كشف ياسر الفرحان، المتحدث الرسمي للجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري، عن إحالة 298 متهما بالاعتداءات على المدنيين، و265 متهما بالاعتداءات على عناصر الأمن العام، إلى القضاء، عازياً عدم كشف هوياتهم، إلى «حماية حقوقهم وحرصاً على عدم تواريهم عن العدالة وتجنباً لأعمال انتقام قد تتطور إلى فتنة أهلية».
في مارس/آذار الماضي، أسفرت مواجهات عن سقوط مئات الضحايا في مدن وبلدات اللاذقية وطرطوس، معظمهم من المدنيين، وسط اعتراف من الحكومة السورية بارتكاب عناصر في الجيش انتهاكات، مما دفعها لتشكيل لجنة للتحقيق.
وقال لـ«القدس العربي»: أحالت اللجنة الوطنية إلى القضاء 298 شخصا متهمين بالاعتداءات على المدنيين، و265 شخصا متهمين بالاعتداءات على عناصر الأمن العام. كما سلّمت لوائح بأسمائهم وخلفياتهم وكافة المعلومات المتعلقة بهم إلى السلطات القضائية. غير أن اللجنة التزمت بمبدأ عدم الإضرار.
وأشار إلى أن اعتداءات أودت بحياة أكثر من 235 شخصاً من القوات الحكومية الذين شهد الأهالي بأنهم منذ التحرير كانوا بينهم وملتزمون بحمايتهم وبأصول احترامهم.
وتحدث عن أسباب عدم إعلان أسماء المتهمين، حيث قال: لم تعلن اللجنة أسماء المتهمين علنا قبل صدور الأحكام، التزاما بالمعايير الدولية التي تضمن حماية حقوق المتهمين، وحرصاً على عدم تواريهم عن العدالة إذا أُعلن عن أسمائهم مبكرا، وتجنباً لأعمال انتقام قد تتطور إلى فتنة أهلية في مجتمعات متداخلة جغرافياً.
بناء على ذلك، «لم تنشر اللجنة أسماء من يزعم أنهم من عناصر النظام السابق، ولم تنشر كذلك أسماء المتهمين بالانتهاكات». وأكد الفرحان قناعته بأن النائب العام والدوائر القضائية في وزارة العدل تواصل مهامها في فحص الملفات المحالة وبأنها تباشر إجراءات التوقيف والتحقيق».
وبيّن أن اللجنة تشكّلت لتعمل باستقلالية تامة، بعيدا عن أي تدخل من السلطات، وتحركت في عملها على أرض الواقع في مسرح الأحداث، وأماكن وقوع الاعتداءات والانتهاكات، فعاينت المواقع، وكشفت على أماكن الدفن، ووصفت مشاهداتها المباشرة، كما استجوبت الموقوفين، واستمعت إلى إفادات ممثلي الجهات الحكومية والقيادات العسكرية الميدانية وعائلات الضحايا والشهود.
وأضاف: استمعت اللجنة إلى الشهود من مختلف الفئات، ودونت أكثر من 900 إفادة، وأسندت جانبا من أعمال التوثيق القانوني إلى سيدات علويات خبيرات في تدوين الضبوط، كممثلات عن مجتمع الضحايا.
والتزمت وفق فرحان، في عملها بالمعايير الدولية المعتمدة: الحياد، عدم الإضرار، الشفافية، النزاهة، والاستقلالية. وقد حظي هذا النهج باعتراف وتقدير من مختلف الأطراف الدولية، وهو ما يتنافى مع أي تشكيك لاحق في مصداقية اللجنة.
واعتبر أن التقييم الإيجابي لعمل اللجنة كان واضحاً في بيانات الأطراف الدولية المعنية.
وأوضح أن اللجنة بحثت في الانتهاكات والاعتداءات وفي السياقات وخلفية الأحداث، بما فيها الأعمال العدائية المنظمة التي شنتها مجموعات مرتبطة بنظام الأسد، استهدفت عناصر الأمن العام المكلّفين بحماية الأهالي، الأمر الذي خلفّ فراغاً أمنياً في المنطقة.
وحسب الفرحان فإن «الإشاعات التي سرت حول وجود ماهر الأسد في قاعدة حميميم، غذّت المخاوف الشعبية من عودة النظام السابق برموزه، الأمر الذي أثار ردود فعل واسعة بين ملايين السوريين الذين ذاقوا على يده جرائم ضد الإنسانية. لقد كان هاجس هؤلاء أن عودة النظام ورموزه قد تعني ارتكاب مجازر إبادة جماعية جديدة بحقهم، وهو ما فاقم حالة الفوضى وانعدام السيطرة، في ظروف ما زال فيها الجيش الوطني ومؤسسات الدولة في مرحلة إعادة البناء ولم تكتمل إجراءات التدريب والحوكمة وتوفير الموارد البشرية والتكنولوجية و حل الازمة المالية بشأنها بعد»
وهذه الظروف، كما يوضح، «لا بد من أخذها في الحسبان عند تقييم المسؤوليات، وهو ما تؤكد عليه أيضا السوابق القضائية لمحكمة العدل الدولية والمحاكم الجنائية الدولية في قضايا مشابهة.
