التشبيه بالهولوكوست يضرّ بالحقيقة وبالثورة السورية

يحاول بعض السوريين، اعتقاداً منهم أن ذلك يجلب إليهم التعاطف العالمي، تشبيه ما يجري في سورية بالهولوكوست (المحرقة)، عبر تسميته «هولوكوست القرن». التشبيه ليس غير صحيح علمياً وحسب، بل إن مردوده عكسي، سيّما أن ذلك سيقلل من فداحة المذبحة السورية في ذهن من يسمع بهذه المقاربة.

ما يجري في سورية هو مذبحة القرن، وقد يكون أقسى ما تعرض له سكان سورية على مر العصور، لكن لا يمكن مقاربته بالهولوكوست، لا من حيث الأسباب والدوافع والوسائل ولا من حيث عدد الضحايا. فعلى رغم كون غالبية الضحايا في سورية ينتمون الى فئة معينة، وعدا أن هذه الفئة لا تشكل كتلة عرقية متجانسة كما حال يهود أوروبا آنذاك، فإن المذابح التي تسببت بقتل عدد كبير من السنّة في سورية لم تكن بدافع القتل العرقي او الطائفي للسنة، وإن نفذت بأدوات طائفية، على اعتبار أن السياسة الطائفية المستخدمة لتنفيذ هذه المذابح هي وسيلة وليست هدفاً بحد ذاتها. فالنظام السوري، كان يفاخر بوجود عناصر سنية إلى جانبه، كان أهمها الشيخ البوطي، والذي يعتبر أحد أبرز رموز الكتلة السنية، هذا إن صح اعتبارها كتلة! وهذا غير القبيسيات وعدد كبير من الوجوه الحلبية والدمشقية السنية التي لا تزال حتى اللحظة تقف إلى جانب النظام.

أسباب القتل الذي وقع على السنّة الجزء الأكبر منه، لم يكن كما الحال مع اليهود في أوروبا، أي تتمةً لسياسة اضطهاد امتدت على مر التاريخ. فقبل ثلاث سنوات، كانت الغالبية السنية تقف بقوة مع النظام السوري الحاكم وتتبوأ مناصب حساسة، سواء في الحكم أو في مجال الأعمال. ولا شك في أن الدافع الطائفي لعب دوراً تحشيدياً مهمّاً لدى طرفَي النزاع في سورية، النظام أم جمهور الثورة، إلا أن الطائفية أو التطهير الطائفي الذي وقع في بعض المناطق لم يكن هو الهدف الأساس.

في المقابل، قبل وقوع الهولوكوست، تعرض اليهود لسلسلة طويلة من الاضطهادات، ابتدأت في العصور الوسطى لأوروبا المسيحية، فكانوا يجبرون على التنصر في بعض الحالات، وهذا غير المجازر التي طاولتهم بشكل مستمر، وكانت في حالات عديدة تحصل بعد انتشار الإشاعات حول اليهود، ومنها ما يعرف بـ «فريّة الدم» (blood libel)، وهي الإشاعة التي أخذ منها وزير دفاع حافظ الأسد مصطفى طلاس قصة كتابه «فطير صهيون»، والتي نسج حولها قصة مختلقة مبنية على خرافة تقول إن اليهود يستخدمون دماء المسيحيين من أجل خبز فطير عيد الفصح اليهودي. وقد ساهمت هذه الإشاعات، في لعب دور تحريضي ومهم في قتل الكثيرين من اليهود، وارتكاب المجازر الجماعية التي طاولتهم على مدى التاريخ الأوروبي، وفي غالبية البلاد الأوروبية، بحجة أنهم يتآمرون على المسيحية كونهم مَن قتل المسيح، وفقاً لما كانت تروجه الكنيسة آنذاك.

الهولوكوست، إذن، كان السلسلة الأخيرة من المذابح التي طاولت يهود أوروبا. حتى هتلر، أثناء لقائه المطران ويلهلم بيرنينغ ممثل الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا، أقر بأن ما يفعله لليهود في ألمانيا ليس إلا ما كانت تفعله الكنيسة لهم خلال الـ 1600 عام قبيل البدء بتنفيذ ما يعرف بـ «الحل النهائي»، وهي الخطة التي أقرت من قبل قادة نازيين في 1942 في مدينة وانسي الألمانية، وتهدف إلى قتل كل يهود أوروبا. كانت القرارات والأحداث التي حصلت في 1933، أي بعد حوالى العام على تسلم الحزب النازي مقاليد الحكم في ألمانيا، تنبئ بحصول الهولوكوست، فتم إطلاق حملات مشجعة من قبل الحكومة تدعو إلى مقاطعة التجار اليهود، كما تم سن تشريعات تجرد اليهود والشعوب غير الآرية من حقوقهم المدنية. وفي 1938 حصل ما يعرف بـ «كريستال ناخت» أو «ليلة كسر الزجاج»، حيث تعرض اليهود في كل من ألمانيا والنمسا ومناطق من تشيكوسلوفاكيا السابقة لحملة عنف استهدفت محالهم ومعابدهم وبيوتهم السكنية. ومع احتلال بولندا، بات ترحيلهم إلى الغيتوات سياسة رسمية للحكومة النازية التي كانت أثناء حربها مع السوفيات تدخل إلى قرى الاتحاد السوفياتي حيث يتواجد اليهود مستهدفة إياهم بشكل حصري، إلى أن تم تنفيذ الحل النهائي وإرسال اليهود شرقاً، أي إلى معسكرات التجميع، حيث قُتلوا في غرف الغاز ابتداء بـ 1942 وحتى انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945. وفي تلك الفترة، لم يُعفَ حتى اليهود ممن حاولوا الارتداد على يهوديتهم والتنصر من القتل، كما عوملوا كأي يهودي.

فمشكلة النازية مع اليهود، كانت مشكلة عضوية تستهدف العرق أو الجنس اليهودي وليس المعتقد وحسب. وما جرى في سورية لا يمكن تشبيهه بالمطلق بالهولوكوست: فلا الأحداث التاريخية التي أدت إلى وقوع المجزرة تتشابه، وليس هناك من عنصر مستهدف بعينه وبشكل عضوي عنصري من قبل النظام السوري، ولا حتى العدد الذي فاق الـ 6 ملايين في الهولولوكست، أو طرق القتل المختلفة.

ما يجري في سورية أمر في غاية الفظاعة، بخاصة أنه حصل بعدما شهد العالم العشرات من المجازر، مثل الهولوكوست: المذبحة الأرمينية، راوندا، دارفور، وغيرها. ما يحدث في سورية قد يؤذن بوقوع مجازر تطهير عرقية، إلا أنه، ولحد الآن، لا زال صراعاً بدأ بين نظام قمعي يعتمد على العصبوية الطائفية لاستمرار حكمه، وفئات من الشعب عانت لعقود طويلة حكم الفرد الواحد والعائلة الواحدة. وهو ما تطوّر ليصير حرباً بين نظام يحتكر الدولة وجيشها ومعه أطراف طائفية شيعية وأطراف من الغالبية السنية، وبين ميليشيات غالبيتها سنية إلا إنها غير متجانسة مع وجود بعض الأطراف غير السنية. الأمور مختلفة حقاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.