يثب

ثوار للإيجار … فلتحيا داعش وليبقى بشار

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

أكتب هذا المقال بمناسبة انتخابات الائتلاف التي يترشح فيها من لم يثبتوا حتى الآن أنهم قطعوا مع النظام أو قدموا أي شيء يثبت أنهم معارضون، إنهم وكلاء لناس آخرين وليس ممثلين للثورة السورية، إنهم النموذج الصارخ للانتهازيين الذين أكلوا الثورة .. 

ربما كان البعض منا معجبا بمجموعة من التنظيمات القديمة المدفونة عندما تحركت لتأييد الثورة واللحاق بالشارع ، ومعجبا أكثر بعدد كبير من الناشطين الذين ليس لهم أي تاريخ أو خبرة ، عندما ظهروا فجأة في ساحات الفيس بوك والاعلام والاجتماعات والتنسيقيات والتداولات الخاصة بالمعارضة وفي تمثيلها الافتراضي ، ولم نشاهد لا هؤلاء ولا هؤلاء  في ساحات العمل الثوري الحقيقي في مقارعة النظام لا قبل الثورة ولا في اثنائها … فهم فقط مكرسين أنفسهم للحديث عن الثورة وادعاءها ، بينما الفعل لآخرين حرموا من حق التمثيل ، ولا يعنيهم  العمل المسرحي الكاذب ، بل الثوري الحقيقي الذي حصدهم الواحد بعد الآخر … لتخلو الساحة رويدا رويدا لهؤلاء المتسلقين الوهميين ، الذي صاروا هم الثورة وهم سوريا وهم الدين وهم السياسة والاغاثة والاعلام ووكلاء الدول الصديقة  وممثلي الشعب في المجلس الوطني ، وبعده في الائتلاف ، والحكومة والمجالس العسكرية ، وكرسوا انفصال القيادة عن القاعدة ، وانفصال القول عن العمل ، والمعارضة عن الثورة .. وهم اليوم السبب الأول في تراجع الثورة السورية ، واستمرار معاناة الشعب ،وفشل كل محاولات الدعم التي تنتهي إلى نتيجة مساوية للصفر .

هؤلاء الانتهازيون ويقدر عددهم بالآلاف .. ويتلونون بكل الألوان الأيديولوجية والدينية والمذهبية والقومية .. هم اليوم يغطون  واجهة الثورة وتجدهم أينما ذهبت في الاعلام ، في الاغاثة ، في المؤتمرات ، في المجالس التمثيلية ، والمحلية ، في المجلس الوطني ، في الائتلاف والحكومة ، في مؤتمرات كل الأحزاب وعلى مناسف كل العشائر ، وبوفيات كل ورشات التدريب ، وكل منهم قد أتقن فن (البروبوزال ) ، العرض  والمشروع ، وفن التحدث عن الأرض والداخل  والثورة ، وصار متعهدا افتراضيا لأي شيء يخص الثورة ..  بما فيها العمليات العسكرية والاستخباراتية .

يذكرني هذا الحال بظاهرة مشابهة في المجتمع المديني المصري ، حيث كل مواطن سمسار ويستطيع تعهد وتنفيذ كل ما تطلبه منه مهما كان ، من خدمات عقارية وسياحية ومالية واجتماعية ودينية وسياسية وحتى ترفيهية .. فالكل جاهز لما تطلب ولديه القدرة على اقناعك بأنك وجدت الرجل المناسب الذي تعتمد عليه ، وما إن تعتمد عليه حتى تراه يوكل الأعمال تباعا لغيره ، وغيره يوكلها  لغيره فيضيع كل المال في الكوموسيونات ، وينفذ العمل أخيرا بشكل أخرق وفاشل لكثرة المعلمين ونقص التمويل وسوء العامل  .

وهذا هو حال الثورة السورية حيث كلما تجاوزنا طبقة من الوسطاء نكتشف طبقة أدنى منها . في عمليات الاغاثة وكذلك في عمليات السياسة والتمثيل ، و حتى في العسكر والقتال ، الذي تحول هو الآخر لسوق عرض وطلب و تعهد وتنفيذ بالأمانة .. فالمال يدفع قسم أولي منه كمحفز واثبات جدية وربط كلام ( عربون ) ثم تأتي عروض الأسعار ومواصفات التنفيذ ، وبعد الاتفاق يسلم القسم اللازم من المال لتحضير المستلزمات (الدفعة الثانية الأساسية )، ثم وبعد طول وقت تنفذ العملية أو لا تنفذ ويختفي المتعهد ، و في حال التنفيذ تصور النتائج ، ليتم قبض الاستحقاق النهائي وهو (الربح المتوقع ).. وكل ما يجري هو سرقة بسرقة لكل هذا التمويل ، لأن الذي ينفذ فعلا هم جبهة النصرة التي تحولت لمجموعات تنفيذ متفرقة على الجبهات لا تتم أي عملية من دونها ، هذه المجموعات الجهادية تستفيد من التغطية اللوجستية والتحضيرات التي يهيئوها الجيش الحر المتمركز والمحتل لما تبقى من المناطق المحررة ، والتي هي موجودة بحالة عطالة دفاعية وتوازن ضعف مع جيش النظام ، فتقتحم النصرة وتشترط أخذ كل الغنائم ، وتذهب هي بالنصر ، ويذهب متسلقي الثورة بالتمويل ويتابعون خلافاتهم وتنافساتهم .. وكذا الحال في الاغاثة حيث ما يصل فعلا للشعب والمستحقين لا يتجاوز الربع في أحسن حالات الادارة ، وفي كل مؤسسات الثورة بما فيها الحكومة والتنظيمات التي تدعي الاسلام والتدين وتربي الذقون للتمويه (فقبل اطالة الذقن تتوجب النزاهة وحفظ الأمانة) لكن  بكل أسف وصل هؤلاء الانتهازيون للدين أيضا .. الذي تحول لمظهر وقناع . بعد أن حل الكاذب والانتهازي مكان الحقيقي، والمنافق مكان المؤمن ، وصرنا بحاجة لثورة ادارية وتنظيمية تغير كل هذا الخراب الذي أحدثه ذباب التسلق والانتهازية . باسم الثورة وعلى جسدها .

