يثب

فاز بشار و فاز هادي .. والبيعة للبغدادي

اطلاق رصاصة الرحمة على المعارضة السورية المعتدلة

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

إنه يوم آخر حزين يمر على سوريا .. يشبه يوم فوز بشار … وما أكثر من فاز …. وما أكثر ما خسر الوطن …

ما حدث بالأمس حزين جدا لأنه سيكرس فشل المعارضة وغيابها وسيصب فقط في صالح بشار والبغدادي .. بشار الذي سيتمادى بسبب هزالة المعارضة ، والبغدادي الذي سيملأ الفراغ الذي تتركه وراء فشلها في كل الملفات ..

لا أقصد الشخص رغم أهمية مثالبه وقناعاته … لكن أقصد الآليات والوسائل والتوازنات التي تحكم قرار وزعامة ما يسمى بالمعارضة السورية في الخارج ، والتي تورطت الدول الصديقة واعترفت بها ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري .. فما حدث بالأمس هو بمثابة رصاصة رحمة على هذه المعارضة وهذا الاعتراف الصوري. و هو بامتياز اعلان فشل وسقوط  للمظلة السياسية للثورة .. والتي انهارت ماديا قبل بكثير من انهيارها المعنوي والاخلاقي .. الذي توج بانعقاد انتخابات الأمس التي حكمها التناحر الشخصي، وحسمها المال الذي بيعت به الأصوات وحسب الطلب .. وسرق بها قرار الشعب السوري المسكين .

تصور ثلاثة متنافسين من كتلة صغيرة واحدة، ولا واحد منهم له موقف واحد واضح وصريح من النظام أو من أي شيء ، وليس لديه أي رصيد سياسي أو مجتمعي أو ثوري .. يتنافسون على قيادة ثورة في أخطر مراحلها حيث تنهار الدولة والثورة معا لصالح الغرباء . فكيف وصل بنا الحال ليكون بشار رئيسا لسوريا النظام .. وهادي رئيسا المعارضة فيها . بينما الشعب وحده يقاتل باحثا عمن يمثله ، ويشعر بآلامه ويجد نهاية لمأساته  .. لذلك أشعر بالحزن الشديد مع هذا الشعب المعذب المشرد ، وأشعر بدموع الأمهات وأنين الجرحى والأسرى وجوع المقاتلين ومرارة خذلانهم .. وأخشى في هذه الحال أن لا يجد الشعب السوري  سوى البغدادي سندا ومعينا له في محنته هذه ..

لا أريد أن أقيّم المرشحين والفائزين في زعامة الائتلاف .. لأن عملهم يتكلم عنهم ، وهو يساوي الصفر أو أقل قليلا .. ولا حتى الائتلاف كله بعد كل هذه الجعجعة والتمثيل الكاذب والمظلة والاعتراف الدولي ، لأن النتيجة هي فشل ذريع وخديعة كبرى ، وما نحصده على الأرض هو النتيجة .. المدن والقرى تسقط تباعا ، وشباب الثورة بين قتيل واسير ومهجر وهائم على وجهه ، أو مضطر لمبايعة داعش .. وأهل سوريا في أشد وأمر حال .. بينما حكماء المعارضة في ترفهم يرفلون .. وعن واجباتهم ساهون ، ولوطنهم وشعبهم متنكرون .

منذ خروجي من السجن نهاية عام 2011  قلت في رسالة من الداخل عبر السكايب للأمانة العامة في المجلس الوطني التي تم تسميتي عضوا فيها منذ ما قبل خروجي من المعتقل ..  أنه من الواجب فورا تنظيم شؤون العمل الثوري المسلح ليكون وطنيا ومنضبطا وقبل فوات الأوان وتحوله لميلشيات وعصابات، يومها اعترضت زعامة المجلس الوطني المعروفة وادعت ان الثورة سلمية، وأنها لا علاقة لها بالشأن العسكري ، يومها قال برهان أنه مجرد سفير للثورة أو وزير خارجية لا أكثر  ، واستمريت في المحاولة بعد خروجي من سوريا حتى يئست واستقلت من المجلس في نيسان 2012 ، عندها قرروا نكاية بنا المزاودة في موضوع الجيش الحر وعليه ، ومن دون أي فعل تنظيمي حقيقي .. والذي أوكل سرا لحزب الإخوان  المسلمين بزعامة طيفور والحكيم ورمضان ورحمة ، وبإشراف قطر وتركيا عملا بنصيحة من المخابرات البريطانية والديبلوماسية الأمريكية ، بينما بقيت الأردن غير قابلة بذلك .. وهذا هو السبب الحقيقي لاختلاف الوضع في الجنوب عن الشمال .

