روسيا تهزم في اوكرانيا وتنتقم في سوريا

نقلت وكالات الأنباء أمس خبراً يقول ان عشرات الضباط والمستشارين الروس من أعلى الرتب العسكرية وصلوا الى سوريا في الأسابيع الأخيرة وانضموا للقتال الى جانب الجيش السوري ضد المعارضة كما أن موسكو زادت المساعدات اللوجستية والاستخباراتية والأسلحة بشكل كبير ووضعت بتصرف الجيش السوري ‘قدرات استخباراتية بحجم دولة عظمى’ لتعقّب مقاتلي المعارضة السورية وتوجيه ضربات لهم، وأن هذا القرار جاء من بوتين شخصياً.

يأتي هذا في الوقت الذي يتهاوى النظام الأوكراني الموالي لروسيا بشكل سريع ويسقط رجلها المعتمد القديم فيكتور يانوكوفيتش الذي طردته الجماهير الأوكرانية للمرة الثانية من منصبه خلال عشر سنوات (2004 و2014) وشوهد يوم الجمعة الماضي هو وزوجته وكلبها يركضان للهروب بمروحيّة على عادة المستبدّين.

يانوكوفيتش الذي استقوى بالدعم الروسيّ الكبير لم يعتبر من مصير الطغاة العرب، أو لعلّه اعتبر نظام الرئيس السوري بشار الأسد قدوة يمكن القياس عليها، متجاهلاً الفوارق الجغرافية والسياسية بين أوكرانيا وسوريا.

رغم ذلك فإن نظرة متفحّصة الى النظامين تكشف لنا التشابه الذي يصنعه حلف الاستبداد والفساد، فكما قام الأسد بتمليك سوريا لأقربائه وعائلته، قام يانوكوفيتش بتحويل أسرته إلى مجموعة سياسية مالية أثرت باستغلال نفوذها السياسي، ومن هؤلاء إبنه الكسندر، الطبيب الذي تحوّل الى رجل أعمال.

وكان قرار البرلمان الأوكراني استعادة قصر يانوكوفيتش الفخم، الذي يحتوي مدرج طائرات واسطبلات وملعبا للغولف وحديقة حيوانات خاصة ومتحفاً للسيارات العسكرية السوفييتية القديمة، إشارة لمحاربة حلف الفساد والاستبداد هذا، وكذلك سيطرة المعارضة على القصر وهروب قوات الحرس الخاص مع رئيسهم الى المدينة التي ولد فيها.

الانتصار الكبير الذي حققته المعارضة الأوكرانية لا يكفي لتجاهل أرصدة النفوذ الكبيرة الموجودة لموسكو في اوكرانيا، الممثلة بمصالح فئات اجتماعية كبيرة مع روسيا، وخصوصاً في شبه جزيرة القرم، التي هدّدت بالانفصال، وشرق اوكرانيا مسقط رأس الرئيس المعزول منه.

واذا كانت موازين القوى الداخلية والخارجية المستجدّة بعد انتفاضة الشعب الأوكراني تمنع روسيا، حالياً، من التدخل العسكري في اوكرانيا، فإن حجم أوكرانيا الكبير والمعنى السياسي الهائل لثورتها المؤهلة للانتقال إلى بلدان أخرى موالية لروسيا (وربما إلى روسيا نفسها) سيجعلان القيادة الروسيّة أكثر عدوانيّة وانغماساً في الحرب التي تشنّها ضد الشعوب.

ما ستفعله روسيا، في ضوء التحليل الآنف، هو تفعيل أوراقها الاقتصادية والسياسية والعسكرية لإفشال الثورة الأوكرانية، وهو أمر سيزيد الاستقطاب السياسيّ الكبير هناك وقد يفتح الأفق على حرب أهلية مديدة، وهو الخطّ السياسي الذي تم اتباعه مع سوريا.

ولأن القيادة الروسية اجتهدت في العمل على إفشال الثورتين الأوكرانية والسورية، اعتبر السوريون الثائرون على النظام هروب يانوكوفيتش انتصاراً شخصياً للثورة السورية، بل وشارك بعضهم في قتال الشوارع ضد نظام يانوكوفيتش رافعين علمي الثورة السورية وأوكرانيا الثائرة جنباً الى جنب في ميدان الاستقلال بكييف.

يكشف وجود لافروف في العراق أثناء احتدام المعارك في كييف، والتكثيف السريع في تسليح الجيشين العراقي والسوري تحت يافطة واحدة (مكافحة الإرهاب)، على الأهمية التي توليها روسيا للملفّ السوري في استراتيجيتها العالمية، كما يدلّ على أن تضعضع نفوذها في أوكرانيا سيزيد من عدوانيّتها في المنطقة العربية، الأمر الذي انعكس بسرعة في تسليمها أنواعاً حديثة من الأسلحة الخطيرة للجيش السوري خلّفت قنابلها العنقودية المستخدمة في 9 محافظات سورية 1470 قتيلاً خلال أسبوع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.