قتلا من قوات حزب الله

النظام السوري يبدأ حملة في الجنوب ومقاتلون يتحدثون عن حرب عصابات ضده

 في مقابلة أجراها مارتن شولوف مع من قال إنه المطلوب الأول في مدينة حلب، قائد عمليات الأنفاق ومهندس عمليات تفجير مقرات الجيش السوري عبر الأنفاق أبو أسد، بدا الأخير راضيا عن إنجازاته بعد أقل من اسبوع من وضع 25 طن من المواد المتفجرة تحت فندق كارلتون الذي تقول المعارضة أن الجيش السوري كان يتخذه كمركز عمليات له.

ويقول أبو أسد ‘ كنت أجلس في هذه الغرفة في نقطة أخرى من المدينة، وكان أبو أسد يتحدث مبتسما ‘وسمعنا الإنفجار من هنا وشعرنا بالسعادة’.

ويقول كاتب التقرير إن الإنفجار الذي ضرب فندق كارلتون في 8 أيار/ مايو والذي هز المنطقة أبعد من مكان الفندق وامتد أثره لتسعة أميال حيث يقيم القائد أبو أسد الآن.

ويقول شولوف إن اعمدة الدخان والغبار التي ارتفعت في السماء تعتبر من الصور المثيرة للدهشة في الحرب السورية لحد الآن.

ويعتقد أن العملية قتلت ما بين 30-50 جنديا من جيش النظام. ومن بين الصور التي خرجت من الأزمة السورية، القصف الجوي، صواريخ سكود والعمليات الإنتحارية تظل صورة الفندق التي وضعت على الإنترنت من أكثرها إثارة للدهشة. ويعلق أبو أسد ‘هذا كان أحسن شيء عن العملية’ مضيفا أن ‘أثرها على معنويات المقاتلين كان مباشرا، حيث عبروا عن رغبتهم بالقتال وخوض المعارك ولهذا أطلقنا عليها ‘عملية الهزة الأرضية في حلب’.

ويقول أبو أسد إن فندق كارلتون اتخذته الشرطة العسكرية وجماعات الشبيحة كثكنة عسكرية، واتهمت الحكومة السورية المعارضة بارتكاب عمليات بدون تمييز وأنها تقوم بتدمير معالم المدينة وهويتها. وبسبب النجاح قرر أبو أسد مقابلة صحيفة ‘الغارديان’ وقدم نفسه بكونه قائد أنفاق حلب.

وأكد أنه ليس خائفا من الكشف عن هويته وظهور صورته في الصحيفة حيث سيتعرض للملاحقة ‘أريدهم أن يخافوا مني’، ‘يجب أن يعرفوا أنني قادم إليهم’.

ويبلغ عدد حفاري الانفاق 100 مقاتلا وهم الذين حققوا في مدة قليلة ما لم تحققه قوات المقاتلين في 38 شهرا من القتال مع الجيش السوري والذي استطاع بمساعدة من داعميه في لبنان وإيران استعادة العديد من البلدات والمناطق من أيدي المقاتلين.

تحت الأرض

ومن أجل تحقيق تقدم فوق الأرض كان على حفاري الأنفاق الحفر تحت الأرض، وقاموا بالحفر تسع مرات خلال الستة أشهر الماضية.

ويضيف أبو أسد أن فكرة الحفر تحت الأرض اقترحها زائر فلسطيني لسوريا العام الماضي ‘قالوا إنها حققت بعض النجاح في فلسطين، ولهذا قررت المحاولة، ولم نجد صعوبة في العثور على المتفجرات، وقمت أنا شخصيا بالإشراف على حفر 9 أنفاق’. ولم يجد صعوبة في العثور على متطوعين للحفر عبر الصخور والحجارة التي تحمل قلب حلب، والأقواس التي يعود عمرها لأكثر من ألفي عام والمساجد التي تفصل مناطق المعارضة عن النظام بضع أمتار.

