ما هي فرص شن تركيا حملة عسكرية برية واسعة ضد القوات الكردية شمال سوريا؟

تواصل أنقرة، هجماتها الجوية التي بدأتها في العشرين من الشهر الجاري، ضد مواقع حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال العراق وسوريا، بينما تلوّح بمزيد من التصعيد وتوسيع هجماتها ضمن حملة برية تستهدف مناطق تل رفعت ومنبج وعين العرب، شمالي سوريا، غير أن الضغوط التي تتعاظم على أنقرة لثنيها قد تؤخر هذه الحملة المحكومة بالتوافقات الدولية، لمنع أي اصطدام مسلح مباشر بين أطراف الصراع السوري.
ولرفع مستوى التنسيق مع الجانب الروسي، أجرى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الخميس، مباحثات هاتفية مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، تناولت عدداً من القضايا الأمنية والدفاعية الثنائية والإقليمية.
وذكرت وزارة الدفاع التركية في بيان أنه فيما يتعلق بشمال سوريا، أكد أكار استمرار الرد على الاستفزازات والهجمات التي تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة، والأعمال التي تستهدف المناطق المدنية والمواطنين الأتراك. وأشار البيان إلى أن أكار أكد مجدداً على أولوية تركيا في منع التهديد والممر الإرهابي و”تحييد التنظيمات الإرهابية (شمالي سوريا) بشكل دائم”، كما أكد على أهمية الامتثال للاتفاقيات السابقة بشأن هذه القضية.

البنتاغون لوقف فوري للعمليات

وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، قالت من جانبها، على لسان المتحدث باسمها باتريك رايدر، إن العمليات العسكرية التركية تهدد أمن الجنود الأمريكيين في سوريا. وأضافت في بيان الخميس، أن تركيا تستهدف ميليشيات “واي بي جي/ بي كي كي” في المناطق التي تنتشر فيها القوات الأمريكية بسوريا. وأبدى البنتاغون قلقه إزاء تصاعد التوتر شمالي سوريا والعراق وفي تركيا، مبيناً أن التوتر المتصاعد يهدد التقدّم الذي يحرزه التحالف الدولي منذ سنوات لإضعاف وهزيمة تنظيم “داعش”.
وأعرب المتحدث الأمريكي عن تنديده بخسائر الأرواح في صفوف المدنيين في تركيا وسوريا معاً، وأفاد “رايدر” بأنهم يتفهمون مخاوف تركيا الأمنية، داعياً في الوقت ذاته إلى خفض التصعيد. وتابع: “سنستمر في التواصل مع تركيا ومع شركائنا المحليين لتأمين استمرار وقف إطلاق النار”.

حظوظ الحملة البرية

وأمام ما تقدم، ينشغل مراقبون بالإجابة عما إذا كانت أنقرة ستتمكن من تحقيق تطلعاتها، بشن عملية برية واسعة لإبعاد التنظيمات الكردية، المرتبطة بحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب في تركيا والغرب، عن حدودها الجنوبية؟ وما هي فرص شن حملة برية بالتعاون مع حلفاء أنقرة المحللين؟
وبينما يرى خبراء ومراقبون، أنّ تلويح تركيا بمزيد من التصعيد ربما يكون بغرض الحصول على امتيازات في التنسيق العسكري من الولايات المتحدة وروسيا، رأى خبير عسكري من قيادات الجيش الوطني لـ “القدس العربي” أن فرصة شن عمل عسكري تركي بري، سواء بالتعاون مع الجيش الوطني المعارض المقرب من أنقرة أو عبر فصائله منفردة، هو احتمال ضعيف في الوقت الراهن.
وقال القيادي من ريف حلب في تصريح خاص “عندما تم الإعلان عن العملية العسكرية، قال الرئيس التركي إنها عملية جوية، تمتد من شمال العراق وصولاً إلى ريف حلب الشمالي شمال سوريا، وذلك لضرب أهداف عديدة بالعمق، وهو ما شهدته المرحلة الأولى من العمليات، حيث دخل الطيران التركي لأول مرة من أجل التنفيذ من الشمال السوري من منطقة تعتبر تحت الإشراف الروسي، كمدن عزاز والباب وريف حلب الشمالي، ولا يخفى أن هذه المنطقة تدخل ضمن السيطرة الجوية الروسية، ورغم ذلك دخل الطيران التركي لأول مرة إلى العمق”.
كما دخل الطيران الحربي التركي إلى عمق 80 كيلو مترًا في ريف دير الزور، وضرب قرية صغيرة في منطقة تقع تحت السيطرة الجوية الأمريكية، وهذا يدلل وفق المتحدث على التنسيق “التركي – الأمريكي – الروسي” العالي المستوى، حتى بالإحداثيات حتى يتجنب الجيش التركي استهداف قوى أو قواعد عسكرية لإحدى الدول الداخلة في هذا الصراع.
وأضاف القيادي “العملية العسكرية بالنسبة للجيش الوطني، لم يختلف أمرها عن معارك غصن الزيتون أو نبع السلام، كما أن فصائل المعارضة هي أصلاً جاهزة ضمن نقاط الرباط والمعسكرات، ورفع الجاهزية أو التعبئة لا يتطلب الشيء كثيراً، لأننا نأخذ جانبا واحدا وهو القوات البرية، فالأمر ليس كاستعداد جيوش الدول للحروب، فهي تستنفر لأجل ذلك القوات البرية والجوية والسيطرة والتحكم والتشويش والدفاع الجوي وغيرها، إنما على مستوى الجيش الوطني فرفع الجاهزية قائم أصلاً، أما تقسيم محاور القتال يتم الآن بخطوات بطيئة”.
وبالنظر إلى توقيت الحملة التركية المعلنة، نلاحظ أنها تزامنت مع انعقاد جولة “أستانا 19″ بشأن سوريا، لافتا إلى أن كل استحقاق سياسي يترافق مع تصعيد عسكري من قبل كل الأطراف”.
وقال المتحدث إن “البنية العسكرية للقواعد وغرف العمليات المنتشرة ضمن مناطق سيطرة قوات قسد، لا تضم قسد فقط كما كان الوضع عندما شنت تركيا معركة عفرين وغصن الزيتون، بل تغيرت بنيتها وأخذت ملامحها الحالية منذ معركة نبع السلام، وأصبحت قواعد “قسد” مشتركة مع النظام والحرس الثوري ومستشاريه” لافتاً إلى أن الجانب الروسي يمكن أن يوافق على العمل العسكري، لكن إيران ربما ترفض وتعلن المقاومة سيما مع وجود مدينتي نبل والزهراء الشيعين في المنطقة.
وتوقع المتحدث أن “يعرقل المسار السياسي العمل العسكري في المنطقة في حال لم تحدث تفاهمات أو وصلت هذه التفاهمات إلى مرحلة مسدودة بين تركيا وإيران، لأن هذا الموضوع محرج جداً، وممكن أن تدخل إيران بقوة، وهذا سيؤدي إلى صدام مسلح، إذا أصر الطرفان على مواقفهما”.
وقال إنه من “ممكن أن يسفر إصرار تركيا على شن حملة برية، ورفض إيران ذلك وإعلانها المقاومة، إلى صدام مسلح، غير أن الطرفين غير مهيأين دوليًا بالوضع الراهن، لا داخليًا ولا سياسيًا للدخول بصدام مسلح مباشر ضد بعضهما البعض”.

