أنقرة تدافع عن «الانخراط» مع دمشق وتتمسك بإنشاء «حزام أمني»

أكدت تركيا أنها لن تتخلى عن استكمال الحزام الأمني الذي تنوي إقامته على حدودها الجنوبية بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية. وجاء هذا التأكيد في وقت وجّهت فيه الولايات المتحدة تحذيراً جديداً لتركيا من عرقلة عمليات قواتها والقوات الكردية لمكافحة تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا، في موقف يكرر رفض الأميركيين تلويح أنقرة بعملية عسكرية برية ضد مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي يهيمن عليها الأكراد، في منبج وتل رفعت وعين العرب (كوباني) شمال سوريا.

بالتزامن مع ذلك، أكدت تركيا أمس أن «هناك حاجة للانخراط» مع النظام السوري، والوصول إلى توافق بينه وبين «المعارضة المعتدلة»، في ظل معلومات عن رفض الرئيس السوري بشار الأسد «ضغوطاً» من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لترتيب لقاء يجمعه بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وجدد إردوغان أمس التأكيد أن بلاده «ستكمل حتماً» الشريط الأمني الذي تقوم بإنشائه على حدودها الجنوبية بعمق 30 كيلومتراً. وقال إردوغان، خلال مشاركته في فعالية جماهيرية نظمها حزب العدالة والتنمية الحاكم لافتتاح مجموعة من المشاريع في ولاية شانلي أورفا الحدودية مع سوريا السبت، إن الهجمات التي تتعرض لها تركيا (من داخل سوريا) «لن تتمكن من ثنيها عن تحقيق هذا الهدف (استكمال الحزام الأمني)».

في السياق ذاته، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن بلاده بحاجة لتطهير شمال سوريا من «وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات «قسد»، مثلما فعلت مع تنظيم «داعش». وقال جاويش أوغلو، على هامش مشاركته في النسخة الثامنة لمنتدى الحوار المتوسطي المنعقد في العاصمة الإيطالية روما: «مثلما طهّرنا شمال سوريا من داعش فنحن بحاجة إلى مواصلة عملياتنا لتطهير المنطقة من حزب العمال الكردستاني وأذرعه (وحدات حماية الشعب)».

– الانفتاح على النظام

وبخصوص مساعي التقارب مع نظام الرئيس الأسد وتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، قال وزير الخارجية التركي إن آثار الحرب المستمرة بسوريا منذ 11 عاماً طالت الجميع، مضيفاً أنه يجب تحقيق توافق بين المعارضة المعتدلة، المعترف بها عبر قرارات مجلس الأمن الدولي، والنظام. وأضاف جاويش أوغلو: «هناك حاجة للانخراط مع النظام أيضاً حتى تكون المحادثات في إطار اللجنة الدستورية وصيغة أستانة بناءة أكثر مما هي عليه اليوم… هذا الأمر ضروري كذلك من أجل ضمان عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بطريقة طوعية وكريمة… لا يمكن إرسال السوريين واللاجئين الآخرين بطريقة قسرية، وإنما يجب أن تكون العودة طوعية». وتابع: «علينا في الوقت نفسه أن نتعاون في حربنا ضد التنظيمات الإرهابية دون أي تمييز فيما بينها»، معرباً عن أمله في أن «يفهم النظام السوري أيضاً أنه لا يمكن إحلال سلام واستقرار مستدامين في البلاد من دون توافق».

وأشار إلى أن الإرهاب يعد من أكبر الانعكاسات للأزمة السورية، معتبراً أن «حزب العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب» الكردية و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) كلها «تنظيم واحد» يأتي قادته من جبال قنديل في شمال العراق. وأكد أن هذا «التنظيم الإرهابي» يؤثر على تركيا بطريقة مباشرة، وقد نفذ خلال آخر عامين نحو 2000 هجوم إرهابي ضدها ما تسبب في مقتل نحو 300 مواطن، بالإضافة إلى مقتل مدنيين سوريين. وأضاف أن التنظيم «يقمع الأقليات»، كما أنه يستهدف «الأقليات المسيحية… لكن أصدقاء تركيا الأوروبيين والغربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة، يغضون الطرف عن ذلك».

