مجلس الأمن يوافق بالإجماع على تمديد تقديم المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر تركيا

 وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على تقديم المساعدات الإنسانية إلى نحو أربعة ملايين سوري في شمال غربي البلاد لمدة ستة أشهر أخرى عبر تركيا، متفادياً صراعاً معتاداً مع روسيا حول القضية. ويلزم صدور تفويض من المجلس المؤلف من 15 عضواً لأن السلطات السورية لم توافق على العمليات الإنسانية، التي تقدم المساعدات بما يشمل الأغذية والأدوية والمأوى للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا منذ 2014.
وتعيش سوريا نزاعاً مسلحاً منذ 11 عاماً، أنتج أكثر من 13 مليون محتاج، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، نصفهم مصنفون بأنهم نازحون داخلياً يعيشون في مخيمات شمال غربي سوريا، وينتظرون بصمت قراراً مصيرياً، بدءًا من العاشر من يناير /كانون الثاني/ لتجديد القرار الأممي لعبور المساعدات الإنسانية عبر الحدود.
ووفقاً لمنظمات إنسانية، يعاني الآلاف من سكان المخيمات شمال وشمال غرب البلاد، من انعدام الأمن الغذائي في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانزلاق آلاف العائلات إلى حدود الفقر وسط تصاعد الأزمة في المنطقة، لاسيما بعدما تقلصت الآلية الأممية لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا منذ 2014 وحتى الآن، حيث خفض عدد المعابر الإنسانية من 4 إلى 1، وسط ما يكابده السوريون من أوضاع معيشية قاسية.
وتطالب هذه المنظمات، المجتمع الدولي والأمم المتحدة، بتحمل مسؤوليتها الإنسانية تجاه الملف السوري، والمضي قدماً في تنفيذ القرارات الدولية وقطع الطريق أمام أي محاولة لمنع المساعدات الإنسانية عبر الحدود، ليبقى السؤال الأكثر إلحاحاً، ما مصير 4 ملايين سوري أكثر من نصفهم يقطنون في المخيمات مع إغلاق معبر باب الهوى أمام هذه المساعدات؟ وكيف يؤثر الفيتو الروسي على حياة 2.7 مليون شخص شهريًا؟ وهل إدخال المساعدات الأممية العابرة للحدود في سوريا في حاجة إلى إذن من مجلس الأمن؟

تسييس المساعدات

عضو مجلس إدارة “المنتدى السوري”، وهي منظمة تعمل بالشأن الإنساني والمدني في سوريا، المحامي ياسر تبارة، شرح لـ”القدس العربي” كيف أعاق النظام السوري وحلفاؤه على مدار عقد من الحرب التي يشنها ضد شعبه، بشكل ممنهج وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين المحتاجين، معتبراً أن إغلاق “شريان الحياة” فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية سيكون كارثياً، كما وصف ذلك بأنه جزء من تكتيكات “حرب الحصار” ضد المدنيين.
وبيّن أنه من الضروري مواجهة حقيقة واضحة، بأن النظام السوري يدفع بأن تمر المساعدات عبر دمشق الواقعة تحت سيطرته ومن ثمّ تقديمها عبر خطوط الجبهة للمناطق المحتاجة في شمال وشمال غربي سوريا (وهو ما يعرف بالمساعدات عبر “الخطوط” مقابل المساعدات عبر “الحدود”).
وأضاف عضو مجلس ادارة المنتدى السوري: “بسبب قيام النظام السوري بإعاقة وصول المساعدات الإنسانية، اتخذ مجلس الأمن الدولي في 14 تموز/ يوليو 2014 خطوات لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا وذلك بتبني القرار 2165 (2014) بالإجماع، والذي سمح بإيصال المساعدات عبر الحدود من خلال أربعة معابر حدودية: اثنان على الحدود التركية (باب السلام وباب الهوى)، وواحد على الحدود مع العراق (اليعربية) وواحد على الحدود مع الأردن (الرمثا). ورغم عدم وجود أي أساس قانوني قاطع يثبت أنه كان من الضروري حقاً السعي إلى إنشاء آلية عابرة للحدود بتفويض من مجلس الأمن الدولي لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا… ومع ذلك، وبغض النظر عن ضرورته، كان ينظر إلى تفويض مجلس الأمن الدولي للآلية العابرة للحدود على مدى سنوات عملها على أنه يعزز سلطات وكالات الأمم المتحدة وشركائها في المجال الإنساني للمشاركة في إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود بغض النظر عن احتجاجات السلطات السورية، مطالبة هؤلاء الشركاء في المجال الإنساني بمجرد إخطار تلك السلطات من أجل القيام بذلك.

