أسعار فواتير الكهرباء تقفز 60 ضعفاً… وسوريون ينتقدون

فجّر قرار الحكومة السورية رفع قيمة فواتير الكهرباء المحصلة بنحو 60 ضعفاً، حالة من الغضب والاستياء بين المواطنين، وسط تحذيرات من أن ينعكس الأمر سلباً على نسب تحصيل الفواتير وبزيادة حالات التعدي على الشبكة، ومطالبات بالتدخل من رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع لسحب القرار.
وبرر وزير الاقتصاد والصناعة نضال الشعار القرار بأن «الكهرباء في عهد النظام السابق كانت تقدم بأسعارٍ مصطنعة لا بدافع الرحمة بل كأداةٍ سياسية استُخدمت لشراء الصمت»، ومشدداً على أنه «قد انتهى زمن الوعود الزائفة، وأن سوريا الجديدة تقوم على الصدق والمساءلة والتوزيع العادل لثرواتها».

الشرائح الجديدة

وحسب وزارة الطاقة السورية «سيتم تطبيق تعرفة جديدة للطاقة الكهربائية منذ بداية تشرين الثاني/ نوفمبر موزعة على شرائح تراعي الفئات الاجتماعية ومستويات الاستهلاك المختلفة».
الشريحة الأولى هي لأصحاب الدخل المحدود وهم غالبية المواطنين، وتصل حتى 300 كيلو واط للدورة الواحدة خلال شهرين، وبسعر 600 ليرة سورية للكيلو واط الواحد، و الثانية لأصحاب الدخل المتوسط والمرتفع والمشاريع الصغيرة وهي أكثر من 300 كيلوواط خلال الدورة وبسعر 1400 ليرة لكل كيلو واط، والثالثة للمؤسسات الحكومية والشركات والمصانع التي تحتاج كهرباء على مدار الساعة بسعر 1700 ليرة لكل كيلو واط، والشريحة الرابعة للمعامل ذات الاستهلاك الكهربائي العالي مثل معامل الصهر بسعر 1800 ليرة لكل كيلو واط.
وشكلت الشرائح الجديدة صدمة كبيرة وخصوصا للمواطنين الذين سيستفيدون وفق الشريحتين الأولى والثانية، لتغذية منازلهم، باعتبار أنها نسفت آلية التسعيرة السابقة وفق الشرائح المخصصة للاستهلاك المنزلي والتي كانت تتألف من 5 مستويات الأولى حتى 600 كيلو واط وبسعر 10 ليرات للكيلو واط الواحد، والثانية من 601 حتى 1000 كيلو واط وبسعر 25 ليرة للكيلو واط الواحد، والثالثة من 1001 حتى 1500 كيلو واط بسعر 135 ليرة للكيلو واط، والرابعة من 1501 حتى 2500 كيلو واط بسعر 600 ليرة للكيلو واط، والخامسة مافوق 2501 كيلو واط بسعر 1350 ليرة للكيلو واط.

وأوضح (عدنان. أ) وهو موظف يقيم في قدسيا لـ «القدس العربي» أن مصروفه في الدورة الواحدة يصل وسطيا إلى نحو 1000 كيلو واط، أي «كانت فاتورتي أقل من 21500 ليرة في الدورات السابقة، أما اليوم وحسب نظام الشرائح الجديد فسأدفع 1.4 مليون ليرة للدورة الواحدة، وراتبي الصافي الذي أقبضه هو 1.3 مليون ليرة بعد الزيادة الأخيرة، وهذا يعني بالنسبة لي أنهم يدفعوني إلى أن اضطر للاستجرار غير المشروع حتى أبقى ضمن الشريحة الأولى، مع أن مبلغ 180 ألف ليرة هو أيضا مبلغ كبير بالنسبة لي».
وعلى خلفية الانتقادات، قال الشعار «لسنواتٍ طويلة، كانت الكهرباء تُقدَّم بأسعارٍ مصطنعة، لا بدافع الرحمة بل كأداةٍ سياسية، استُخدمت لشراء الصمت فيما كانت ثروات الوطن تُنهب، أمّا اليوم، فنحن نفتح صفحة جديدة قائمة على الصدق والمصارحة، ونرفض كل أشكال الخداع أو استغلال حاجات الناس، فالثقة تُبنى بالشفافية، لا بالمجاملات».

وزاد: «نحن نصحّح ما كان مصطنعاً، ونحوّله إلى حقيقي بشفافية وعدالة، لنضمن استدامة قطاع الطاقة وقدرته على تلبية احتياجات الوطن، وندرك صعوبة المرحلة، ولذلك بدأت الحكومة برفع الأجور في القطاع العام وتشجيع زيادات في القطاع الخاص، حتى تواجه الأسر التغييرات بثقة وكرامة».
وأضاف: «منذ التحرير، ازدادت ساعات التغذية الكهربائية عدة أضعاف، وهذا ليس بمنّة بل استثمار واستنهاض لما كان يجب أن يكون، كما باتت المدن الصناعية تتمتع بتغذية كهربائية على مدار 24 ساعة، دعماً للإنتاج وتشغيل اليد العاملة السورية.
وقال: «نؤمن أن للمواطن الحق الكامل في أن ينتقد ويُسائل، وللحكومة واجب الشرح والتوضيح».