ولفت جاويش أوغلو إلى أن «حزب العمال الكردستاني» يسعى لتقسيم البلدان، مضيفاً أنه عندما أطلقت تركيا عمليات ضده بسوريا عام 2019 (عملية نبع السلام العسكرية في شمال شرقي سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) 2019) تعهدت الولايات المتحدة وروسيا بإبعاده عن الحدود التركية 30 كلم على الأقل، لكن لم تفيا بالتعهدات التي قدمتاها لتركيا و«لا يزال الإرهابيون في إمكانهم استهداف تركيا وهم يواصلون ذلك، لذا نحن بحاجة إلى مواصلة عملياتنا حتى نطهر المنطقة من الإرهابيين والتنظيمات الإرهابية». وتابع: «لكن في الوقت ذاته نحن على اتصال مع النظام السوري على مستوى الاستخبارات؛ لأن التنظيم الإرهابي هدفه تقسيم البلاد، وهذا يؤثر أيضاً على سوريا والشعب السوري».

وكان الرئيس رجب طيب إردوغان أكد الأسبوع الماضي أن الأمور يمكن أن تعود إلى نصابها مع سوريا في المرحلة المقبلة مثلما جرى مع مصر، «فليست هناك خصومة دائمة في السياسة». وتسعى روسيا للعب دور الوسيط بين إردوغان والأسد من أجل عقد لقاء بينهما، وإن كانت ترى أن الأرضية لعقد مثل هذا اللقاء لم تتهيأ بعد. وفي هذا السياق، نقلت وكالة «رويترز»، السبت، عن 3 مصادر لم تسمها، أن النظام السوري يقاوم ضغوطاً روسية، وأن الأسد يرفض لقاء إردوغان بعد أن اقترح عليه ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دون الكشف عن موعد الحديث الذي جرى بينهما.

ونقلت «رويترز» عن مصدرين قولهما إن «دمشق تعتقد أن مثل هذا الاجتماع قد يعزز فرص إردوغان قبل الانتخابات الرئاسية التركية العام المقبل، خاصة إذا تناول هدف أنقرة بإعادة بعض من 3.6 مليون لاجئ سوري من تركيا». وأضاف المصدران: «تقول دمشق: لماذا نمنح إردوغان نصراً مجانياً؟… لن يحدث أي تقارب قبل الانتخابات… سوريا رفضت أيضاً فكرة عقد اجتماع لوزراء الخارجية».

وقال المصدر الثالث، وهو دبلوماسي مطلع على الاقتراح بحسب الوكالة، إن سوريا ترى مثل هذا الاجتماع عديم الجدوى إذا لم يأت بشيء ملموس، وما طلبوه حتى الآن هو الانسحاب الكامل للقوات التركية.

كما نقلت الوكالة عن مصادر تركية قولها إن «عقد اجتماع بين الأسد وإردوغان قد يكون ممكناً في المستقبل غير البعيد… بوتين يعبد ببطء الطريق للقاء… ستكون بداية تغيير كبير في سوريا، وستكون لها آثار إيجابية للغاية على تركيا… ستستفيد روسيا أيضاً، نظراً لأنها متداخلة في العديد من المجالات».

وبحسب «رويترز»، رغم حديث تركيا عن عملية عسكرية محتملة ضد «قسد» في شمال سوريا فإن اقتراحات روسية قوبلت بإيجابية من أنقرة بعضها يتحدث عن انسحاب «قسد» من مناطق تريدها تركيا شمال سوريا، مقابل إعادة قوات النظام السوري إليها.

– تحذير أميركي جديد

بالتزامن مع ذلك، كررت الولايات المتحدة تحذيرها لتركيا من تعطيل عمليات القوات الأميركية والكردية ضد تنظيم «داعش» في سوريا، وعبّرت في الوقت ذاته عن تفهمها لمخاوف أنقرة الأمنية. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، في تصريحات ليل الجمعة-السبت، إن القصف التركي للمناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرقي سوريا مستمر، في إشارة إلى عملية «المخلب-السيف» التي أطلقتها تركيا ليل 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على خلفية تفجير إرهابي وقع في شارع الاستقلال بمنطقة تقسيم في إسطنبول، نسبته أنقرة إلى «حزب العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب» الكردية الحليفة لأميركا في الحرب على «داعش». ولفت كيربي إلى أنه لا يوجد ما يشير حتى الآن إلى أن تركيا ستطلق عملية عسكرية برية ضد «قسد» في شمال سوريا. وقال: «يواصلون شن غارات جوية… لا دليل حتى الآن على عملية برية وشيكة عبر الحدود التركية السورية، حيث تنتشر قوات أميركية إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية (قسد)».

