أي وقت ومكان لضمان أمن إسرائيل، فهم بالإضافة لما يرونه خطرا متمثلا بالبرنامج النووي الإيراني، يدركون أيضا الخطر الذي يشكله تواجد الميليشيات الإيرانية في سوريا على حدود الجولان.

وكان رئيس هيئة الأركان العامة للقوات الروسية إيغور كوستيوكوف، حذر الأسبوع الماضي، من أن “هناك خطرا من تحول سوريا إلى ساحة مواجهة إسرائيلية إيرانية”.

الباحث في الشأن الروسي، طه عبد الواحد، خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، يرى أن احتمال توسيع المواجهة بين إسرائيل وإيران على الأراضي السورية قائم منذ الساعات الأولى لدخول الإيرانيين وميليشياتهم الطائفية إلى سوريا، وتوسيع نشاطهم في المناطق الحدودية مع الجولان السوري، لافتا إلى أنه من الممكن أن تُقدم إسرائيل على شن حرب واسعة النطاق في سوريا ضد إيران وبدعم من حلفائها إذا كان هذا الحل هو الوحيد للحفاظ على أمنها.

ولفت عبد الواحد إلى أنه، من الصعب تخمين شكل هذه الحرب إن اندلعت، لكن ما يمكن تصوره أن إيران ستعمل على الزج بمجموعات طائفية من لبنان والعراق وأفغانستان في تلك الحرب إلى جانب قوات “الحرس الثوري”، مبينا أنها ستكون حربا تعتمد على التقنيات الحديثة، وستكون الطائرات المسيرة عنصرا أساسيا فيها إضافة لمنظومات الدفاع الجوي الحديثة ووسائط الحرب الإلكترونية المتقدمة.

وبحسب مراقبين لـ”الحل نت” في وقت سابق، فإنه لا يوجد وقت محدد للتصعيد الإسرائيلي ضد إيران، خاصة في سوريا، فالطائرات الإسرائيلية لم تتوقف أبدا عن استهداف المواقع الإيرانية ومواقع “حزب الله” في سوريا، وهي تملك الضوء الأخضر للعمل بحرية في سوريا، من قبل الأميركيين والروس.

من الواضح أن الاستهداف الإسرائيلي للمواقع الإيرانية في سوريا، وأيا كانت جغرافية هذه المواقع تصب في المصلحة الروسية، فروسيا باتت تدرك أن الضربات الإسرائيلية تخلق توازنا ترضى عنه روسيا في سوريا، بمواجهة محاولات إيران وميليشياتها الاستفادة من التراجع الروسي نتيجة الانشغال بغزو أوكرانيا.

الحل نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.