الائتلاف

 الائتلاف السوري وسط زوبعة الإنتقادات وصورة قاتمة لمستقبله

 ينظر الكثير من السوريين بتشاؤم إلى التطورات الأخيرة التي تشهدها ساحة المعارضة على إثر الخلافات التي دبت في جسد الائتلاف، وكثيرون يتوجسون من تبعات الإنتخابات الأخيرة التي جاءت بهادي بحرة رئيسا له. ويرى البعض أنه إذا بقيت الأمور على هذه الشاكلة، فإن ذلك سيزيد من توقعاتهم بانحلاله التدريجي، إذ أن الائتلاف بما وقع فيه من أخطاء، وفق آراء بعض المحللين نقل إلى المجتمع السوري أمراضه وخلافاته وتنافساته، وأصبح عبارة عن كتل متصارعة على مناصب وهمية، في حين يتصاعد الهجوم العسكري للنظام السوري وحلفائه على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، ويوميا تخسر الثورة مناطق جديدة. بداية هذه الأزمة العاصفة بمستقبل المعارضة، حملتها التصريحات التي أثارها عضو الائتلاف السوري المعارض ميشيل كيلو بهجومه العنيف على الرئيس السابق للائتلاف أحمد الجربا، والرئيس الحالي هادي البحرة والتي أثارت جملة تساؤلات حول الوضع الحقيقي لبيت المعارضة ومستقبل التنظيم الذي يحارب في الوقت الحالي على عدة جبهات، ويعاني من تجاذبات إقليمية تشل حركته، وتؤثر على أدائه في حالات كثيرة، وتبعده أكثر عن فئات الشعب السوري، حسب وصف بعض المعارضين.

وتزامنت تصريحات كيلو التي خرجت للعلن بعد ساعات من تسمية البحرة رئيسا وكان لها وقع كبير على عدة مستويات. وجمعت «القدس العربي» آراء وانطباعات بعض الفاعلين  في المعارضة والمتابعين والمحللين للشأن السوري من العاصمة القطرية الدوحة التي كان لها دور في وقت سابق في جمع أطياف المعارضة قبل أن تخرج إلى العلن لبلورة تصورات واضحة حول مسار نضالها ضد النظام. ويؤكد رئيس «مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سوريا» الدكتور عوض السليمان، أنه لا يعول شخصياً على الائتلاف وانتخاباته، وهو رأي يرى أنه يشاطره فيه كثير من السوريين في الداخل.

ويضيف «يؤسفني القول إن الائتلاف منفصل عن واقع الشعب السوري ولم يستطع أن يرتقي إلى مطالب مختلف فئاته، كما لم يستطع التعبير عنه في المحافل الدولية، وبالتالي لم تعبر إنتخاباته عن إرادة الثوار في المدن السورية، وإنما عكست مصالح وتجاذبات إقليمية ودولية مختلفة. وقد غصّت وسائل الإعلام بالحديث عن تأييد قطر للصباغ ومن قبله لمعاذ الخطيب، وتأييدالسعودية للجربا ومن بعده لهادي البحرة». ويشدد الأستاذ في مركز رؤية للإعلام والباحث في الشأن السوري أن «القوى غير السورية التي شكلت الائتلاف لا تبحث عن مصلحة الشعب ورغبته في الحرية والتخلص من الإستبداد، وإنما تفتش عن مصالحها الاقتصادية والسياسية، فمن فريق يرغب في تقوية العلمانيين، إلى آخر يعمل على تولية الإسلاميين السلطة، وثالث يدعم رجال الأعمال». ويكشف المعارض للنظام أن «الطريقة التي تم بها إنتخاب هادي البحرة، والفضائح التي زكمت الأنوف، والتي أخرجها للعلن أعضاء الائتلاف أنفسهم، تدل على أن المصالح الضيقة هي التي تتحكم في المسار من بدايته حتى النهاية». ويشير الدكتور عوض إلى أنه يجب التذكر دوما «كيف أن العديد من أعضاء الائتلاف سعوا بكل قوة لإيقاف معركة الساحل، علماً بأن تلك المعركة كانت ستقلب الموازين الدولية في سوريا، بالإضافة إلى أنها ستضعف مراكز إنطلاق الشبيحة وتدمر الأسلحة المخزّنة هناك». ويكشف المعارض أن «أعضاء الائتلاف كانوا يعلمون أن الولايات المتحدة لن تتدخل في سوريا بأي طريقة كانت، ولن تحمي منجزات الثورة الميدانية، وهذا ما أعلنه السفير الأمريكي السابق في دمشق فورد أثناء إنتخابات المجلس الوطني التي انعقدت في الدوحة، إلا أنهم أخفوا تلك المعلومات وأدعوا على الدوام، أن أمريكا ستسلح الثوار السوريين في القريب العاجل، هذا القريب الذي لم يصل حتى اليوم».

