تقف الجسور الرئيسية التي يزيد تعدادها عن 25 جسرا بريا ونهريا تربط ضفتي نهر الفرات، في محافظة دير الزور، في مقدمة أزمات المحافظة التي تعاني من دمار هائل في البنية التحتية نتيجة سنوات الحرب، إذ تشهد المحافظة الشرقية حالة من الشلل شبه التام، بعد أن تحولت جسورها الحيوية إلى ركام بفعل عمليات القصف الممنهجة.
وتعتبر محافظة دير الزور ثاني أكبر محافظة سورية من حيث المساحة، انضمّت إلى الحراك الشعبي في مارس/ آذار 2011، وخرجت أجزاء كبيرة منها عن سيطرة قوات النظام السوري نهاية عام 2013، وسيطر تنظيم «داعش» عليها في تموز/ يوليو 2014 باستثناء أحياء الجورة والقصور وهرابش، ومطارها العسكري، التي بقيت حتى الآن خاضعة لسيطرة قوات النظام السوري.
وتضم المحافظة 6 جسور رئيسية على نهر الفرات دمرت بشكل كامل، وكان أبرزها الجسر المعلق، الذي يُعتبر رمزا للمدينة، بالإضافة إلى جسور أخرى على نهر الخابور وأخرى داخل محافظة دير الزور، حيث تعرّضت هذه جسور إلى قصف ممنهج من قبل النظام السوري وحليفه الروسي، وقوت التحالف الدولي، منذ اندلاع الثورة السورية، لقطع طرق الإمداد بين مدن المحافظة.
وتمر فروع نهر الفرات عبر محافظة دير الزور ويقسم النهر كلا من ريفيها الشرقي والغربي إلى ضفتين، كما يمر عبر ريفها الشمالي فرع للفرات يسمى «نهر الخابور»، ويخترق مدينة دير الزور نهر فرعي صغير، وقد أقيمت على هذه الأنهار قرابة 25 جسرا، منها 14 جسرا نهريا، و11 جسرا بريا.
الناشط الميداني سليمان الكاحط من سكان وأهالي دير الزور يقول لـ «القدس العربي» إن معظم هذه الجسور تحولت اليوم إلى ركام، مما أدى إلى عزل المدينة عن ريفها وقطع شرايين الحياة بين أهلها.
مدينة مقطعة الأطراف
وأضاف أنه خلال العمليات العسكرية التي شهدتها المحافظة، تعرضت جسورها الحيوية للقصف والتدمير الممنهج، وأدى ذلك إلى شل حركة النقل بشكل كامل، وعزل مناطق واسعة عن بعضها البعض، ما أعاق بشكل مباشر عودة آلاف النازحين الذين كانوا ينتظرون فرصة للعودة إلى ديارهم وممارسة حياتهم الطبيعية.
ومن أهم هذه الجسور حسب المتحدث، جسر السياسية الذي يعتبر شريانا رئيسيا يربط المدينة القديمة بأحيائها الجديدة، وتعد إعادة ترميمه على رأس سلم الأولويات في المحافظة لما له من نتائج إيجابية على الازدحام المروري وتسهل حركة الأفراد والمركبات.
إضافة إلى جسر المريعية الذي يربط مناطق الريف بالمدينة، وهو حسب المتحدث «ضروري وحيوي للمزارعين لنقل محاصيلهم الزراعية إلى الأسواق، مما يدعم الأمن الغذائي والاقتصاد المحلي» إضافة إلى جسر العشارة الذي يربط بلدة درنج بالعشارة ويعد من أهم الجسور في المنطقة بسبب جغرافيتها وابتعاد الجسور عنه، إذ إن أقرب جسر عبور بين شطي الفرات، يبعد عنه نحو 20 كيلومترا، وذلك عند جسر الميادين المدمر، وجسر السياسية البعيد قرابة 45 كيلوا مترا، إضافة لجسر الباغوز الذي يربط منطقة الباغوز بمدينة البوكمال أقصى شرق دير الزور.