والحل ليس في البحث في الشخص ذاته لأنه سيصاب بعدوى مرض الانتهازية، وهو ما حصل لرموز قديمة ومعروفة سقطت سريعا في امتحان المال واغراءات السلطة غير المراقبة ، لكن الحل في المؤسسة وآلية التمثيل . أي عندما تكون هناك مؤسسات تنفيذية مضبوطة ( وهو ما يميز داعش عن غيرها  ) فإن الرجل بمئة ، وسبعة آلاف مجاهد هم قوام داعش يساوون عسكريا مئات الألوف من المقاتلين الفارطين ، لدينا من مقاتلي الجيش الحر الهائمين والمشردين ما يفوق جيش النظام بعدة أضعاف ، ومع ذلك لا فعالية حاسمة لهم لأنهم في حالة تشتت وضياع ..  فالحل يكمن بالإدارة والرقابة والقيادة ، التي يجب أن تنتج بآلية انتخاب حقيقية ومراقبة ودورية . و تعمل بنظام عمل شفاف تحت عين المراقبين والاعلام والمواطنين وتحت سيف المحاسبة . ونجاح الثورة وخلاص الوطن يكمن في هذه النقطة الحاسمة . لا في الايديولوجيا ولا في الشعارات ، ولا الأوراق ولا حتى كميات الدعم التي ستضيع كما ضاع سابقها ، بل فقط التنظيم والإدارة والقيادة والسيطرة التي هي العامل الأهم في النصر …

من هو أقدر تنظيميا سيبتلع كل حالة الفوضى التي تسود الدولة الفاشلة التي اسمها سوريا ، والدعم الأهم الذي أمد عمر النظام هو الدعم الاداري الذي قدمه حسن وايران ، فصاروا يقاتلونا بأبنائنا وليس بأبنائهم . وبينما تسقط بقليل من الادارة والتنظيم في أيام دولة المالكي .. نعجز عن اسقاط نظام مهلهل كنظام بشار . رغم ثورة شعبية تستمر لعامها الرابع .

المصيبة أن هؤلاء المتسلقين والانتهازيين ، والمدعين ما ليس فيهم ولا لهم ،والمتلونين بكل الألوان ، عندما تضيق بهم الحال يتعاونون مع النظام ذاته وينفذون له خدمات ، وهي ما نسمعه عن قصص خيانة مخزية في كل مكان ..  فهم غير حقيقيين وغير مؤمنين بأي شيء غير مصلحتهم الذاتية ، بل هم أصحاب بزنزس … و البزنس والمال كما يقال ليس له وطن ولا قضية ولا دين ..

والسياسيين الانتهازيين الذين زاودوا على الجميع في شعارات الثورة والدين ، تجدهم اليوم يتواصلون مع النظام ويلعبون على كل الحبال بما فيها ايران ، بل بدأوا رحلة العودة للنظام مستفيدين من حاجته لبعض الرموز ليشرعن بهم ادعاءات المصالحة والحل السياسي الداخلي ، فترى ذات هؤلاء الانتهازيين يسبقون هيئة التنسيق ويطردونها من دورها التاريخي في تحسين صورة النظام والدفاع عنه ، ويصبحون هم قادة باصات العودة لحضن الوطن ..

اليوم من يترشح رئاسة الائتلاف  لم يصدر عنهم أي موقف علني يثبت قطيعتهم مع النظام ، بل جاؤوا للائتلاف بطريقة غريبة عجيبة وتدخل خارجي ، ولا نعرف لهم تاريخ معارض أو نشاط سياسي أو منظمة أو قاعدة شعبية ، بل إننا ما نزال نشك بأنهم على تواصل بطريقة ما مع النظام ، فهل خلت البطون … سوريا التي قدمت نصف مليون شهيد لا تجد من يمثلهم ممن ينتمي للثورة ويؤمن بها .. أي بؤس ؟

إنهم ذباب الثورة الذين أكلوها وضيعوها ، وتجار المنافع الخاصة باسم الدين والثورة والديمقراطية ومحاربة الارهاب إنهم أبناء مدرسة حافظ … الذين يعملون تحت شعار :       ثوار للإيجار ..  فلتحيا داعش وليبقى بشار .

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.