خيارات وبدائل

واعتبر المتحدث أن كل الخيارات مفتوحة، إذ يمكن “في هذه الحالة الاعتماد على الأدوات والقوى البديلة، بحيث تعتمد تركيا على الأدوات البديلة كالجيش الوطني لتقول إنها لم تشن عملا عسكريا بنفسها، بل إن المجلس العسكري في تل رفعت والمجلس العسكري في منبج وأبناء المنطقة المهجرين هم من نفذ العمل لما يملكونه من حق العودة إلى مناطقهم وبلدانهم، وفي المقابل يمكن لإيران أيضاً أن تعتمد على القوى البديلة الموجودة لديها، كميليشيا الحرس الثوري الإيراني وميليشيات قسد وقوات النظام السوري، وتقوم بعملية المقاومة”.
وبطبيعة الحال، فالخريطة معقدة جداً، و “من الممكن حدوث عمل عسكري للجيش الوطني منفرداً، كما أنه من الممكن أن ينفذ العمل بالاشتراك مع الجيش التركي، كما يمكن أن تنحصر الحملة البرية في قطاع واحد ويمكن لها أن تكون واسعة، فكل الاحتمالات ورادة” ولكن المتحدث جزم بأن “احتمال القيام بعملية برية في الوقت الحالي هو احتمال ضعيف، غير أنه قد يتغير الوضع ويصبح قابلاً للتنفيذ خلال الأشهر المقبلة”.

إستراتيجية جديدة

وفي دراسة لمركز جسور للدراسات الاستراتيجية، اعتبر أن تركيا عاكفة على تنفيذ استراتيجية عسكرية جديدة في سوريا؛ بتركيز الاعتماد على استخدام القوّة الجويّة كأداة لتحقيق أهداف عسكرية شِبه كاملة، وعدم الاكتفاء بمهامها الاعتيادية في تقديم التغطية الجوية وتهيئة الميدان للقوات البرية.
وعليه تقوم الطائرات الحربية والمسيّرة بمهام استنزاف وإضعاف PKK وSDF، عبر تركيز الضربات على القيادات ومخازن الأسلحة وخطوط الإمداد والمخابئ وغيرها من المنشآت العسكرية واللوجستية والاقتصادية.
واعتبرت الدراسة التي صدرت الخميس، أن تركيا قد حققت بعد التنسيق العملياتي مع الولايات المتحدة وروسيا خرقاً في توسيع حجم ونطاق الضربات الجوية للعملية، حتى باتت عملية “المخلب – السيف” الأوسع والأكثر كثافةً منذ اعتماد تركيا على العمليات الجوية في سوريا، أي مقارنة مع عملية “نسر الشتاء” في شباط/ فبراير 2022، والضربات التي سبقتها وبدأت منذ آب/ أغسطس 2021.
واعتبرت الدراسة بالمحصّلة أنّ تلويح تركيا بمزيد من التصعيد ربما يكون بغرض الحصول على امتيازات في التنسيق العسكري من الولايات المتحدة وروسيا – على غرار حالة الضربات الإسرائيلية – بما يُحقق لها قدرة مستمرّة على ضرب الأهداف التي تريد في سوريا مقابل اتخاذ إجراءات عدم التصادُم بين القوات الجوية والبرية.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.