داعش

أين يسير الإئتلاف السوري بعد انتصارات داعش؟

 أين هو موقع الإئتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة من الأحداث الحالية الجارية في سوريا والعراق؟ سؤال تحتاج الإجابة عليه النظر في مجمل الأهداف التي قامت عليها فكرة تأسيس التجمع السوري أو المظلة الجامعة لقوى المعارضة السورية في إطار واحد يمكن للقوى الداعمة للثورة السورية التحاور معه، وبالتالي يمكن لهذه القوى تنسيق جهود الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. فقد جاء تأسيس الإئتلاف كمطلب إقليمي ودولي من أجل ان يكون للثورة عنوانها الذي يذهب إليه كل من يدعمها، وكي يكون للسوريين ممثل في جهود الحل الدبلوماسي الذي ظل حيا حتى  نهاية مؤتمر جنيف-2، فعملية التسوية ظلت ناقصة من جهة الداعمين خاصة مجموعة «أصدقاء سوريا» التي لم يعد يسمع لها صوت في الآونة الأخيرة.

ولعل أهم هدف بعيدا عن الضغوط الإقليمية والتجادلات الخارجية في المسألة السورية كان إلغاء معادلة خارج/داخل في الثورة والقضاء على الخلافات بين فصائل المعارضة السورية التي تحولت إلى عبء على الثورة بدلا من أن تكون سندا لها وعونا. وهناك هدف آخر وهو منع صعود الجماعات الجهادية وملئها الفراغ حال انهيار النظام، والتحكم بالملف الأمني في المناطق المحررة وبناء مؤسسات حكم محلي قادرة على توفير الخدمات للسكان المحليين.

 وفي جردة حساب للإئتلاف وما حققه منذ الإعلان عنه في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 نخشى القول أن الإئتلاف يسير في الطريق الذي سار فيه سلفه المجلس الوطني السوري الذي ظل يكافح من أجل الحصول على التمثيل والإعتراف وجمع الطيف السوري المعارض للأسد. وكانت اجتماعات المجلس المنقسم لتيارات غالبا ما تنتهي بشجارات وخلافات وتبادل إتهامات. ولا يخلو جو الإئتلاف من خلافات كهذه، فبعد إستقالة رئيسه الأول معاذ الخطيب، وتولي أحمد الجربا الرئاسة لولايتين ها هو الإئتلاف ينتخب رئيسه الثالث هادي البحرة. ويتولى البحرة رئاسة الإئتلاف في فترة حرجة من عمر الثورة السورية التي دخلت عامها الرابع، وتواجه تحديات عسكرية وسياسية وإنسانية. فعام 2013 لم يكن عاما جيدا بالنسبة للثورة السورية فقد خسرت فيه المعارضة المسلحة مواقع لها في حمص ودمشق والقلمون والرقة وكسب، ولم يعد بيدها زمام المبادرة كما كان الحال في عام 2012 حيث كانت الولايات المتحدة والدول الحليفة لها تتوقع سقوط النظام في مدى قصير.

وتواجه الفصائل معركة فاصلة في حلب حيث تتقدم قوات النظام نحو مناطق المعارضة، فيما يواجه المقاتلون واقعا جديدا فرضته إنتصارات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» على مسار الثورة السورية، فهذا التنظيم المعزز بالعتاد المتقدم والمقاتلين بات يجذب إليه مقاتلين من فصائل الجيش الحر الذي واجه معركة وجودية في الشمال لو نجح النظام بحصار أحياء حلب.

 ونجح داعش في استعادة ما خسره أمام تحالف الجبهة الإسلامية في سوريا وجبهة ثوار سوريا في بداية  العام الحالي مما يعني في النهاية تشرذما أكثر للجيش السوري الحر أو تحوله لكيان لا أهمية له. فالوضع الميداني هو تحد يواجهه البحرة في رئاسته للإئتلاف في ظل تدن لمعنويات المقاتلين في  الفصائل «المعتدلة» وهجرة عدد من المقاتلين للفصائل الجهادية أو هجرة بعضهم لتركيا محبطا، فيما لم تعد جبهة النصرة لأهل الشام ممثلة القاعدة في سوريا والتي كانت على خلاف داعش تنسق وتخوض معارك ضد النظام مهتمة بقتاله.

وكما أوردت تقارير صحافية فهي مهتمة اليوم برسم حدود  «إمارة» إسلامية في جنوب سوريا. وعليه فما قام الائتلاف لأجل تحقيقه لم يتحقق، بل ووقع في المحظور وهو تقوية سلطة الجهاديين وبالتحديد داعش المتهم بالتعاون مع النظام سواء كان هذا التعاون تكتيكيا أم فعليا. ففي الوقت الذي توقف فيه زحف داعش والجماعات السنية المتحالفة ضد حكومة نوري المالكي في العراق، إلا انه يتقدم في مناطق المعارضة السورية ويستعيد ما خسره أمام أعين  الجيش الحر وفصائله التي تعاني من نقص في المال والسلاح.
فعلى ما يبدو لم تنجح سياسة الولايات المتحدة  في تعزيز «المعتدلين» والتي تقوم على إختيار مجموعات بعينها بعد التأكد من ملفاتها الأمنية بتحقيق إنجازات على الأرض، وعلى ما يبدو فما تطرحه الولايات المتحدة وما تحدث عنه الرئيس باراك أوباما في خطابه في الأكاديمية العسكرية في «ويست بوينت» هو خطة طويلة الأمد، وطلبه الأخير من الكونغرس إقرار 500 مليون دولار أمريكي لن تمرر إلا في بداية العام المقبل وهذا بسبب الآلية التي يعمل من خلالها الكونغرس ولجانه المتعددة.