لا عدالة في الشرائح

موظف في مؤسسة كهرباء ريف دمشق، فضل عدم الكشف عن اسمه، قال لـ«القدس العربي» إن الشرائح الجديدة تؤكد على الابتعاد عن حالة العدل في عملية التسعير، وهذه تبدو واضحة عند المقارنة بين التسعيرة المفروضة على الاستهلاك المنزلي التي تصل إلى 1400 ليرة للكيلو واط، مع تسعيرة المصانع التي تتراوح بين 1700 و1800 ليرة للكيلو واط.
وتابع المصدر «إن ما سبق هو جريمة بكل معنى الكلمة، إذ كيف يمكن أن تفرض على أصحاب الدخل المحدود مثل هذه الأسعار التي لا يتم فيها لحظ فارق كبير بينها وبين تسعيرة كهرباء المصانع؟».

المشكلة مركبة

المصدر أوضح أن مشكلة تحصيل فواتير الكهرباء معقدة ومركبة في معظم ريف دمشق المدمر، كما هي الحال في المدن والبلدات المدمرة من قبل النظام السابق على مستوى البلاد، وهذه تصنف على أنها «مناطق إعادة الإعمار»، مشيراً إلى أن حجم الاستهلاك المنزلي يتم وفق شرائح يضعها موظفون من مؤسسة الكهرباء حسب تقديرهم الشخصي للاستهلاك، باعتبار أنه لا توجد ساعات منزلية فهي إما مسروقة أو مخربة، وغالباً ما يتم فرض شريحة واحدة. مثلا المنزل الواحد استهلاك 800 كيلو واط في الدورة، كانت فاتورته 15300 ليرة بعد إضافة الرسوم المختلفة. ووفق التسعيرة الجديدة فسترتفع إلى 1.12 مليون ليرة من دون الرسوم.
واعتبر المصدر أن هذا رقم كبير جداً ولا أعتقد أن هناك عائلات عائدة إلى قراها المدمرة تستطيع تحمله، ما يعني ضرورة إعادة النظر بالشرائح الموضوعة حالياً، مع أن الاستهلاك المنزلي حتى عام 2011 كان وسطياً للمنزل أقل من 800 كيلو واط بكهرباء تأتي 24 على 24 ساعة.
وأوضح المصدر أن الفواتير الضخمة ستدفع بالتأكيد إلى تراجع كبير في نسب التحصيل، لأن من عليه اليوم تراكمات لفواتير لا تتضمن إلا الرسوم وهذه لا تزيد عن 150 ألف ليرة، الكثير من أصحابها لا يدفعونها، فكيف سيدفعون فواتير شهرية مليونية؟ في حين اعتبر الصحافي صبري عيسى أن «التراجع عن قرار زيادة أسعار الكهرباء لا يكفي، ونحن لم نعد نثق بأداء وزير الكهرباء ونطالب بإقالته».
وذهب زميله أحمد حيمود بالمنحى ذاته، وطالب بضرورة التراجع عن القرار.
وقال: «الإصلاح لا يُبنى بالصبر القسري، بل بالثقة المتبادلة، والحفاظ على الثقة يبنى عندما يشعر المواطن أن الدولة تشاركه الأعباء لا تلقيها عليه».

أسلوب الصدمة

المستشار في شؤون الطاقة والاقتصاد، زياد أيوب عربش، اعتبر أن الزيادة في سعر الكهرباء كبيرة جداً، والحكومة لم تختر التدرج، بل اتبعت أسلوب الصدمة حيث تهدف إلى تقريب السعر من التكلفة الفعلية لكل كيلو واط كهرباء، والتي كانت سابقاً مدعومة بشكل كبير وغير واقعية، حيث تتراوح التكلفة الحقيقية بين 1400 و1800 ليرة سورية لكل كيلو واط. واعتبر أن رفع السعر بهذا المقدار الكبير ضروري لتحفيز تحسين القطاع والاستثمارات فيه، لكن هذا يضع ضغطاً كبيراً على الأسر ولا سيما التي تملك دخولاً محدودة، الأمر الذي يطلب وجود آليات دعم صارمة وموجهة للتخفيف من الأثر الاجتماعي للإصلاحات.
وقال إن ارتفاع سعر الكهرباء سيرفع من تكاليف التشغيل للمصانع والمؤسسات التجارية، ما سيؤدي إلى زيادة في تكلفة الإنتاج، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل تدريجي، موضحاً أن ارتفاع كلف الطاقة سينعكس أيضاً على تكاليف النقل والتوزيع، وهو ما قد يغذي موجة تضخمية، قد تؤثر سلباً على القدرة الشرائية للأسر، وتزيد من العقبات الاقتصادية. وهذا يفرض على الحكومة ضرورة وضع إجراءات حماية ودعم لشرائح واسعة من المجتمع، بالإضافة إلى دعم للمشاريع الإنتاجية لضمان استمراريتها وعدم فقدان فرص العمل.
واعتبر أن أكبر تحد الآن هو قدرة الأسر، خاصة ذات الدخل المحدود، على تحمل الزيادة الكبيرة في فاتورة الكهرباء التي قد تمثل جزءاً كبيراً من ميزانيتها الشهرية، وفي ظل ضعف دخول أغلب الناس وتدهور القدرة الشرائية، قد يؤدي ذلك إلى تراجع في مستوى المعيشة وزيادة معدلات الفقر والاحتياج.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.