ويقول ابو أسد الذي كان يعمل نجارا في الريف أن النفق تحت فندق كارلتون بلغ طوله 107 مترا واستغرق 33 يوما لحفره، فيما بلغ طول أنفاق أخرى 860 مترا وقضى الحفارون فيها أشهرا. وهدد أبو اسد النظام قائلا ‘لدينا مفاجآت كبيرة لهم إن شاء الله’ ولكنها ‘تأخذ وقتا أطول’.

ويعلق شولوف إن اسلوب الأنفاق هذا يقدم صورة عن الحرب الدائرة في سوريا، فكسر جمود المعركة في حلب لن يحدث نتيجة وصول أسلحة نوعية للمقاتلين بل ومن خلال اللجوء إلى أساليب حرب قديمة.

فالأسلحة الكيميائية التي استخدمت في الحرب العالمية الأولى وحظر استخدامها ساعدت النظام على تأمين دمشق، فيما اعتمد النظام على صواريخ سكود، سلاح الردع على محو أجزاء كاملة من الشمال، والآن الأنفاق التي استخدمها الرومان ومن ثم في العصور الوسطى وإيفان الرهيب والقوات البريطانية على الجبهة الغربية والفلسطينيون في غزة تحقق نتائج اكثر من تلك التي تحققها الأسلحة التقليدية. ويرى الكاتب إن الوحشية التي تتسم بها العصور الوسطى أصبحت علامة على الحرب السورية التي قتل فيها لحد الآن ما يزيد عن 162.000 سوري وشرد نصف سكان البلاد. ورغم رضى قائد عمليات الأنفاق عن إنجازاته لكنه لا يرى اي تغيير في مسار المعركة في الشمال. ويقول ‘فكرنا طويلا قبل تبني هذا النوع من الحرب، ولكن لم يكن لدينا أي خيار، ونريد أن نعمل شيئا لحمايتنا وحماية أهلنا’.

مضيفا ‘أول نفق حفرناه كان في رمضان العام الماضي وأخذ 20 يوما لإنجازه، ولم يتجاوز طوله عن 17 مترا، وكان هناك 11 جنديا وضابط علوي شرس لم يكن ممكنا التخلص منهم’ إلا عبر تفجير نفق.

ومثل الأنفاق الثمانية التي حفرتها الوحدة التابعة لكتيبة لواء التوحيد التي ينتمي إليها أبو أسد قامت بحفر طرق في قلب حلب التاريخية.

وكلا الطرفين يواجهان قلعة حلب التاريخية التي تعتبر من التراث العالمي حسب تصنيف منظمة الثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) والتي صمدت ألاف السنين أمام الغزاة والجيوش، ولكنها تواجه اليوم أخطر تهديد لجدرانها، حيث يتهم أبو أسد أن حفرياته وأنفاقه تمثل خطرا على بقاء القلعة.

ورد أبو أسد قائلا ‘إن ارادوا الحديث عن الأماكن التاريخيةـ أنظر ماذا فعلوا لقد حرقوا السوق القديم، فيما تم تدمير معظم المساجد التاريخية’، ويؤكد أبو أسد ‘لقد قمنا بعمل اللازم حتى لا نلمس الأماكن المهمة ونعلم أهميتها’.

الأسد يتحول للجنوب

في الوقت الذي ينشغل فيه أبو أسد بتحريك الجبهة في الشمال ويحفر الأنفاق، بدأ الرئيس الاسد حملة في الجنوب السوري قرب الحدود الأردنية بعد ما حققه من إنجاز وإخراج المقاتلين من البلدة القديمة في حمص بحسب صحيفة ‘التايمز′ البريطانية.

وجاء الهجوم في الوقت الذي حذر فيه الجيش الحر بأنه سيتحول لحرب العصابات إن لم يتم إمداده بالسلاح اللازم حسب الصحيفة، وهاجمت القوات السورية الخميس الماضي بلدة نوى وإنخل ودرعا ومدينة القنيطرة.

وتتعرض بلدة نوى لهجوم من ثلاث جهات لليوم الرابع على التوالي حسب أحد المقاتلين ‘ويلقى علينا يوميا ما معدله 20 برميلا متفجرا في اليوم’.

