شمال سوريا: الشتاء والأمراض تهدد حياة النازحين في المخيمات

يواجه النازحون شمال غربي سوريا، ارتفاعاً في حجم الأزمات الإنسانية وآثارها على الفئات الضعيفة، حيث تتسع الفجوة بين الاحتياجات الإنسانية وقدرة المنظمات على استيعاب الضغط المتزايد، بينما باتت حياة الفئات الأكثر ضعفاً مهددة بالخطر في ظل انخفاض درجات الحرارة وتشكل موجات البرد والصقيع، وتسارع وتيرة تفشي الأمراض والأوبئة وخاصة الكوليرا في المنطقة.
ويعيش النازحون وفق تقارير منظمات حقوقية وإنسانية، في مخيمات لا تتوفر فيها متطلبات التدفئة، بينما تزيد الخيام الرثة والمهترئة من معاناتهم بسبب تضرر العديد منها نتيجة العوامل الجوية المختلفة، وسط مخاوف من إصابة الأطفال وكبار السن بأمراض جلدية وصدرية قد تؤدي إلى الوفاة. بينما لا يزال الكثير منهم غير قادرين على العودة لمناطقهم الأصلية بسبب تدمير منازلهم من قبل قوات النظامين السوري والروسي، فضلاً عن عدم استقرار الوضع الأمني.

«مدن القماش»

منظمة الخوذ البيضاء كشفت عن ظروف صعبة يواجهها الأهالي في “مدن القماش”، وقال الدفاع المدني السوري، إن الهطولات المطرية التي شهدتها المنطقة خلال اليومين الأخيرين أدت إلى تضرر 6 خيام بشكل كلي تقطنها 5 عوائل في مخيم بني خزاعة في بلدة كللي، وتسرب المياه إلى 15 خيمة في مخيم “صلاح الدين” في قرية خربة الجوز، وتجمع مياه الأمطار بمحيط مخيم الياسين شمالي مدينة معرتمصرين، وفي عدة شوارع داخل بلدة بداما في ريف إدلب. ونقلت المنظمة معناة الطفلة فاطمة التي تحاول جمع الحطب لتأمين الدفء لإخوتها الصغار، حيث تعيش مع عائلتها في مخيم غربي إدلب بعد تهجيرهم من ريف حلب الجنوبي، وتقول فاطمة: “حتى لو اشتغلت الصوبة الخيمة باردة وإخوتي بيمرضوا دائما من دخانها”. وأشار الدفاع المدني إلى أن هذه الظروف تزامنت مع تسجيل نحو 20 حالة وفاة بوباء الكوليرا وتسجيل أكثر من 555 حالة إيجابية، حسب الجهات الطبية، مع استمرار تفشي المرض في المنطقة.
وأمام ما تقدم، دعت منظمة “منسقو استجابة سوريا” المنظمات الإنسانية إلى توسيع عمليات الاستجابة الإنسانية في ظل عجز كافة النازحين عن تأمين المستلزمات الأساسية بسبب ارتفاع أسعارها. مدير المنظمة د. محمد حلاج، تحدث لـ”لقدس العربي” عما وصفها بـ “ظروف إنسانية صعبة وغير مسبوقة تهدد مخيمات النازحين بشكل خاص”. وقال حلاج إن معظم العائلات النازحة في مخيمات الشمال السوري، لم تحصل على مواد التدفئة، وذلك بالرغم من تقديم عدد من المنظمات الإنسانية المساعدة الشتوية بما يخص مواد التدفئة خلال الشهرين الماضيين، لافتاً إلى أن نسبة الحاصلين على مواد التدفئة لا تتجاوز 35 بالمئة من النازحين، مقابل 65 بالمئة لم تحصل على مخصصات الشتاء.

«البرد القاتل»