المعبر الأخير

في البداية، يقول المتحدث: تم اقتراح تفويض مجلس الأمن الدولي للآلية العابرة للحدود لمدة 180 يوماً، وتم تمديده لاحقاً لمدة اثني عشر شهراً وتم تجديده بشكل شبه سنوي من خلال سلسلة من القرارات منذ عام 2014 حتى اليوم. لكن بمرور الوقت، أصبح من الواضح أن دعوة مجلس الأمن إلى المشاركة قد أدت إلى تسييس مساعدات من شأنها حماية وإنقاذ ملايين الأرواح. ومع مرور السنوات، بدأت روسيا في زيادة معارضتها للآلية العابرة للحدود، واعتباراً من يوليو /تموز/ 2020، لم يبق إلا معبر حدودي واحد فقط مفتوح، هو باب الهوى، وينظر إليه الآن على أنه المعبر الأخير الذي يمكن لوكالات الأمم المتحدة من خلاله تقديم المساعدات والدعم عبر شركائها في المجال الإنساني دون إذن مسبق وتدقيق من السلطات السورية.
وفي 11 تموز/يوليو 2020، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 2533 (2020)، الذي وافق على إيصال المساعدات عبر باب الهوى لمدة 12 شهرًا، حتى 10 تموز/يوليو 2021. غير إنه في 9 تموز/يوليو 2021، تم تبني القرار 2585 (2021) بالإجماع، والذي سمح مرة أخرى باستخدام المعبر الحدودي الوحيد في باب الهوى لمدة 6 أشهر فقط، مع تمديد تلقائي لمدة 6 أشهر إضافية. وفي 11 كانون الثاني/يناير 2022، جدد مجلس الأمن الدولي أصولاً تفويض الآلية العابرة للحدود دون تصويت جديد، ولكن مرة أخرى لمدة 6 أشهر فقط، حتى 10 تموز/يوليو 2022.
تجديد التفويض وفق وصف تبارة، لا يزال خطوة مرحباً بها، وسبب ذلك هو الأهمية الكبرى التي يكتسبها معبر باب الهوى فيما يتعلق بالتمويل والتوريد والعمليات اللوجستية المرتبطة بالمساعدات الإنسانية في شمال وشمال غرب سوريا، كما أن إغلاقه سيكون كارثيًا، ومع ذلك، فإن عدم اليقين المحيط باستمرار تقديم المعونة أظهر بشكل لا لبس فيه حقيقتين: أولاً، أن تفويض مجلس الأمن بشأن الآلية العابرة للحدود لن يستمر طوال الفترة التي تظل فيها ضرورية.
ويقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “يعتمد سكان شمال غرب سوريا على المساعدات الأممية العابرة للحدود بشكل جوهري، تستغل روسيا ظروفهم القاسية لتتخذ منهم رهائن، وتبتز المجتمع الدولي للحصول على مكاسب مادية وسياسية، وقد أكدنا منذ سنوات أنه يجب على المجتمع الدولي التخلص من الابتزاز الروسي للأبد، واتخاذ خطوة إدخال المساعدات الأممية الحيادية والضرورية دون الحاجة لإذن من مجلس الأمن”.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.