وأضاف كيربي أن تركيا لها الحق في الدفاع عن نفسها، لكن عمليات القصف تنطوي على مخاطر جسيمة. وأوضح: «ندرك مخاوفهم الأمنية المشروعة للدفاع عن أنفسهم… ما لا نريد رؤيته هو عمليات في سوريا يمكن أن تتسبب في وقوع إصابات بين المدنيين مرة أخرى، ويمكن أن تتسبب في وقوع إصابات بين أفرادنا، ويمكن أن تصرف انتباه شركائنا في (قسد) عن مهمة حقيقية وضرورية للغاية قائمة ضد تنظيم داعش… لا نريد أن نرى أي شيء من شأنه أن يؤثر في قدرتنا على مواصلة الضغط على التنظيم المتطرف». وتابع أن «المستوى الاستراتيجي للتعاون مع قوات (قسد) ليس مهدداً، لكن القصف التركي ضدها يعني أن القوات الكردية ستكون أقل استعداداً لمواصلة المساهمة في مواجهة تنظيم (داعش) بمعدل يومي».

– دعم لـ«قسد»

وغداة إعلان «قسد» وقف التنسيق مع التحالف الدولي للحرب على «داعش»، سيّرت القوات الأميركية و«قسد» دورية مشتركة، السبت، تجولت بمناطق رميلان وقحطانية في ريف محافظة الحسكة، تزامناً مع استمرار الهدوء الحذر في شمال شرقي سوريا، بحسب ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان». ولفت «المرصد» إلى أن قوات التحالف الدولي، بمشاركة قوات المهام المشتركة وعملية العزم الصلب، أجرت، الجمعة، تدريبات عسكرية بالقرب من منطقة الجوادية شرق القامشلي بريف الحسكة الشمالي، استخدمت خلالها الأسلحة الثقيلة وقذائف الهاون، بهدف معرفة مدى كفاءة الطاقم واستعداده، وتأكيداً على دعمها لـ«قسد» في المنطقة.

كما أجرت قوات التحالف الدولي تدريبات عسكرية في قاعدتها بحقل «كونيكو» للغاز بريف دير الزور، شملت القفز بالمظلات من الطائرات، للمرة الأولى، إضافة إلى استخدام الأسلحة الثقيلة. وشهدت مناطق دير الزور تسيير دوريتين لـ«التحالف الدولي» بالاشتراك مع «قسد»، الأولى في بلدة الطيانة، والثانية في مدينة البصيرة بريف دير الزور الشرقي، تزامناً مع تحليق طيران مروحي في أجواء المنطقة.

من ناحية أخرى، وصلت تعزيزات عسكرية لقوات النظام إلى محيط مناطق «مجلس منبج العسكري» المنضوي تحت قيادة «قسد» في ريف حلب الشرقي، دون التقدم نحو مناطق التماس مع القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالي لأنقرة. وتتألف التعزيزات من أكثر من 600 جندي بعتادهم وآليات ثقيلة من دبابات ومدافع، تمركزت في قرى عدة محيطة بمناطق «مجلس منبج العسكري» بريف حلب، منها تل أسود، التايهة، جب مخزوم ومنطقة خفسة جنوب منبج وغربها.

– هجوم تركي

بالمقابل، قصفت القوات التركية بالمدفعية الثقيلة مواقع لقوات النظام في قرى سفتك وزور مغار وزيارة بريف عين العرب (كوباني) الغربي، كما قصفت بالمدفعية الثقيلة قاعدة لقوات النظام في بلدة عين عيسى شمال الرقة، واستهدف القصف المدفعي التركي قرية أبو صرة بريف عين عيسى وقرية كور حسن بريف تل أبيض شمال الرقة.

وأشار «المرصد السوري» إلى قصف مسيّرة تركية، موقعاً قرب خطوط التماس المقابلة لمناطق «نبع السلام» شرق عين عيسى، بالتزامن مع تحليق 6 مروحيات تابعة للقوات الروسية فوق قطاع من طريق حلب-اللاذقية الدولي (إم 4) من قاعدة صرين وحتى مناطق نفوذ «مجلس الباب العسكري» المنضوي تحت قيادة «قسد».

وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان السبت، إن القوات الخاصة التركية قتلت اثنين من عناصر «الوحدات» الكردية أثناء محاولة لتنفيذ هجوم في منطقتي «غصن الزيتون» و«نبع السلام» في شمال وشمال شرقي سوريا.

وزار وفد من أعضاء لجنة الدفاع الوطني بالبرلمان التركي النقطة صفر على الحدود بين تركيا وسوريا في ولاية هطاي جنوب البلاد، السبت، بدعوة من وزير الدفاع خلوصي أكار لتفقد الوضع في المنطقة والإجراءات التي اتخذتها القوات التركية لمواجهة أي تهديد أمني للبلاد.

الشرق الأوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.