ويقول آخر وهو عمر الحريري ‘يقوم النظام بقصفنا بالقذائف الصاروخية وصواريخ من أنواع مختلفة، وسقط في الأيام الأربعة الماضية 110 وعشرات من الجرحى’. وتسيطر جماعات المعارضة على مناطق مهمة في الجنوب قريبا من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، ويرى مايكل ستفينز، نائب مدير معهد الخدمات المتحدة بأن ما يجري ‘قد يكون نقطة تحول في الحرب’، و’تثير قلقا من ناحية خطوط الإمداد للمقاتلين’.

ويقول التقرير إن نظام الأسد استطاع حشد قوات بعد سلسلة من العمليات قرب الحدود اللبنانية والتي انتهت برفع الحصار عن البلدة القديمة في حمص وخروج المقاتلين منها باتفاق رعته الأمم المتحدة.

كما واستفادت الحكومة السورية من الإقتتال الداخلي، بين الجماعات المعتدلة الممثلة بالجيش السوري الحر والجماعات المتشددة ممثلة بجبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق (داعش)، وقد أعطت التطورات الرئيس الأسد ثقة بالنفس عندما أعلن ان الوجه الحقيقي للعمليات سينتهي في هذا العام. ودعت الجماعات المقاتلة الدول الغربية تزويدها بالسلاح المتقدم خاصة الصواريخ المضادة للطائرات، وتلقت تسع مجموعات معتدلة على الأقل صواريخ أمريكية الصنع من نوع بي جي أم تي أو دبليو المضادة للدبابات، ولكن العدد الذي وصل منذ بداية نيسان/ إبريل يظل قليلا.

ويرى منذر اقبيق احد مسؤولي المعارضة السورية ‘إنها مرحلة حيوية’، ‘فعدد الصواريخ محدود، وفي حالة حصوله على أسلحة نوعية فسيتقدم الجيش الحر إما إن لم يحصل على شيء فسيتقدم النظام وستتحول الحرب إلى حرب عصابات ولن تتوقف حتى ينتهي النظام’.

وتشير الصحيفة إلى أن المعارضة حاولت التعويض عن ضعفها العسكري باللجوء إلى أساليب جديدة مثل حفر الأنفاق.

حزب الله 

لم يستطع النظام السوري تحقيق ما حققه من إنجازات بدون دعم الحلفاء له في لبنان، حزب الله وإيران الحرس الثوري الإيراني.

وفي تقرير لصحيفة ‘نيويورك تايمز′ إن التجمعات الشيعية في منطقة الهرمل عاشت في خوف من السيارات المفخخة والضربات الصاروخية التي كانت تنطلق من داخل مناطق المقاتلين السوريين في منطقة القلمون، وأدى نجاح حزب الله مع الجيش السوري الى إخراج المعارضة منها لتوقف هذه الهجمات بشكل ‘شعر فيه شيعة لبنان بالإمتنان لتدخله في سوريا وجذب إليه موجه جديدة من الشباب الطامحين للقتال لمعسكرات التدريب التابعة للحزب’، وينقل التقرير عن رئيس عشيرة معروفة في الجنوب سعد حمادة ‘لقد تغير الوضع 180 درجة’ و’القصة انتهت لصالحنا’.

ويضيف التقرير أن الحرب التي لا تزال طاحونتها تدور في سوريا أعطت حزب الله ‘هدفا’ أبعد من قتال إسرائيل وهو مساعدة حلفائه في سوريا والإخوة الشيعة في منطقة الشرق الأوسط.

ومع أن إنجازات الحزب الشيعي لم تأت بدون ثمن باهظ في الأرواح إلا أن الحرب أعطت الحزب فرصة لإظهار قوته واكتساب خبرات في الحرب. ونقل طلال عتريسي وهو محلل قريب من الحزب قوله ‘قد يغير القتال في سوريا ميزان القوة في المنطقة، وعلى حزب الله منع تشكل ميزان قوة جديد ضده وضد إيران وحلفائها’، وما يقوم حزب الله به هو تعبير عن رؤية استراتيجية.