ويدق الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حمزة المصطفى ناقوس الخطر بالتأكيد على أن الائتلاف يمر بأسوأ مرحلة في تاريخه منذ تأسيسه، فهو لا يحظى بقبول وشرعية داخلية بسبب عجزه البنيوي والمؤسساتي عن مجاراة ظروف الثورة السورية الصعبة والتعامل معها، وأصبح في نظر شريحة كبيرة من السوريين، عبارة عن جسم يحظى بإعتراف خارجي شكلي، تتنافس فيه كتل متصارعة على مناصب وهمية، في حين يتصاعد الهجوم العسكري للنظام وحلفائه على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، ويوميا تخسر الثورة مناطق جديدة سواء لصالح النظام أو لصالح تنظيم داعش. وحول ظروف انتخاب هادي البحرة رئيسا جديدا للائتلاف يؤكد الباحث في المركز الذي يتخذ من الدوحة مقرا له، أن الأمر لم يعكس تجاذبا إقليميا بمقدار ما عبر عن مناكفات وإستقطابات وإنقسامات داخل الائتلاف وكتله المختلفة، فالاهتمام الدولي بالأزمة السورية تراجع في الفترة الأخيرة ولاسيما بعد فشل جنيف 2 وعجز القوى الراعية عن القيام بجهود بناءة لإعادة إحيائه، وبناء عليه فإن الائتلاف لم يكن يواجه استحقاقات دولية تفرض بقاء قياداته ولذلك كان الإهتمام الاقليمي والدولي بانتخابات الائتلاف في أدنى مستوى منذ تأسيسه. وعلى العكس، عكس التحالف الانتخابي الذي قاد هادي البحرة إلى رئاسة الائتلاف ونصر الحريري إلى الأمانة العامة، توافقا بين كتلتين كبيرتين تحسبان على دولتين عربيتين فاعلتين في الأزمة السورية. ويضيف أن انتخابات الائتلاف لم تجر في أجواء صحيحة وصحية، بل على العكس فإن اللجوء إلى مبدأ الانتخاب بدلا من التوافق، عكس بشكل أو بآخر مدى حدة الاستقطاب. ويكشف أنه في 19- 20 حزيران/يونيو الماضي اجتمعت شخصيات فاعلة ممثلة للقوى المكونة للائتلاف في اسطنبول وأجمعت على قيادة جديدة للائتلاف تكون محل رضا جميع القوى، وكانت جميع الترجيحات تصب في صالح رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب لمنصب رئيس الائتلاف، وعضو القائمة الديمقراطية موفق نيربية لمنصب الأمين العام. ويضيف أن قوى بعينها معنية برئاسة الائتلاف نسفت هذا الإتفاق، فبعد ترشيحها نيربية للمنافسة على منصب الرئيس والأمين العام، قامت القائمة الديمقراطية في الائتلاف وبضغط من رئيس الائتلاف السابق أحمد الجربا بإعادة الانتخاب من جديد، لتسفر النتائج وكما أراد الجربا (عبر الولاءات والضغوط) عن فوز مرشحه. ويؤكد الباحث الذي شارك في إنجاز العديد من البحوث والدراسات أن «انتخابات الائتلاف الأخيرة جاءت لتوسع الشرخ داخل معسكر القوى المعارضة للنظام السوري، وتعمق من حالة الوهن التي تمر بها الثورة السوريّة والقوى الممثلة لها، لاسيما بعد أزمة الأركان الأخيرة، والأزمة بين الحكومة المؤقتة وقيادة الائتلاف السابقة على مسألة الأحقية في حل مجلس «الثلاثين» العسكري الذي يمثل الأركان». ويستخلص المصطفى الذي ساهم رفقة أكاديميين من المركز في إصدار دراسات مرجعية عن مجريات الثورة السورية، أن «الائتلاف ينتظره مستقبل مظلم إذا ما أستمر في هذا النهج، ولم يرتق بعمله ليكون على قدر المسؤولية، بحيث ينتقل إلى العمل المؤسساتي المحترم ويبتعد عن المهاترات والتنافسات والصراعات الحزبية الداخلية، ويضع استراتيجية عسكرية لتوحيد قوى الثورة أو على الأقل التنسيق فيما بينها لمواجهة التحديات القائمة».

وحول الائتلاف الوطني ومستقبله، يؤكد الدكتور حازم نهار أن الائتلاف لم يتعامل منذ تأسيسه وحتى اليوم كمؤسسة سياسية حقيقية، وما زال يعاني من إشكالات عديدة، على المستوى التنظيمي والإداري والإعلامي، وكذلك على مستوى العلاقة مع الثورة من جهة والعلاقات الدولية من جهة أخرى.