وبرأي المهندس بركات العلي من أبناء المدينة لـ «القدس العربي» فإن هذه الجسور هي أكثر من بنية تحتية، و«إعادة بناء الجسور ليست مجرد دعوة لإعادة إعمار منشآت هندسية، بل هي دعوة لإعادة إحياء الحياة في المحافظة، كونها تشكل حجر الزاوية في أي جهود للتعافي والاستقرار». ويضيف: تسهّل إعادة إعمار الجسور عودة النازحين، إذ تمنح الجسور الأمل في العودة الآمنة، وتسهل عليهم الوصول إلى الخدمات الأساسية كالمدارس والمستشفيات، كما يعيد بناء الجسور الحركة التجارية إلى طبيعتها، مما يساهم في تحسين الظروف المعيشية لسكان المحافظة.
وحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن الجسور في دير الزور تعتبر صلة الوصل الأساسية التي يستخدمها السكان للتَّنقل بين البلدات والقرى وبين الريف والمدينة، الأمر الذي جعل منها هدفا لجميع الأطراف المتنازعة هناك، وبشكل خاص قوات التحالف الدولي والنظام السوري. ومع خروج جسور المحافظة عن الخدمة، انفصلت المدينة عن ريفها، مما فرض عزلة خانقة على سكانها وعرقل حركة الأفراد والبضائع وكافة مناحي الحياة.
المعابر المائية حلّ اضطراري
في ظل غياب الجسور، لجأ سكان دير الزور حسب شبكة «جسر» المحلية، والتي تعنى بأخبار دير الزور «إلى استخدام المعابر المائية لعبور نهر الفرات، سواء للتنقل الشخصي أو لنقل البضائع والسيارات، ورغم كونها وسيلة بديلة، إلا أنها تفتقر لأبسط معايير السلامة، ما تسبب مؤخراً بكوارث إنسانية».
وحسب المصدر، فقد غرقت «عبّارة مائية في نهر الفرات في منطقة الجنينة في ريف دير الزور الغربي، وكانت تحمل سيارة من نوع «إنتر» محملة بالإسمنت وعدداً من الركاب».
«وتسبب انحراف السيارة عن مسارها في اختلال توازن العبارة، ما أدى إلى انقلابها وغرق أحد الركاب، وهو شاب في العقد الثالث من عمره، فارق الحياة متأثراً بالحادثة».
وفي اليوم نفسه من منتصف شهر إبريل / نيسان الفائت، «تكررت المأساة، حيث غرقت عبّارة أخرى في معبر حطلة شمالي دير الزور، ما أدى إلى سقوط شاحنة محملة بالخضار في النهر. واقتصرت الأضرار هذه المرة على الخسائر المادية، لكنها زادت من مخاوف السكان وعمّقت الإحساس بالخطر الداهم من استخدام هذه المعابر اليومية».
جمود الأسواق
وقد أدى قصف الجسور وتدميرها، وخروجها عن الخدمة، وعدم القدرة على إصلاحها، حسب التقرير «إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية مسَّت حياة السكان المحليين بشكل عميق ومباشر، حيث أدى ذلك إلى تقييد شديد في تنقلاتهم بين الريف والمدينة، وبين قرى وبلدات الريفين الغربي والشرقي؛ الأمر الذي أثَّر على الحركة الاقتصادية، وتسبَّب في جمود ملحوظ في حركة الأسواق، وبالتالي قدرة المدنيين على تأمين حاجياتهم اليومية، كما انعكس أيضاً على الحالة الصحية حيث تتركز المشافي والمراكز الطبية في المدن الرئيسة، وتعقَّدت عمليات نقل الحالات الإسعافية، وقد اضطر السكان المحليون إلى الاعتماد على القوارب لعبور النهر، لكنَّ ذلك أدى إلى أعباء مادية ومعنوية مُخيفة، كما تعرَّض بعض القوارب لحوادث غرق».
ووثَّق تقرير الشبكة ما لا يقل عن 29 حادثة اعتداء على الجسور في محافظة دير الزور منذ آذار/ 2011 تسبَّبت في تضرر ما لا يقل عن19 جسراً خرج 14 منها عن الخدمة.
وتوزعت حوادث الاعتداء على 9 حوادث على يد قوات النظام السوري و15 على يد قوات التحالف الدولي و2 على يد التنظيمات الإسلامية المتشددة، و1 على يد القوات الروسية، مؤكدا أن الجسور التي قامت قوات التحالف الدولي والنظام السوري بتدميرها لم تستخدم بشكل غير عادي أو بشكل داعم للعمليات العسكرية على نحو منتظم.
القدس العربي