ورغم النجاحات هذه إلا أن القتال اخذ الكثير من مصادر الحزب التي خصصت لحرب إسرائيل وفاقمت من حدة الصراع الطائفي وهمشت قطاعا واسعا من السنة الذين دعموا الحزب وكونه حركة مقاومة، وبدأ الكثير من السنة يتحدثون عن الحزب بأنه لم يعد ‘حزب الله’ بل ‘حزب الشيطان’.

ولا يعرف حتى مؤيدو الحزب متى سيكون قادرا على فك الإرتباط والخروج من سوريا.

وتتهم جماعات لبنانية الحزب بأن دوره في سوريا بات يهدد السلم والأمن اللبناني، فيما يتهمه آخرون بانحرافه عن خط المقاومة ضد إسرائيل.

مع أن الحزب يدافع عن نفسه ويؤكد أن هدفه هو حرب إسرائيل والدول الداعمة لها إلا ان خطوة التدخل في سوريا تعتبر واحدة من الخطوات التي اتخذها الحزب للدفاع عن نظام الأسد.

الموت للتكفيريين

وهي خطوة غير عادية فلم يقاتل حزب الله ولو مرة خارج حدوده أو إلى جانب جيش نظامي يهدف إعادة السيطرة على مناطق، فحركة ناجحة في حرب العصابات اعتمد الحزب اسلوب اضرب واهرب، وانهاك العدو بدون الدخول في حرب تقليدية. وتعتبر المرة الاولى التي يخصص فيها الحزب قدرات ومصادر عسكرية كبيرة لمواجهة عرب مسلمين وليس إسرائيل.

ولكن قادة حزب الله يرفضون الإتهامات الموجهة إليهم ويصورون حربهم في سوريا على انها ضد جماعات ‘تكفيرية’ تهدف لاضعاف محور المقاومة المعادي لإسرائيل، ومن هنا أضاف مشيعوا جنازات قتلى الحزب في سوريا للشعاريين المعروفين ‘الموت لإسرائيل’، ‘الموت لأمريكا’ ثالثا وهو ‘الموت للتكفيريين’.

ومن هنا قارب حسن نصر الله، الأمين العام للحزب بين خطر الجماعات السنية المتطرفة وإسرائيل حيث قال إنهم ‘يمثلون تهديدا على كل المنطقة’.

وتنقل الصحيفة عن محللين قولهم إن تجربة حزب الله في سوريا لم تؤثر على جاهزيته لمواجهة إسرائيل مشيرين إلى أن الحزب استطاع بالإضافة للخبرات القتالية التي حققها في ساحة المعركة، تجنيد جيل من الشبان وعزز برامج تدريب لهم حسب بعض المواطنين في المناطق التي يتمتع الحزب فيها بنفوذ.

ونقل عن شاب عمره 21 عاما أكمل برنامج تدريب استمر 45 يوما قوله إن دفعته كان فيها 70 متطوعا.

ويقوم مدربون في الحزب تلقوا تدريباتهم في إيران بالإشراف على البرنامج القاسي الذي اشتمل على تدريبات جسدية وتمارين على استخدام الأسلحة الخفيفة.

ويتم تدريب عناصر مؤيدة لنظام الأسد في معسكرات قريبة من معسكرات الشباب.

ولم تكن الحرب نزهة لحزب الله ففي القرى والبلدات تشهد الملصقات والصور التي تحمل صور عناصر الحزب الذي قتلوا في سوريا. ويقدر عميد متقاعد عدد قتلى الحزب بالمئات.

وفي الوقت الذي أقنع فيه الحزب قطاعا من اللبنانيين أن عملية القلمون والمناطق القريبة ضرورية إلا أنه قد لا يقنعهم بإرسال أبنائهم للقتال في مناطق بعيدة مثل القامشلي.

ويعلق إيلي كرمون، الباحث في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب الإسرائيلي أن قدرة حزب الله على مواجهة إسرائيل قد تراجعت بسبب اسثتماره قوات ومعدات في الحرب ولأنه غير قادر عن فك ارتباطه في سوريا بدون تحقيق نصر قوي للأسد.

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.