ويضيف أنه «إذا بقيت الأمور على هذه الشاكلة، وهو الأرجح، فـــإنني أتوقع انحلاله تدريجياً». وفي تحليله لمجريات الأوضاع يرى المعارض السوري أنه «منذ بداية الثورة وحتى اللحظة كانت نقطة الضعف الرئيسية فيها هي عدم وجود أو تبلور قوى سياسية تؤدي الوظائف الثلاث المطلوبة: الأولى، إيصال رسالة إلى العالم الخارجي بأن سوريا تتوافر على بديل ناضج ورصين، قادر على القيام بإدارة المرحلة الانتقالية بعد رحيل النظام. الثانية، إيصال رسالة إلى الثورة وأهلها بأن هذه المعارضة تستطيع أن تقود العمل السياسي والإعلامي اللازمين خلال مرحلة ما قبل رحيل النظام. أما الثالثة، فهي توفير الاطمئنان على المستقبل عند المحايدين والخائفين والموالين من الشعب السوري عبر تقديم خطاب وطني جامع. لكن للأسف، فإن ذلك لم يحدث».

ويشير الدكتور حازم إلى أن «رهان النظام السوري كان بشكل رئيسي يعتمد على تفسخ المعارضة، إذا لم تتوافر فيها بعض العناصر الأساسية، أو عوامل النمو والبقاء والاستمرارية. وعلى رأسها وجود مركز ناظم أو بوصلة لتوجيه الحركة والخطاب والفعل». ويؤكد أن «الائتلاف الوطني حصل خلال العامين الماضيين، على فرص كافية ولم ينجح، بل على العكس، فقد خلق كل ما من شأنه دفع عملية التفسخ نحو الأمام، ونقل إلى المجتمع السوري أمراضه وخلافاته وتنافساته، وقدم حالة غير مطمئنة للسوريين والمجتمع الدولي حول مستقبل البلد». ويستخلص الباحث السياسي والناقد أن «السوريين لم يعودوا ينتظرون شيئاً من المعارضة برمتها، لأنها صرفت جل وقتها في الهيكلة وإعادة الهيكلة، وكانت نقاشاتها منصبة فحسب على القضايا التقنية والتنظيمية وتوزيع المقاعد، فيما كانت القضايا والاستحقاقات السياسية غير موجودة فعلياً على جدول أعمالها. ولذا كانت التبدلات في قياداتها غير مؤثرة على الحصيلة العامة، وكانت أعمالها فترة ضائعة ومجانية لم تقدِّم شيئاً سوى إضافة شخصيات جديدة واستبدالها بأخرى بشكل متكرر». وبعد الانتخابات الأخيرة وما صاحبها من جدل كشفه صراع الأطراف داخل الائتلاف عجت مواقع التواصل الاجتماعي بمواضيع كثيرة تشير إلى خطورة هذه التطورات التي تهدد مستقبل الثورة السورية، ووجه سوريون من الداخل ومن الخارج انتقادات كثيرة لمعارضي النظام بتأزيم الوضع في بيت المعارضة وتحويل صراعها إلى قضايا هامشية. ويرى فتحي بيوض رئيس تحرير صحيفة «زمان الوصل» الإلكترونية والتي تنقل أخبار الثورة السورية أنه أسلف الحديث في مقال سابق له عن المعلومات التي ظلت الصحيفة تنشرها لفترة طويلة عن ما تعتبره أخطاء وقعت وبالأسماء ليعرف القراء حقيقة أين موقع الثورة في قلوبهم ولسيادة مبدأ المحاسبة بعد الشفافية، لرسم مخطط قابل للتنفيذ في بلد حر، لكنه وبعد كل تلك الحقائق الموثقة لم يحدث أي شيء أو تحرك للمحاسبة.

ويضيف أنه عندما تأسس الائتلاف الوطني، «كانت أحلامنا أكبر منه بكثير، فأرسلت طلبا رسميا إلى قيادته لترخيص «زمان الوصل» كجريدة يوميةسورية مستقلة، فقط لنتكامل مع هذه المؤسسة وتعطينا ونعطيها صفة الرسمية والناظمة للنشر الثوري، وكما كل شيء في الائتلاف، مر طلبنا مرور الكرام وانتهى الأمر بعدم الرد، وأحمد الله الآن على هذا، وإلا كنا تورطنا في أفعال الائتلاف كمؤسسة لم تستثمر حتى الإعلام الوطني، وركضت وراء بعض الوسائل العربية والعالمية تستجدي منها خبرا أو تقريرا أو تعديلا  لمصطلح». ويتساءل بيوض «هادي البحرة أصبح رئيسا لهذه المؤسسة، لكن ماذا يستطيع أن يقدم في ظل كل هذه العلامات من الإستفهام حول استقلالية قراره والتي يجب أن يثبتها للرأي العام السوري ثم العربي والأجنبي، فهذه هي الفرصة الأخيرة للائتلاف كي يكون حقا للسوريين، وليس لبعض أعضائه». سؤال يراود ذهن الكثير من السوريين الذين يترقبون أن تكون معارضتهم قدر التطلعات التي علقوها عليها لتحارب ممارسات النظام الذي حاربوه لأجل سيادة قيم الحق والعدل.

سليمان حاج إبراهيم – القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.