لكن الإخوان فشلوا في هذه المهمة فشلا ذريعا ، عندما حصروا الدعم القادم من دول الخليج والذي يمر عبرهم (بالإسلاميين) فقط ، وهو ما صب في صالح  طغيان التيارات المتطرفة على الثورة ، والباسها القناع السياسي الاسلامي، الذي من دونه لا تحصل علي شيء حتى الاغاثة في شوارع استانبول وعمان، أو دوما ومخيم اليرموك وجرود القلمون، أو حمص الشهيدة  …

وعند تشكيل الائتلاف كبديل عن المجلس الوطني المفاشل .. قلنا يجب الاسراع فورا بتشكيل جسد تنفيذي وطني وليس حزبي . يدير المناطق المحررة ويعيد الحياة واللاجئين وينقل سلطة الثورة اليها من أجل ادامتها بمواردها المحلية … وقلنا أن هذه النقطة حاسمة في استعادة القرار الوطني والتكيف مع الضغوط الخارجية التي تبين لنا أكثر وأكثر أنها تريد الابقاء على بنية النظام القمعي ، يومها عطل أغلبية أعضاء الائتلاف بتعليمات من الدول التي عينتهم تشكيل هذه الحكومة أو أي جهد فعلي تنفيذي في الداخل واستمروا بالحكم والقيادة للثورة  عبر المؤتمرات ومن الطائرات وشاشات التلفاز ..  ثم تقاعسوا عن التحضير لنقل الحكومة للداخل بعد تأخر تشكيلها لسنة ونصف . فقامت داعش بهذه المهمة بدلا عنهم .. وأخذت منا الموارد و حكمت الحاضنة الشعبية و بنت السلطة والمحاكم والخدمات وتحولت لخلافة !!! ( ما شاء الله ) .. ونفذت هي رؤيتنا نحن ، بينما قادة المعارضة يتلهون في فنادق الدول وينشغلون في قضاياهم الخاصة ..

لكن المصيبة تراكمت وتعاظمت أكثر وأكثر مع دخول الكتلة الديمقراطية  للائتلاف بالتوسعة الأخيرة ، حيث لم يعد دور المعارضة بالتلهي والابتعاد ( أي سلبيا فقط )، بل أصبح دورها (تخريبيا هداما) ، من خلال اصرارها على نقل خلافاتها للمجالس العسكرية والأركان و إلى الحكومة الشكلية التي شكلتها مؤخرا ، بعد أن فقدت قدرة الدخول للداخل ، بفضل داعش وغيرها من شبيهاتها من التنظيمات الجهادية التي لا تقاتل النظام بقدر قتالها للجيش الحر .. والتي توعدت لو فعلت ودخلت الحكومة أن تسلمها للمحاكم الشرعية .. وكذا حال  أعضاء الائتلاف وغيرهم من وكلاء الخارج ..  فصارت حكومة الثورة مجرد مكاتب في الخارج ، و تحولت لوحدة تنسيق دعم في غازي عنتاب لا أكثر ولا أقل ..

