موسكو تجدد السجالات حول إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا

أطلقت موسكو معركة دبلوماسية جديدة في مجلس الأمن مع إعلان موقفها المعارض لتمديد الآلية الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية لستة أشهر أخرى. وتزامن الموقف الروسي الذي ينتظر أن يعقد التوصل إلى اتفاقات حول الملف الإنساني، مع تصعيد من جانب دمشق التي عارضت بدورها تمديد العمل بالآلية الدولية. في وقت حذر المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، مساء الأربعاء، من تفاقم الوضع على الصعيد الإنساني، واقترح خطوات لكسر الجمود واستئناف المفاوضات السياسية.
ولم يكن الموقف الذي أعلن عنه مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا مفاجئاً للأطراف؛ إذ سبق أن انتقدت موسكو مسار العمل بالاتفاق الدولي الذي تم تمديده في يونيو (حزيران) الماضي، لمدة ستة أشهر على أن يعود مجلس الأمن لمناقشاته حول الموضوع مع حلول نهاية العام.
ودخلت النقاشات التي تجريها موسكو مع تركيا حول التحرك العسكري لأنقرة في مناطق الشمال السوري على خط ملف إدخال المساعدات، خصوصا أن المعبر الوحيد الذي وافقت موسكو على استمرار العمل به هو معبر «باب الهوى» على الحدود مع تركيا. ورأى محللون أن الموقف الروسي المعارض لتمديد الآلية الدولية يصب في اتجاه الضغط الروسي على أنقرة لحملها على عدم توسيع نشاطها العسكري في المنطقة.
وبرر نيبينزيا الموقف الروسي، خلال جلسة مناقشات في مجلس الأمن، بأن الوضع الإنساني الراهن في سوريا، «لا يوفر سياقاً مناسباً للمناقشات عن تمديد آلية إيصال المساعدات عبر الحدود».
وزاد أنه «من الصعب التخلص من الشعور بأن الجهود التي تبذل لتبرير عدم وجود بديل لآلية نقل المساعدات عبر الحدود، هي أكثر مما يبذل من أجل تنظيم التوريدات عبر خط التماس».
وأكد أن «القضية بالنسبة إلينا لا تتمثل في أننا نعارض تقديم المساعدات للسوريين البسطاء، مثلما سيحاول بعض الوفود تقديمه (…) نحن ندعو المجتمع الدولي لمساعدة جميع السوريين دون أي تمييز، وإلى أن يقوم بذلك بشكل صريح ومن دون أي تسييس. ونحن نقف بعيداً عن ذلك للأسف».
ورأى الدبلوماسي الروسي أن «الموقف المتحيز للدول الغربية من هذا الملف لم يتغير خلال نصف العام الأخير»، مضيفاً أن الوضع الخاص بنقل المساعدات عبر الحدود لم يصبح شفافاً على الرغم من 3 جولات من المشاورات غير الرسمية.
وأكد أن «الحجج لصالح تمديد آلية نقل المساعدات عبر الحدود غير مقنعة؛ لأن عدم وجود البديل لها أمر مفتعل»، مشيراً إلى أن هذا الوضع ناجم عن عدم وجود أي عمل من قبل الدول الغربية.
وبشأن الشق السياسي، قال نيبينزيا إن روسيا تشيد بجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة «لتخليص منصة جنيف من التسييس واستئناف الدورات المنتظمة للجنة الدستورية، والحفاظ على الاتصال مع السوريين بهذا الصدد، بما في ذلك في إطار زيارته الأخيرة لدمشق في ديسمبر (كانون الأول) الحالي».
وكرر الموقف الروسي حول أن «القرارات المبدئية عن أطر الجولات المقبلة من المشاورات السورية-السورية يجب أن يتخذها السوريون بأنفسهم، ومن دون أي ضغوط خارجي».
بالتزامن مع هذا الموقف، شددت دمشق على أن «آلية إيصال المساعدات عبر الحدود» كانت إجراء مؤقتاً فرضته ظروف استثنائية لم تعد قائمة، وقالت إن الإصرار على استمرارها يعكس انتقائية فاضحة وتمييزاً بين السوريين.
وفي بيان خلال جلسة لمجلس الأمن حول سوريا، قال مندوب دمشق لدى الأمم المتحدة بسام صباغ، إن «الإصرار على استمرار تلك الآلية التي تحيط بها الكثير من العيوب والمخالفات يعكس انتقائية فاضحة وتمييزاً واضحاً بين السوريين الذين يستحقون الحصول على المساعدات الإنسانية».
ورأى أن «السعي المحموم للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لتمديد هذه الآلية من خلال ادعائهم الحرص الإنساني على الشعب السوري يتناقض مع حصارهم غير الأخلاقي وغير الإنساني غير المسبوق المفروض عليه».
وكان المبعوث الأممي إلى سوريا قدم تقريراً في بداية الجلسة، أطلع فيه المجلس على نتائج زيارته إلى دمشق قبل أسبوعين. وقال إنه لمس «أزمة إنسانية واقتصادية خانقة تستمر في التفاقم»، وقال إن هذا الوضع يزداد صعوبة مع استمرار النزاع، ومخاطر التصعيد العسكري، مشيراً إلى أن الوضع لم يتحسن على هذا الصعيد مع تزايد التقارير عن استمرار الغارات التي تشنها القوات الحكومية على مناطق الشمال الغربي، والغارات التركية في الشمال، والإسرائيلية على دمشق ومناطق الجنوب الغربي.
ودعا المبعوث الدولي إلى «تغيير هذه الديناميكيات المقلقة»، مشيراً إلى خمس أولويات عمل عليها خلال تحركاته الدبلوماسية تتمثل في ضرورة ضمان التراجع عن التصعيد وإعادة الهدوء النسبي، والإجراء الثاني هو تحديد إطار العمل في مجلس الأمن على صعيد إدخال المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين المحتاجين. والأولوية الثالثة تتمثل في استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية، ملاحظاً أنه «لا يوجد أي جديد فيما يتعلق بالموقف الروسي حيال اجتماعات جنيف»، لكنه أضاف أنه يواصل «الجهود في هذا الصدد بما في ذلك عبر تذكير دمشق بالحاجة إلى الرد على الخطاب الذي أرسله قبل ستة شهور إلى الأطراف السورية بشأن تحسين أساليب العمل خلال جولات التفاوض».
وقال بيدرسون إن الأولوية الرابعة التي يركز عليها هي تنشيط النقاش حول ملف المعتقلين والمخفيين. وقال إنه يتطلع خلال العام المقبل لإنشاء مؤسسة معنية بالمفقودين تحت تكليف ورعاية الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبناء على توصيات الأمين العام للمنظمة الدولية في هذا الشأن.
وقال إن النقطة الخامسة المهمة تتمثل في تعزيز الحوار نحو تحديد وتطبيق تدابير بناء الثقة وفقاً لمبدأ خطوة مقابل خطوة، وأعرب عن قناعة بقدرة السوريين والأطراف الدولية على إيجاد طريق لاتخاذ «بعض الخطوات الدقيقة والملموسة والمتبادلة» التي من شأنها أن تضع مقدمات لتحرك إيجابي نحو تنفيذ القرار الأممي 2254.

الشرق الأوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.