وأبدى مدير فريق “منسقو استجابة سوريا” تخوفه من تسجيل وفيات بين الأطفال وكبار السن في ظل انخفاض درجات الحرارة محذرا في الوقت نفسه، من زيادة الأمراض التنفسية وارتفاع الحرائق في المخيمات بسبب استخدام وسائل ومواد للتدفئة غير صالحة للاستهلاك كالمواد البلاستيكية، والملابس التالفة، والنايلون، مشيراً إلى أن العام الماضي سجل أكثر من 163 حريقاً تسبب بخمس وفيات وإصابة 42 مدنياً آخر، كما سجل العام الحالي أربع حرائق تسببت بإصابة امرأتين وطفلة. وفي ظل هذه الظروف، يستمر تسجيل الإصابات بمرض الكوليرا في مخيمات النازحين للأسبوع الـ20 على التوالي بعد تسجيل أول إصابة بمرض الكوليرا في سوريا في نهاية آب/أغسطس الماضي 2022.
وقالت منظمة “منسقو استجابة سوريا” الثلاثاء، إن عدد الإصابات المشتبهة بمرض الكوليرا داخل مخيمات النازحين في سوريا بلغ أكثر من 6,893 حالة، مع وجود أكثر من تسع وفيات مرتبطة بالمرض، في حين تظهر أن الفئات الأكثر تضرراً هي الأطفال واليافعين ضمن المخيمات. ووفقاً للمصدر فقد لوحظ خلال الأسبوعين الأخيرين تزايد عدد الحالات المسجلة بالمرض وخاصةً في مناطق عفرين والدانا وحارم والتي تضم أعداداً كبيرة من النازحين على عكس باقي المناطق السورية التي شهدت انخفاضاً ملحوظاً في أعداد الإصابات وتحديداً مناطق سيطرة النظام السوري وذلك بسبب توريد ملايين الجرعات من اللقاحات.

غياب اللقاحات

وأظهرت التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية WHO اكتمال عمليات التلقيح في مناطق النظام السوري ومناطق قوات سوريا الديمقراطية بشكل كامل في كل من الحسكة والرقة ودير الزور وحلب.
وقالت المنظمة، “لازالت مناطق شمال غرب سوريا تنتظر توريد اللقاحات الخاصة بالكوليرا مع وعود مؤجلة وموافقات طويلة للحصول عليها، على الرغم من وصول عدد الحالات المشتبهة بالكوليرا في شمال غرب سوريا إلى 37,738 حالة لتحتل المنطقة المرتبة الأولى في أعداد الحالات في سوريا”.
وحذر الفريق من “ممارسة ازدواجية المعايير التي تقوم بها المنظمات الدولية اتجاه حقوق المدنيين في الشمال السوري، وهذا ما لوحظ من خلال إبطاء دخول المساعدات الإنسانية وخاصةً الطارئة والتي تتعلق بالقطاع الطبي في المنطقة” وطالب الوكالات الدولية والمنظمات الإنسانية ببذل المزيد من الجهود من خلال تقديم الدعم الصحي اللازم للمؤسسات الصحية في المنطقة، والعمل على احتواء الأمراض المنتشرة والحد من انتشارها، إضافة إلى تقديم الدعم اللازم للسكان المدنيين في المنطقة في ظل ارتفاع أسعار المواد بشكل كبير يفوق قدرة المدنيين على تأمينها بشكل يومي، وأبرزها المياه ومواد التعقيم والمواد الاخرى.

عجز هائل في المساعدات

التقارير الأممية الصادرة عن عمليات التمويل الانساني في سوريا، أظهرت حتى بداية العام الحالي 2023 العجز الهائل في عمليات الاستجابة الإنسانية لسوريا حيث تجاوز العجز المسجل 52.5 % حتى نهاية عام 2022 وهو ما يخالف التقارير السابقة التي تحدثت عن استجابة إنسانية تجاوزت عتبة 70% من مجمل العمليات الإنسانية في سوريا. وتزداد المخاوف لدى المنظمات الإنسانية من استمرار العجز في تمويل العمليات الإنسانية في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة.
وتظهر الإحصائيات المقدمة من قبل الأمم المتحدة وصندوق التمويل الانساني عمليات تمويل الاستجابة الإنسانية في سوريا خلال الأعوام الخمسة السابقة مع ملاحظة ارتفاع نسب العجز بشكل كبير مع زيادة عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية، حيث ارتفعت أعداد المحتاجين للمساعدات من 11 مليون نهاية 2018 إلى 15.3 مليون مع بداية عام 2023 بزيادة قدرها 30% خلال الأعوام الخمسة السابقة.
وعلى الرغم من تركيز المنظمات الإنسانية على العديد من البرامج الأساسية أبرزها الغذاء والمخيمات والمياه إلا أنها لازالت تشهد تراجعاً مستمراً مع غياب التمويل اللازم، حيث لم تستطع الأمم المتحدة تأمين التزامات المانحين الفعلية التي تم التعهد بها سابقاً خلال مؤتمرات المانحين، وقالت المنظمة “جميع الأرقام المعلن عنها حتى الآن تشمل كافة الأراضي السورية ولدى الانتقال إلى مناطق شمال غرب سوريا نلاحظ وجود عجز هائل في عمليات الاستجابة الإنسانية، الأمر الذي يظهر النتائج الكارثية المتوقعة على المدنيين عموماً والنازحين ضمن المخيمات بشكل خاص خلال فصل الشتاء الحالي”.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.