«الدفع الإلكتروني» يربك السوريين ووزير سابق يطالب بوقفه

فرضت الحكومة السورية منذ مطلع العام الحالي «آلية الدفع الإكتروني» لاستيفاء فواتير الاتصالات والكهرباء والمياه، بالإضافة إلى حصر المعاملات كافة، ما تسبب بارتباك شديد بين المستهلكين، دفع وزير التجارة السابق عمرو سالم إلى المطالبة بإيقاف إلزامية الدفع الإلكتروني لحين معالجة البديهيات التي لم يتم الانتباه لها ولا حسبانها قبل هذا التحوّل.

اضطر حسين (46 عاماً) إلى الوقوف بالطابور ليومين متتاليين، كي يتمكن من تغذية حسابه لدى إحدى الشركات التي تقدم خدمة الدفع الإلكتروني لتسديد الفواتير. يشكو حسين مشكلته لموظفة شركة الاتصالات، قائلاً إن «التطبيق لا يعمل منذ أسبوع، وأحاول التسديد دون جدوى، وقد تم قطع خطوط الهاتف للتأخر بدفع الفواتير، فما الحل؟»

من أسباب عدم نجاح النظام الجديد أنه يتطلب امتلاك حساب مصرفي أو حساب لدى الشركات المقدمة للخدمة، علماً أن الغالبية العظمى من السوريين ليست لديهم حسابات مصرفية، وليست لديهم دخول عالية تغذي الإيداعات، ما يشكل عبئاً على المصارف، وفق مصادر اقتصادية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، اعتبرت أن المصارف السورية لا تستوعب فتح حسابات للسوريين كافة، لذا دخلت شركات خاصة إلى جانبها لتقديم هذه الخدمة، مثل شركتي هاتف محمول وشركات خاصة أخرى تتقاضى عمولة على تغذية الحساب. وبذلك نقلت الحكومة الطوابير من مؤسساتها إلى المصارف والشركات الخاصة، ما أفسح المجال لدخول وسطاء «مندوبي الشركات الخاصة» لتقديم خدمة تغذية الحسابات في الشركات وتقاضي عمولة أخرى، أو أن يقوم هؤلاء المندوبون بخدمة تسديد الفواتير، خصوصاً في الأحياء والأرياف التي لا توجد فيها مصارف أو فروع للشركات الخاصة.

طابور سيارات عند محطة لتعبئة المحروقات في دمشق (أرشيفية – رويترز)

وأصبح هذا النوع من الأعمال رائجاً، في ظل امتلاك عدد كبير لأجهزة الهواتف المحمولة القديمة، أو من لا تتوفر في منطقتهم خدمة الإنترنت، وكذلك من لا قدرة مالية له لتغذية الحساب، وهؤلاء يعدون بمئات الألوف، وقد أصبحوا زبائن دائمين لدى المندوبين.

يشار إلى أن غالبية السوريين يحملون هواتف محمولة قديمة بعد فرض الحكومة رسوماً جمركية باهظة على الأجهزة الحديثة، وكثير ممن لديهم أجهزة حديثة يستخدمونها للتطبيقات عبر الواي فاي فقط، كي لا تلتقطها شبكة الاتصالات، ويضطرون لدفع رسوم الجمرك والغرامات. أما تطبيقات الدفع الإلكتروني فيجب أن تحمل على جهاز يحتوي شريحة الاتصال حيث يتم ربط رقم الهاتف مع الرقم الوطني للبطاقة الشخصية.

وأحدث قرار الدفع الإلكتروني ارتباكاً كبيراً، اضطر مدير الدفع الإلكتروني في المصرف التجاري السوري، وسيم العلي، إلى تبرير ذلك في تصريحات للإعلام المحلي، والإقرار بظهور مشكلات في المخدمات، «كونها غير مهيأة لأن يدخل هذا العدد الكبير من المواطنين في وقت واحد».

وقال إنهم لم يتوقعوا حجم «المرور الكبير لعمليات الدفع الإلكتروني»، وإنهم يعملون على مدار الساعة على حل المشكلات التقنية غير المتوقعة، مشيراً إلى أن قطع الاتصالات عن المتأخرين عن التسديد زاد من الضغط على الشبكة، وهذا يتطلب من الجهات المعنية في بداية الدفع الإلكتروني «منح تسهيلات أكثر من أجل عدم حصول اختناقات، وتطوير منظومتها وتوسيع حزمة شبكتها والهاردات».

صورة تخيلية لتطبيقات الهاتف المحمول (رويترز)

وأعلنت وزارة الاتصالات السورية، السبت، أن عدد الفواتير المسددة إلكترونياً لصالح «السورية للاتصالات» منذ بداية العام الحالي بلغت 1012838 فاتورة هاتف، وخلال الأيام الثلاثة الأخيرة تم تسديد قيمة 166606 فاتورة هاتفية.

يشار إلى أن الحكومة رفعت قبل نحو 3 أشهر أسعار خدمات الاتصال الخلوية والثابتة وشبكة الإنترنت، بزعم تأمين النفقات المتزايدة على شركات الاتصال، في ظل الارتفاع الكبير لأسعار مشتقات النفط وتدنّي سعر الصرف.

عادل (52 عاماً)، مزارع من ريف حمص، شكا من غياب تغطية شبكة الإنترنت والهواتف المحمولة عن منطقته، وانقطاع خطوط الهاتف الثابت أثناء انقطاع الكهرباء لعدم توفر مواد الطاقة لتشغيل أبراج البثّ، منذ أكثر من عامين، ومع ذلك سارع فوراً لتحميل تطبيق الدفع الإلكتروني، وقال إنه يضطر إلى قطع مسافة 20 كيلومتراً باتجاه أوتوستراد دمشق ـ حمص، أو الوصول إلى مدينة حمص ليلتقط إشارة الشبكة كي يتمكن من فتح تطبيق الدفع الإلكتروني، وغالباً لا يتجاوب. ويضيف مستنكراً: «ابني حُرم من التقدم للامتحان في الجامعة بسبب عدم تجاوب تطبيق تسديد الرسوم».

من جانبه، طالب وزير التجارة الداخلية السابق عمرو سالم بإيقاف إلزامية دفع الفواتير الإلكتروني إلى أن «تتم معالجة البديهيات التي لم يتم الانتباه لها ولا حسبانها قبل هذا التحوّل». وعدّد سالم في منشور على حسابه في «فيسبوك» تلك «البديهيات»، وهي عدم وجود تغطية «للنت» في أقسام واسعة من الريف السوري، وعدم تحمل الشبكات والمخدمات ضغط ملايين عمليات الدفع في أوقات محددة. وقال إن «الوضع الحالي للدفع الإلكتروني يتعارض مع الغاية منه»، بل يزيد المعاناة و«لا يقدم فائدة». وأكد سالم أن الدفع الإلكتروني «لا يحتاج إلى إعادة اختراع العجل». والمسألة ليست «مجرد شراء مخدمات ومحولات وبرامج».

الشرق الأوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.