وأصدرت ثلاث من أبرز المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية «هيومن رايتس ووتش»، و«سوريون من أجل الحقيقة والعدالة»، و«الأرشيف السوري» تقريرا مشتركا حول أحداث الساحل.
وقالت المنظمات إنه «رغم أن الحكومة السورية الانتقالية أعلنت التزامها بالمحاسبة وتعهدت بالتحقيق» تكشف المنظمات أن «الشفافية حول دور كبار القادة العسكريين والمدنيين كانت محدودة للغاية، وأن الإجراءات ركّزت على أفراد منفذين دون التطرق إلى المسؤولية المؤسسية أو القيادية.
وأشار الفرحان إلى توقيت التقرير وتزامنه مع اجتماعات الجمعية العمومية التي تشهد تضافراً في جهود دولية وسورية رسمية وشعبية لرفع العقوبات والحفاظ على وحدة وسلامة البلاد ومنع العدوان والمضي في تدابير العدالة والسلام المستدام، وأكد، مع احترامه لتاريخ «هيومن رايتس ووتش» أسفه على تأثر فريقها بالمنظمة الشريكة معها في التقرير، والتي يلاحظ المراقبون الحقوقيون ضعفاً في المهنية والحياد لديها.
واعتبر أن تحميل القيادات العليا المسؤولية بشكل اعتباطي ودون أدلة، أمر لا يستقيم قانونياً. فالمعلومات المتوفرة لدى اللجنة تشير بوضوح إلى أن هذه القيادات بذلت كل الجهود الممكنة للحيلولة دون وقوع الانتهاكات، وعملت على الحد منها بعد وقوعها، كما أجرت مراجعات وتقييمات داخلية، وفتحت تحقيقات لمحاسبة المتورطين. الدولة لم تنكر هذه الانتهاكات، بل سارعت إلى تحمل مسؤولياتها، وهو ما جسدته اللجنة في توصياتها بجبر الضرر الواقع على الضحايا، باعتباره أثراً لتحمل الدولة مسؤولياتها.
وزاد: «تحميل القيادات أو إلصاق الاتهامات بها دون وجود دليل على إصدار أوامر بارتكاب الانتهاكات هو تجنّ على الحقيقة، خصوصا أن الوقائع جرت في ظروف معقدة لم تكن للقيادة سيطرة كاملة عليها، وفي ظل تحركات عشوائية من أفراد مجموعات مسلحة مختلفة بدوافع متعددة أوضحتها في النتائج المعلنة لتقريرها في الإحاطة الإعلامية التي نشرتها».
فضل عبد الغني، مدير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان»، اعتبر أن تقرير المنظمات» لم يأتِ بجديد على صعيد الحقائق الجوهرية مقارنة بما سبق أن وثقته لجنة التحقيق الدولية وتقارير الشبكة السورية لحقوق الإنسان».
وأوضح لـ «القدس العربي» أن أهمية التقرير تكمن في تعزيز وتأكيد النتائج السابقة، مشيرا إلى أن حجم الانتهاكات الموثقة هائل ويستدعي صدور عدة تقارير متتابعة، غير أن الصورة العامة للأحداث، وتطورها الزمني، والسياق الذي جرت فيه، باتت واضحة لكل من يسعى إلى معرفة الحقيقة.
وأضاف»: التقرير يخاطب في جوهره طرفين أساسيين: أولهما من يسعى إلى إنكار السياق الكامل للأحداث وتجاهل التجاوزات التي ارتُكبت بحق قوات الأمن والجيش، وثانيهما من يحاول المبالغة في حجم الانتهاكات التي وقعت في الساحل. وأكد أن التقرير، بما تضمنه من عرض متوازن وتسلسل منطقي للوقائع، يشكل مصدرا مفيدا للطرفين على حد سواء.
ولفت إلى أن الحكومة باتت تملك اليوم رصيدا جيدا من التقارير الموثوقة التي يمكن أن تبني عليها خطوات جدية في مسار المتابعة والمحاسبة، معرباً عن تطلع الشبكة إلى صدور التقرير الوطني وتقديم تحديثات دقيقة حول المرحلة التي بلغتها إجراءات المساءلة.
القدس العربي