سوريا تؤسس أول برلمان بعد الأسد وسط مخاوف من إقصاء سياسي.. “الفائز يأخذ كل شيء”

 تشهد سوريا، يوم الأحد، تصويتًا غير مباشر لتأسيس أول برلمان لها منذ الإطاحة بـالمخلوع بشار الأسد، وهي خطوة رئيسية في عملية الانتقال من حكمه، لكنها أثارت مخاوف بشأن الإقصاء السياسي في ظل القيادة الجديدة للبلاد.

ويُعقد التصويت في وقت يحاول فيه الرئيس أحمد الشرع تعزيز قبضته على دولة مزّقتها حرب دامت 14 عامًا وشهدت موجات عنف طائفي في الآونة الأخيرة، وهو ما أثار شكوك الأقليات حول الحكومة التي يقودها الإسلاميون.

والانتخابات غير مباشرة، تختار فيها هيئات انتخابية إقليمية تضم ستة آلاف ناخب، ثلثي أعضاء البرلمان البالغ عددهم 210. ووافقت لجنة عيّنها الشرع على 1570 مرشحًا. وسيعيّن الشرع الثلث المتبقي من المقاعد.

وكان الشرع زعيمًا لـ “جبهة النصرة”، فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، ثم فكّ الارتباط مع التنظيم المتشدد عام 2016، وأسس “هيئة تحرير الشام” التي تمكنت قوات المعارضة تحت قيادتها من الإطاحة بالأسد، في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.

وتقول السلطات إنها لجأت إلى هذا النظام بدلًا من الاقتراع العام لافتقارها إلى بيانات موثوقة للسكان، وبعد نزوح ملايين السوريين بسبب الحرب.

ولأسباب أمنية وسياسية، قررت الحكومة تأجيل العملية في الشمال الشرقي، الذي تسيطر عليه سلطات يقودها الأكراد، وفي محافظة السويداء، التي تسيطر عليها بشكل رئيسي جماعات مسلحة درزية. وهذا يعني أنه من المتوقع أن يبقى 19 مقعدًا في البرلمان شاغرًا.

مخاوف من الإقصاء

هاجم منتقدون هذه الخطوات، قائلين إن التصويت الجزئي وغير المباشر لا يمثل كل الشعب، فضلًا عن إدارة العملية بشكل مركزي للغاية.

فمدينة دير الزور الشرقية مثال صارخ على ذلك، إذ يقسمها نهر الفرات إلى جزءين: النصف الغربي الذي تسيطر عليه الحكومة، حيث سيُجرى التصويت، والنصف الشرقي الذي يسيطر عليه الأكراد، حيث لن تُعقد الانتخابات.

وقال حسن محمد دالي، أحد سكان الضفة الشرقية: “أنا ما بيرضيني أنه هونيك في انتخابات وهنا ما في. بدنا شيئًا يخدم المنطقة كلها. سوريا موحدة”.

ويقول المنتقدون إن هذه العملية تفتقر أيضًا إلى مشاركة المرأة والأقليات الدينية والعرقية.

تشكل النساء 20 بالمئة على الأقل من المرشحين في ربع الدوائر الانتخابية فقط، ولا تتجاوز النسبة 10 بالمئة في نصف الدوائر. ولم تُحدد حصص للنساء أو نواب الأقليات.

ولم يكن وضع النساء أفضل في ظل حكم عائلة الأسد، كما لم يكن لهن حصص في البرلمان آنذاك، وشكّلت المشرّعات نسبة صغيرة تراوحت بين 6 و13 بالمئة من الهيئة التشريعية منذ عام 1981 حتى الإطاحة ببشار الأسد، وفقًا للاتحاد البرلماني الدولي الذي يجمع بيانات عن البرلمانات الوطنية حول العالم.

كان عدد مقاعد البرلمان أكبر قليلًا في عهد الأسد، إذ ضم 250 مقعدًا خُصص ثلثاها لأعضاء “حزب البعث”. ووصف معارضو الأسد الانتخابات الأخيرة، التي أُجريت في يوليو/تموز 2024، بأنها مهزلة.

ويقول محللون إن نظام التصويت الحالي، الذي يعتمد على مبدأ “الفائز يأخذ كل شيء”، قد يؤدي إلى نتيجة يهيمن عليها الرجال من الأغلبية السنية في سوريا.

وتعهّد الشرع مرارًا بتطبيق سياسات تشمل الجميع، وقد يأخذ على عاتقه مسؤولية تحقيق ذلك بتخصيص مقاعد في الثلث الذي سيتولى تعيينه لنساء وأعضاء من الأقليات. لكن المراقبين يخشون من أنه قد يستخدم أيضًا المعيّنين لتعزيز سلطته.

وفي تحليله لعملية تأسيس برلمان جديد في سوريا، كتب حايد حايد، وهو زميل أول غير مقيم في مبادرة الإصلاح العربي: “إذا اختار الرئيس أفرادًا خاضعين لنفوذه، فسيتمكن من إصدار قوانين عبر مراسيم رئاسية من دون أن يكون للمجلس صلاحية الطعن فيها أو تعديلها”.

وأضاف حايد: “يمكن لهذه العملية أن تضفي الشرعية على المرحلة الانتقالية الهشّة، أو أن تعمّق الشكوك فيها، وتقلل من فرص نجاحها”.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.