التوسعة التي طرحناها من أجل ضخ دماء جديدة  فاعلة مستقلة ليست وكيلة لأحد ولا تقبل بالارتهان. ركبها ميشيل وغير قائمتها المقترحة كما يشاء وجاء بعناصر منبره الديمقراطي المنشق عن هيثم مناع ، وجلهم من المرتبطين تاريخيا بأجهزة المخابرات بطريقة أو أخرى ، وممن يشكلون المعارضة الوطنية التي يتكلم عنها بشار بالخير دوما ، وتآمر معه سفراء الدول الغربية وقاسمه ذات الشيء رموز الائتلاف الذي كان لكل منهم حصة شخصية بالتوسعة فجاؤوا باتباعهم واقربائهم .. واعترضنا على تغيير الأسماء والعدد دون جدوى ..  يومها كنا نريد استعادة القرار الوطني ، وأن نشكل كتلة ديمقراطية مدنية متماسكة ، لها مرجعية سياسية كبيرة هي اتحاد الديمقراطيين الذي عملنا على تأسيسه سنتين قبل ومن دون ميشيل ، لتكون هذه الكتلة بمثابة دماء جديدة في جسد المعارضة السياسية ، الذي كان يمارس السياسة بالطريقة البدوية ، أو الحجرية وما قبلها ..

لكن الذي حصل هو العكس من ذلك ، سار ميشيل كيلو وكتلته الخاصة به على أيديولوجيا  الشيوعيين في هيئة التنسيق وتبنى الحوار مع النظام وليس اسقاط النظام .. ودفع باتجاه مهادنة النظام ووقف العنف وما الى ذلك من مواقف مدمرة لمبادئ الثورة تباعا : من شرعية العمل المسلح ، مرورا بضرورة اسقاط النظام وطرد الايراني .. وصولا للمراهنة على جنيف والروس وغيرهم .. هذا سياسيا .

أما  تنظيميا فقد تبين منذ أول يوم في تشكيل الكتلة الديمقراطية ، أن النية هي قطعها عن اتحاد الديمقراطيين وجعلها تابعة لشخص واحد ، يمارس نفوذه عليها بالتمويل والتهديد بالاستبدال ، أي لا سياسة ولا مواقف ولا أيديولوجيا .. وللمفارقة سمت نفسها بكتلة الضمير .. في مقابل كتلة الصباغ القطرية الهوى ، مع أنها فعليا كتلة ميشيل الذي لا يعرف له رأي ثابت ولم يعهد له التزام مستقر  .. وعمل لحساب السعودية .. حيث في ذات اليوم تلقت الرواتب من الجربا .. وبحضوره الطارئ فيها قام ميشيل في أول اجتماع لها بترشيحه رئيسا للائتلاف عن الكتلة الديمقراطية ؟؟؟ دون أن يفوته التندر عليه في غيابه ( هلق معقول هاد يصير قائد المعارضة؟؟!!! ) ، وهكذا فاز الجربا برئاسة الائتلاف وميشيل بالوصاية عليه كما كان يظن ..  وقضوا شهور عسل في الطائرات الخاصة وعواصم الدول وأرقى الفنادق ، وتنعموا بالمال الوفير الذي أغدق عليهم دون حسيب ولا رقيب .

وعندما جاء وقت التمديد للجربا ، حاولنا كسر تغوله على الائتلاف بتشكيل حلف مضاد ، لكنه استطاع بالمال الوفير لديه شراء أغلبية مريحة في هيئة عامة رتبها على كيفه وهواه ممن يرخص ثمنهم ويسهل شراءهم .. فاستقلنا نهائيا من هذا الائتلاف عندما قرر السير بالثورة السورية في طريق الخراب والتسليم للنظام أي طريق العار والخيانة ( جنيف المحتوم الفشل من أجل شرعنة تقسيم سوريا ) .. نعم لقد تأخرنا كثيرا في الاستقالة طالما أننا لم نستنفذ كل الوسائل، وطالما أن الائتلاف منشغل بقضاياه الداخلية . لكن عندما قرر خيانة وثيقته الأساسية  ومبادئ الثورة ، قلنا أنها القطيعة ، فليس بعد الكفر ذنب ..

اليوم وبعد ستة أشهر كانت الأسوأ على سوريا والمنطقة والثورة ، والتي بدأت بفشل جنيف .. واستمرت بتسليم الجبهات تباعا والتي دفع خيرة شبابنا أرواحهم للتمسك بها ، وبعد مسلسل خيانات على أعلى مستوى وأوسع نطاق …  يترشح ثلاثة عن ذات الكتلة الديمقراطية ( المكونة من 22 عضو ) لرئاسة الائتلاف المكون من 120 ..  هادي البحرة من الكتلة ، موفق نيربية من الكتلة ، وليد العمري من الكتلة ، كيف تكون كتلة واحدة وترشح ثلاثة ، وعن أي تنافس سياسي يتحدثون .. إلا إذا كانت هذه الانتخابات تعددية كانتخابات بشار ..