ومشكلة أوباما والدول الغربية مع سوريا ليست مشكلة تسليح بل ربط الحرب الأهلية السورية بمنظومة قتال الإرهاب الإسلامي، ولم يكن خافيا أن ميزانية أوباما لدعم السوريين كانت من صندوق دعم الحرب على الإرهاب الذي اقترحه في خطابه الأخير. كما كان واضحا حرص الولايات المتحدة على  تجنيد المعارضة ومعها الإئتلاف في الحرب على الإرهاب عندما طلب جون كيري وزير الخارجية الأمريكي في جدة السعودية مع زعيم الإئتلاف السابق الجربا المساعدة في ضرب داعش، وجاء الطلب مباشرة بعد إعلان أوباما، وكأن كيري يتوقع من الجيش الحر خوض معارك خارج حدود سوريا. كما لم تنجح حتى الآن سياسة الولايات المتحدة باقناع دولها الحليفة في المنطقة، خاصة الأردن المشاركة علنا ببرامج تجنيد وتدريب المقاتلين السوريين.

 صحيح ان الولايات المتحدة قدمت بعضا من العتاد العسكري المتقدم المضاد للدبابات ولكنها ترددت بتزويدها بالصواريخ المضادة للطائرات القادرة على تغيير ملامح اللعبة، فما قدمته لحركات مثل حزم وجبهة ثوار سوريا كان رمزيا، ومع أن مطلب التسليح كان واحدا من أهم بنود زيارة الجربا لواشنطن في أيار/مايو هو الدفع بهذا الإتجاه لكن ما حصل عليه من أوباما لم يتعد رفع التمثيل الدبلوماسي للإئتلاف الوطني، وهي خطوة مهمة لكنها رمزية ولا تساعد على تغيير ميزان القوة على الأرض.

يحظى الإئتلاف الوطني بدعم عدد كبير من الدول باستثناء روسيا وإيران ولكنه لم يستطع حتى الآن الحصول على تمثيل كامل للسوريين ولم يحصل على مقعد سوريا في الجامعة العربية بنفس الطريقة التي حاول فيها المجلس الوطني الحصول عليها، مع أن الإئتلاف يظل أحسن حظا من المجلس الذي ظلت الإتهامات توجه إليه بسبب تأثير الإسلاميين عليه. وعموما فما حققه الإئتلاف الوطني على الصعيد الدولي وهو متواضع لم يرفق بجهود ميدانية، فالحكومة المؤقتة التي استقال رئيسها الأول غسان هيتو نتيجة لإعتراضات إقليمية وعين أحمد طعمة بدلا منه ظلت غائبة عن الساحة، وجاءت إستقالة وزير الدفاع أسعد مصطفى الذي بررها بأنه لا يريد أن يكون شاهد زور على تدمير سوريا، لتعطي فكرة عن الدور الذي تضطلع به الحكومة المؤقتة. وكما أظهر تقرير نشرته صحيفة «لوس أنجليس تايمز» فمحاولات تشكيل وحدات شرطة محلية تابعة للفصائل تواجه مشاكل بسبب تشرذم فصائل المقاتلين وإنتشار عصابات الإجرام التي استفادت من الفراغ الأمني. ووصف ناشط هرب من سوريا لتركيا نقلت عنه صحيفة «فايننشال تايمز» رحلته بأنها تمت عبر أربع دول – في سوريا- داعش ونظام الأسد والأكراد وعصابات فصائل المعارضة. كما وينسحب نفس الأمر على المجلس العسكري الأعلى للثورة السورية  فـ «الإنقلاب» على سليم إدريس وتعيين العقيد عبدالإله البشير النعيمي بدلا عنه، لم يؤد  لفرض المجلس سيطرته على الوضع الداخلي، وظل الحديث عن حملة الجنوب لتعزيز سطوة الجيش الحر هناك نظريا بل ودخلت جبهة النصرة المنطقة مع أن حضورها لم يكن بارزا هناك.

في ظل غياب أفق الحل العسكري، ونهاية الحل السياسي بعد فشل جنيف، ورحيل الأخضر الإبراهيمي دون وداع، محبطا لعدم نجاحه في إقناع أطراف النزاع بجسر هوة الخلافات بينها، وقيام النظام بتنظيم انتخابات رئاسية كرست للمرة الثالثة الأسد رئيسا،  تقف المعارضة اليوم على مفترق طرق قد يقود لتحللها لمعارضات متعددة او إصلاح البيت وبناء جسور مع الداخل.  من سوء حظ السوريين والإئتلاف السوري انهم رهنوا معركتهم منذ البداية بتدخل خارجي لم يأت، مما أدخل ثورتهم في التجادلات الإقليمية أو الصراع بين المحور الإيراني والسعودي، فالحرب الأهلية في سوريا خرجت من يد السوريين وأصبحت حروب وكالة ساحتها سوريا يدفع المدنيون الثمن الباهظ فيها ويمحى فيها التراث الحضاري والإنساني.

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.