طبعا يفوز هادي لأنه حصل على دعم الجربا ومن وراء الجربا ، والذي تحالف من جديد مع الصباغ ، الذي اكتشف فجأة ضرورة التوافق بعد حرب مكاسرة لسنة كاملة دون هوادة ، بينما خسر نيربية لأنه عمل مع الضالين بمعية رياض سيف رجل الأعمال الذي أدمن الخسارة السياسية وألفها ، ولأنه تحالف مع الاخوان المغضوب عليهم ( شطارة براغماتية ) . وتحت إدارة ميشيل المتخصص بتدمير وتخريب كل مؤسسة وكل عمل جماعي منذ السبعينات بنزعته الفردية ومزاجه المتقلب وتعامله المزدوج الوجوه . وصولا لتدمير وشق هيئة التنسيق والمنبر الديمقراطي واتحاد الديمقراطيين وأخيرا لكتلته هو التي ركبها ووطرها كيف شاء . والتي لم توافق على ترشيحه هو ذاته .. لأن سند ملكيتها الحقيقي بيد الجربا الذي يدفع أكثر واليد العليا خير وأحب الى أعضاء الائتلاف .. فاضطر ميشيل للسير وراء نيربية بعد فشله الشخصي  واستنكاف غليون ، وكل ذلك فقط نكاية بالجربا ..فشق كتلته أيضا والتي قدمت كل المرشحين المتنافسين  .

وبفوز هادي ، نفقد كل أمل في اصلاح أو اعادة بناء لمؤسسات المعارضة التي أصبحت بيد الجربا ،الذي يخطط للتغول عليها جميعا بدءا  من المجلس العسكري الأعلى وقيادة الجيش الوطني .. الذي يطمح ليكون قائده الأوحد بعد أن يرتدي الرتب العسكرية التي سيمنحها له هادي .. وصولا لأصغر منصب في حكومة الائتلاف الذي يذهب للمقربين من أولاد العشيرة فقط …  وبتكريس هذا الوضع الذي عليه المعارضة .. نكون قد ألغينا أي تفكير بوجود طرف ثالث حقيقي يملأ الفراغ ويكون في المستقبل بديلا عن حالش وشبيحة بشار ، والبغدادي خليفة داعش .. وما أدراك ما داعش ..  أي أنه في النهاية فاز بشار وفاز هادي .. لكن البيعة للبغدادي .

عادة يسألونا عن الحل ، فنكرر ، عاجلا أم آجلا كل دعم يأتي للفشل سيزيد منه  ومسألة تمثيل الشعب السوري لن تحل قبل وجود الدولة التي تجمعه ،… ولابد من تصميم مشروع لتشكيل جبهة سياسية عسكرية واضحة المبادئ جيدة التنظيم ، تبنى بطريقة مؤسساتية ، تهتم بتنظيم وتجميع قوى المجتمع وطاقاته ..  من أجل تنظيم كل هذه الفوضى، وتحرير  واعادة بناء سوريا ضمن مشروع وطني واضح وملزم ، وبيد قوى تنفيذ مراقبة ومنضبطة ، وبغطاء ودعم واشراف وتوافق دولي … لتنهي وجود بشار وداعش وحالش وكل عصابات وأمراء الحرب ، فسوريا كدولة في حالة فشل ، واعادة بناء الدولة يحتاج لإدارة ناجحة وتنظيم فاعل ومساندة قوية داخلية وخارجية ، وقبل ذلك لمشروع واضح مقنع وعملي يحقق مصالح أوسع طيف في الداخل والخارج ، ويؤمن التحالف الدولي القادر على انجاحه …  وهو ما نعمل عليه حاليا .. ونأمل من الله التوفيق ، ومن المخلصين المشاركة … 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.